في تطور صادم هز الأوساط السياسية اللبنانية، أُطلق سراح هنيبال القذافي بعد 3,653 يوماً قضاها في السجن دون محاكمة - رقم يمثل أطول احتجاز سياسي في التاريخ اللبناني الحديث. من نجل أقوى رجل في ليبيا إلى سجين مجهول في بيروت، تنتهي قصة سقوط إمبراطورية بكفالة ذهبية قدرها 900 ألف دولار. بعد لحظات من مغادرته السجن، يبقى السؤال الأكبر: أين سيختبئ الرجل الذي يحمل أسرار قد تغير التاريخ؟
خرج الرجل ذو التاسعة والأربعين من بوابة السجن حاملاً حقيبة صغيرة، شعره أكثر بياضاً من يوم دخوله، وفي عينيه مزيج من الارتياح والحذر. انهارت الكفالة بنسبة 1,122% من 11 مليون دولار إلى 900 ألف - انهيار سريع كانهيار الليرة اللبنانية نفسها. "بالنسبة إليه هذه نهاية كابوس دام 10 سنوات"، قال محاميه الفرنسي لوران بايون، الذي ناضل عقداً كاملاً لتحقيق هذه اللحظة. أما أم حسين الصدر، البالغة من العمر 78 عاماً، والتي قضت حياتها في انتظار معرفة مصير ابنها المرافق للإمام الصدر، فلا تزال تنتظر العدالة الحقيقية.
القصة تعود إلى عام 1978، عندما اختفى الزعيم الشيعي موسى الصدر ورفيقاه في ليبيا، في لغز لم يُحل منذ 46 عاماً. هنيبال، الذي كان طفلاً في الثالثة عشرة حينها، أصبح رهينة للتاريخ وعقدة أجيال حول مصير الصدر. استُدرج من سوريا حيث كان لاجئاً سياسياً، ووُضع في السجن بتهمة "كتم معلومات" حول قضية حدثت عندما كان مجرد طفل. الخبراء يقارنون قضيته بإطلاق سراح نيلسون مانديلا، لكن بدون المجد - فهو خرج كرجل من كهف مظلم ليجد العالم تغير تماماً خلال غيابه.
التأثير على الحياة اليومية اللبنانية فوري ومتفجر. في مقاهي الضاحية الجنوبية وبعلبك، تدور نقاشات حادة حول العدالة والظلم، بينما تتصاعد التوترات الطائفية. د. سمير فرنجية، خبير القانون الدولي، يؤكد أن هذه القضية تمثل "انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وسابقة خطيرة في النظام القضائي". السيناريوهات المحتملة متعددة: قد يختفي في بلد آمن بوجهة سرية كما أعلن محاميه، أو قد تظهر أدلة جديدة تعيد فتح ملف موسى الصدر من زاوية مختلفة. أبو علي، حارس السجن، يروي أن هنيبال كان يقضي ساعات في قراءة القرآن والكتب التاريخية، كأنه يبحث عن إجابات لأسئلة لم يُسأل عنها رسمياً قط.
عشر سنوات، 900 ألف دولار، حرية مشروطة، ومصير مجهول - هذه خلاصة قضية تختصر أزمة العدالة في المنطقة. هل ستكشف الأيام القادمة أسراراً جديدة حول مصير موسى الصدر؟ هل سيتمكن النظام القضائي اللبناني من إصلاح نفسه لتجنب تكرار هذه المأساة؟ في عالم يسوده الظلم، هل الحرية حق أم امتياز؟ وهل العدالة للجميع أم للقادرين فقط على دفع الكفالة الذهبية؟