في مشهد يفطر القلوب ويهز الضمير، يجلس عشرات الأطفال اليمنيين تحت ظل شجرة عارية، عيونهم تلمع بالشغف رغم القسوة التي تحيط بهم، يتابعون معلمهم وهو يخط الحروف على لوح خشبي مهترئ وُضع فوق كومة من الأحجار. 4.5 مليون طفل يمني محرومون من التعليم - رقم صادم يفوق عدد سكان الكويت وقطر مجتمعتين، في كارثة تعليمية تهدد بضياع جيل كامل.
المعلم مجيب الصبري يقف أمام طلابه في ريف محافظة تعز، قريباً من خطوط التماس العسكري، يحاول زرع بصيص أمل في قلوب صغيرة تصارع الحياة. "لا توجد مقاعد دراسية مهيأة، ولا أدوات مدرسية كافية، ولا كتب"، يقول بحسرة، بينما تحولت مدرستهم الحقيقية إلى ثكنة عسكرية منذ أكثر من ثماني سنوات. ليس الصبري وحيداً في معاناته، فـ172 ألف معلم ومعلمة لم يتلقوا رواتبهم بانتظام منذ العام 2016، يواصلون التدريس بصمود لا يُصدق.
خلف هذه المأساة التعليمية تكمن حرب ضروس مستمرة منذ أواخر 2014، حولت اليمن إلى ساحة معارك مقسمة جغرافياً بين سيطرة جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دولياً. واحدة من كل أربع مدارس في البلاد إما مدمرة أو متضررة أو تُستخدم لأغراض عسكرية، في انهيار منظم للبنية التعليمية يشبه ما حدث في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. المنظمات الدولية تحذر من أن 7.4 مليون طفل يواجهون تهديدات عاجلة تشمل عمالة الأطفال والزواج المبكر والتجنيد القسري.
في سوق مدينة مأرب المزدحم، يدفع رهيب عبده البالغ 15 عاماً عربته المهترئة محملة بالمخبوزات الشعبية. نزح مع أسرته من محافظة الحديدة هرباً من الحرب، ووجد نفسه مجبراً على ترك المدرسة. "لم أستطع إكمال الدراسة.. خرجت للعمل من أجل مساعدة أسرتي"، يقول وهو يكافح من أجل لقمة العيش. قصة رهيب تتكرر مع مئات الآلاف من الأطفال اليمنيين الذين اختاروا العمل بدلاً من التعليم، أو بالأحرى أُجبروا على هذا الخيار المر.
تقف منظمة اليونيسيف أمام هذه الكارثة الإنسانية وتطلق صرخة تحذير عاجلة: أزمة التعليم في اليمن مستمرة ومتفاقمة، مع 2916 مدرسة مدمرة أو متضررة - رقم يعادل تدمير كل المدارس في دولة مثل البحرين بالكامل. الخبراء يحذرون من أن كل يوم يمر دون تدخل عاجل يعني خطوة أخرى نحو ضياع جيل كامل، في كارثة تعليمية بقوة زلزال مدمر يضرب مستقبل بلد بأكمله. السؤال الذي يحرق القلوب: هل سنقف مكتوفي الأيدي أمام ضياع مستقبل 4.5 مليون طفل؟