في لحظة واحدة مرعبة، اختفت قرية ترسين السودانية عن الوجود، بعد أن ابتلعها صخور جبلية منهارة، تاركة وراءها ألف ضحية وشاهداً وحيداً على واحدة من أفظع الكوارث الطبيعية في تاريخ السودان الحديث.
أعلنت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، عن وقوع انزلاق أرضي مدمر في 31 أغسطس الماضي، طمر قرية ترسين الواقعة شرق جبل مرة بالكامل، مخلفاً أكثر من ألف قتيل ونجا شخص واحد فقط من هذه المأساة.

وكشف رئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد النور، في بيان صادر عن الحركة، أن حجم الكارثة كبير ويتطلب تضافر كافة الجهود المحلية والإقليمية والدولية لانتشال الجثث من تحت ركام الصخور.
الكارثة التي هزت إقليم دارفور، نجمت عن أمطار غزيرة هطلت على المنطقة لأسبوع كامل في أواخر أغسطس، مما أدى إلى انهيار التربة وانزلاق الصخور على القرية المسكينة التي "سويت بالأرض تماماً" حسب تعبير البيان الرسمي.

وفي تصريح للمجتمع الدولي، حذر النور من توقعات بحدوث كوارث مماثلة في بعض المناطق والقرى المجاورة، مطالباً بوضع خطة عاجلة لإجلاء المواطنين وتوفير السكن اللازم لهم.
محمد الناير، الناطق باسم حركة جيش تحرير السودان، وصف الوضع بأنه "مأساوي وكارثي للغاية"، مؤكداً أن الحركة تركز حالياً على إيجاد طرق لإجلاء الآلاف من سكان القرى المهددة.
وأضاف الناير في تصريحات صحفية أن الوضع يتفاقم في ظل التساقط المستمر للأمطار، مما يزيد المخاوف من حدوث المزيد من الانزلاقات التي قد تعرض حياة الآلاف للخطر.

تقع القرى المتضررة في منحدرات منخفضة للغاية، يصعب الوصول إليها إلا سيراً على الأقدام أو باستخدام الدواب في رحلة تستغرق أكثر من ست ساعات في بعض الأحيان، مما يعقد عمليات الإنقاذ والإغاثة بشكل كبير.
ويواجه السكان المحليون الذين يسعون لانتشال الجثث صعوبات كبيرة بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة لرفع الصخور والركام الثقيل الذي غطى القرية المنكوبة الواقعة أسفل الجبل.
وأشار الناير إلى الغياب الكامل للمنظمات الدولية في المنطقة، مشدداً على الحاجة العاجلة لتوفير الدواء والغذاء ومواد الإيواء للناجين والمتضررين.
حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، وصف ما وقع في قرية ترسين بـ"المأساة الإنسانية التي تفوق حدود الإقليم"، مناشداً المنظمات الإنسانية الدولية بالتدخل العاجل لتقديم الدعم والمساعدة في هذه اللحظة الحرجة.
وفقاً للسكان المحليين، فقد ترك الآلاف مساكنهم ونزحوا إلى مناطق مفتوحة أقل خطراً، لكنهم يواجهون ظروفاً طبيعية قاسية في ظل الهطول المتواصل للأمطار الغزيرة وانتشار عدد من الأمراض.
حسين رجال، المتحدث باسم منسقية النازحين، أكد أنهم يسعون للتواصل مع الناس في قرى المنطقة، لكنهم يواجهون صعوبات كبيرة حيث يعتمد معظم الناس على خدمات ستارلينك فقط في ظل توقف معظم خدمات الاتصال الأخرى.
كانت قرية ترسين، التي اشتهرت بإنتاج الحمضيات، تقع في وادي بوسط جبال مرة، وهي منطقة بركانية يزيد ارتفاع قمتها عن ثلاثة آلاف متر، وتقع على بُعد أكثر من 900 كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم.
شهدت المنطقة زيادة كبيرة في عدد السكان بعد نزوح الآلاف من مناطق الإقليم الأخرى بحثاً عن الأمان في ظل القتال المستمر في البلاد منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تفتقر معظم قرى المنطقة إلى الضروريات الأساسية من مياه صالحة للشرب ومراكز رعاية صحية، في ظل سيطرة حركة تحرير السودان على مناطق جبل مرة منذ عقود، حيث تعاني هذه المناطق من ضعف شديد في البنية التحتية.