في صدمة اقتصادية مدوية هزت اليمن من أقصاه إلى أقصاه، ارتفع سعر الجنيه الذهبي في عدن بمقدار 53 ألف ريال خلال 24 ساعة فقط - رقم يعادل راتب موظف لشهر كامل! هذا الارتفاع الصاروخي دفع الأسعار لتتجاوز حاجز المليون وربع المليون ريال للمرة الأولى في تاريخ اليمن، بينما تقرأ هذا المقال ترتفع الأسعار كل دقيقة في مشهد اقتصادي لم تشهده البلاد من قبل.
تحولت أسواق الذهب في عدن وصنعاء إلى ساحات من القلق والذهول، حيث وصل سعر الجنيه الذهبي في عدن إلى 1,369,600 ريال مقابل 436,000 ريال فقط في صنعاء - فارق مذهل يصل إلى 933,600 ريال يكفي لشراء سيارة مستعملة! "لم أشهد في 30 سنة من عملي مثل هذا الجنون في الأسعار"، يقول أبو سالم، صائغ في سوق الذهب بعدن وهو يتفحص اليافطات الجديدة التي تُعلق كل ساعة. فاطمة أحمد، شابة من عدن تبلغ 28 عاماً، تقف أمام إحدى واجهات الذهب بعيون محملة بالدموع: "كنت أدخر لشراء طقم ذهب لزفافي، والآن أصبح حلمي مستحيلاً بعد أن تضاعف السعر ثلاث مرات."
يأتي هذا الارتفاع التاريخي في ظل انهيار مستمر للريال اليمني وعدم استقرار اقتصادي مزمن يضرب البلاد منذ سنوات. العوامل متعددة ومتشابكة: تدهور العملة المحلية، الأزمة السياسية المستعصية، وارتفاع أسعار الذهب عالمياً تتضافر جميعها لتخلق هذه العاصفة المثالية. رغم أن اليمن شهدت تقلبات مماثلة في التسعينيات، إلا أن الأرقام الحالية تحطم كل الأرقام القياسية السابقة. "إذا استمر هذا الارتفاع المجنون، فإننا نتجه نحو انهيار كامل للنظام الاقتصادي التقليدي"، يحذر د. عبدالله الصليحي، الخبير الاقتصادي.
أصبح حلم الحصول على الذهب للمناسبات الاجتماعية كالزواج أشبه بالمستحيل بالنسبة لمعظم المواطنين، مما يجبرهم على تأجيل أفراحهم أو البحث عن بدائل لا تحمل نفس القيمة الاجتماعية والثقافية. في المقابل، استطاع محمد الحاج، تاجر ذهب في صنعاء، توقع هذا الارتفاع وضاعف مبيعاته 400% خلال الشهر الماضي. المؤشرات الاقتصادية تدل على احتمالية استمرار هذا الارتفاع، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في العادات الاجتماعية اليمنية التي ارتبطت بالذهب لقرون طويلة. الخبراء ينصحون بضرورة تنويع المحافظ الاستثمارية وعدم الاعتماد كلياً على الذهب كملاذ آمن.
مع استمرار هذا الارتفاع الجنوني، يبقى السؤال المؤرق: إلى أين ستصل أسعار الذهب في اليمن؟ وهل سيتمكن المواطن اليمني من الحفاظ على تراثه الذهبي أم أن الواقع الاقتصادي القاسي سيجبره على التخلي عن أحلامه الذهبية إلى الأبد؟