تسهر أم جميل ناصر سالم يوميا حتى الفجر بانتظار قدوم الماء لتعبئة خزاناتها وبعض "الدبات" التي من شأنها سداد بعض حاجتهم التي لا تنتهي للماء.
تقول أم جميل "انتظر يوميا حتى الفجر عسى أن يأتي الماء، وفي بعض الأحيان يأتي، ولكن في كثير من الأوقات لا يأتي، وأنا انتظره يوميا حتى لا يفوتني، فإن أتى كان خيرا، وإن لم يأتِ انتظره في اليوم التالي".
وتضيف: "ليس هناك يوم أو ساعة محددة للماء، وفي كثير من الأوقات قوته لا تمكنه من الوصول إلى الخزان في سطح المنزل، لذا اضطر أن أقوم بتعبئة بعض الدّبات الكبيرة لتعبئة هذا الخزان، وطبعا هذا بمساعدة أبنائي الثلاثة (جميل، أمير، محمد).
وتساءلت بالقول: "أين الحكومة والسلطة المحلية من معاناتنا هذه؟ ألا تعلم ما يصيبنا خلال فترة الصيف من حر شديد يقابله انقطاعات متكررة للكهرباء، لتسهم شحة المياه في زيادة معاناتنا".
يأتي هذا التساؤل الذي ردده كثير ممن شكوا لـ"السياسية" ومدينة عدن تعاني من تهديدات بالجفاف، جراء خروج الكثير من الآبار التي تموّلها في حقول بئر أحمد ودلتا تبن وحقول أبين التي تموّل المحافظة بالمياه عن الخدمة بعد نضوبها من تلك الآبار.
وهذا ما أكده أحد تقارير المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي الذي أشار إلى أنه تم الاستغناء عن عشرين بئرا محفورة بصورة نهائية في حقل تبن في محافظة لحج، لأنها أصبحت خارج نطاق التشغيل، فيما يتم الاستفادة حاليا من بئرين فقط في هذا الحقل، يذهب إنتاجهما لصالح مديرية تبن.
يقول سلمان عبد ربه الخضر (أحد مواطني مديرية صيرة): "خلال أيام الصيف نحتاج إلى المياه كثيرا، فنحن لا نستطيع أن نعيش بدون المياه، خاصة وأن الكهرباء لا ترحمنا من انقطاعاتها المتواصلة، والتي تكون عادة في عز الحر".
ويضيف: "متى ستكون المياه متواصلة ولا تنقطع إلا ساعات فقط؟ متسائلا بالقول: ألسنا العاصمة الاقتصادية والتجارية الواعدة بالاستثمارات والمشاريع الكبرى العملاقة؟!".
فيما يشكو محمد جميل الذي يسكن في الدور الرابع بإحدى العمارات من ضعف قوة المياه التي في بعض الأوقات لا يمكن أن تصل إلى الخزانات، مما يضطرهم إلى تشغيل الدينمو, وهو أيضا لا يستطيع ضخ الماء إلى جميع الخزانات.
يقول محمد: "ننتظر المياه طوال الليل، وحتى ساعات الفجر الأولى، وعند ما يصل إليه يكاد يكون بعُرض الخيط، مما يدفعنا إلى تشغيل الدينمو، ولكنه لا يقوم بالواجب أيضا".
ويضيف: "أحيانا تنقطع المياه قبل أن تصل إلى معظم خزانات ساكني العمارة، مما يجعلنا نتشارك في المياه التي وصلت لبعض الخزانات، وهي أيضا لا تكفينا أبدا".
فيما يشير سليم نصر محمد (مواطن) إلى "أن الأعمال المنزلية أصبحت تنقل من النهار إلى الليل، فمثلا يتم جلي الصحون وغسلها ليلا، كما يتم شطف الثياب أيضا خلال الليل".
يقول سليم: "بسبب انقطاعات الماه وانعدامه لأيام أصبح ليلنا نهارا ونهارنا ليلا، فالنهار أصبح وقت النوم والراحة إذا لم نتقطع الكهرباء، فيما الليل هو وقت الشقى والتعب".
ويضيف: "لا أعلم لماذا ليس هناك اهتمام بهذا الجانب، فالله سبحانه وتعالى قال: {وجعلنا من الماء كل شيء حيٌ} بينما مؤسسة المياه لا تعول على هذه الآية، بل إنها تنتظر حتى قدوم الصيف لتبدأ استعداداتها لمجابهته".
ويتساءل سليم: "أي استعدادات التي تأتي في وسط الصيف؟ يجب أن تكون قبل الصيف، وليس في وسطه أو بعد انتهائه".
تقرير المياه، الذي حصلت "السياسية" على نسخة منه حمّل هذا العجز في إنتاج المياه من مختلف الحقول انقطاعات الطاقة الكهربائية وعجزها الذي يؤدي إلى توقف عدد من الآبار العاملة في حقل أبين، ويتسبب في عجز يرتفع في بعض الأحيان إلى 60 بالمائة، الأمر الذي يؤدي إلى هبوط غير اعتيادي في تموينات المياه على مستوى المحافظة من هذا الحقل البالغ مساهمته 30 بالمائة.
كما حمّل تقرير المياه هذا العجز استمرار الحفر العشوائي للآبار في مناطق الحقول الإنتاجية، محذرا من مخاطر استمرار حفر آبار المياه بشكل عشوائي في مناطق الحقول الإنتاجية التي تعتمد عليها المؤسسة في تلبية احتياجات سكان المحافظة والمناطق المحيطة بها.
وأشار التقرير إلى أن الآبار التي تم حفرها عشوائيا في كل من دلتا وادي بنا ووادي تبن، وصل مع نهاية العام الماضي إلى أكثر من 2500 بئر وسبب عجز سنوي يقدّر بـ15 مليون متر مكعب من المياه.
وبحسب ما يراه تقرير صادر عن الهيئة العامة للموارد المائية للحوض المائي (عدن – لحج – أبين) فإن هذه الظاهرة يلزمها قرار سياسي يكفل الأمن المائي، وكذا فرض إجراءات تشريعية وقانونية للحد منها.
انخفاض كميّات المياه
تقرير المياه بيّن أن كميات المياه المتدفقة إلى خزانات التجميع في بئر ناصر والواصلة من حقل أبين انخفضت خلال الفترة من يناير – أكتوبر 2008، إلى ما يعادل 32 بالمائة، موضحا أن إجمالي الإنتاج في يناير 2008 بلغ مليونا و268 ألفا و108 أمتار مكعبة، وفي أكتوبر 2008 بلغ الإنتاج 858 ألفا و467 مترا مكعبا، بلغ نصيب عدن منها في يناير 678 ألفا و540 مترا مكعبا، وفي أكتوبر 466 ألفا و176 مترا مكعبا.
وبحسب التقرير فإن هذا الانخفاض انعكس تأثيره على انخفاض نصيب الفرد من المياه المنتجة من الحقل، مما أثر سلبا على منسوب المياه في خزانات التجميع في بئر ناصر، وكذا في جبل حديد بخور مكسر، وخلق حالات ضغط من التموين للمياه في "البساتين" و"دار سعد" ومرتفعات مديريتي المعلا والتواهي.
وأظهر التقرير أن سُمْك الطبقة الحاملة للمادة ضعيف، وأقصى حد له يتواجد على عمق مائة متر من سطح التربة، الأمر الذي أدى إلى هبوط سنوي في مستوى الماء الثابت للخزان إلى ما يزيد عن 5 إلى 10 أمتار في العام.
آثار تلوث
وفيما ما زالت السلطة المحلية تبحث عن حلول لمعالجة مشكلة المياه وحالة الجفاف التي تعيشها المنطقة، حذّر تقرير الهيئة العامة لحماية الموارد المائية من آثار التلوث التي بدأت تظهر في كثير من المواقع نتيجة الأنشطة المختلفة من جراء انشاء محطات غسيل السيارات وتسرب مياه المجاري والبيّارات والتصريف المباشر إلى مستويات المياه الجوفية من المنشآت الصناعية والسياحية، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى التلوث وضياع الحوض المائي وعدم المقدرة على المعالجة.
وطالب التقرير بوضع المعالجات وإعداد الشروط المرجعية، وتنفيذ الاشتراطات البيئية للمشاريع، وتقييم الآثار المحتملة بهدف حماية الموارد الطبيعية واستخدامها بطريقة مستدامة.
حلول ومقترحات
ورغم أن تقريري المياه وهيئة الموارد المائية تضمنا عددا من الحلول المقترحة والهادفة إلى مواجهة انخفاض إنتاجية الحقول وتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه والمتمثلة في البحث الجدي عن إمكانية تحلية مياه البحر أو إيجاد مصدر مياه جوفية إضافي، ريثما تتطور تكنولوجيا تحلية المياه خلال السنوات القادمة، إلا أن عدد من المواطنين اعتبروا أن هذا الأمر يتردد منذ سنين عدّة دون فائدة تذكر، كما يرى بشير سالم حسين (طالب جامعي) الذي قال: "كل عام تنشر مؤسسة المياه مثل هذه التقرير، وتكرر الحديث عن مشروع تحلية مياه البحر، وما زلنا ننتظر منذ أعوام تنفيذ هذا المشروع".
ويضيف بشير: "صحيح أن مشكلة المياه تعاني منها جميع محافظات الجمهورية، ولكن يجب أن ينظر إلى عدن بنظرة استثنائية، خاصة وأنها تعيش هذه الأيام أجواء حارة ويتطلب فيها استهلاك كميّات كبيرة من المياه".
ويرى بشير "أن المشكلة الكبرى هي أن مواعيد ضخ المياه تكون في الساعات الأولى من الفجر، وهذا يجعلنا نسهر الليل كله، حتى لا يفوتنا المشروع (المياه)، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تفويت العديد من المحاضرات الأولى في كليتي".
مصدر في المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي اكتفى بالقول إنه يتم حاليا العمل في حقل جديد بشرق المناصرة محافظة لحج، يتضمن أكثر من 10 آبار، وسيتم ضخ مياهها إلى خزانات التجميع في بئر ناصر، التي تبعد 16 كيلومترا عن الموقع.
وتوقع المصدر أن تصل إنتاجية هذا الحقل، الذي رُصد ثلاثة مليارات ريال لاستكمال إجراءات إدخاله إلى الخدمة، إلى 20 ألف متر مكعب يوميا، من شأنها تغطية العجز الناجم عن تراجع إنتاجية حقل أبين مع إعطاء زيادة في الكميّات المستخرجة لمواجهة الطلب المتزايد للمحافظة لجزء من فصل الصيف، مشيرا إلى أنه يعتمد على هذا الحقل كحقل مستقبلي لتغطية 30 بالمائة من احتياجات محافظة عدن للخمسة عشر عاما القادمة.
فيما طالب تقرير الهيئة بضرورة الاستفادة القصوى من مخرجات محطات المعالجة لمياه الصرف الصحي لزراعية الأعلاف وري المساحات الخضراء حول المدينة للحد من استنزاف المياه الجوفية، وكافة البدائل الممكنة، وتنمية الموارد المائية في الحوض المائي، موصيا المؤسسات المحلية للمياه والصرف الصحي في محافظات: عدن، لحج، أبين بوضع المعالم الرئيسية لحدود محارم حقول مياه الشرب وفقا لقرارات مجلس الوزراء الخاص بذلك، وبناء على الدراسات المنجزة من الهيئة بذلك؛ حفاظا على حقول مياه الشرب العامة من التلوث والبسط عليها.
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |