أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اليوم الثلاثاء، العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين في مدارس التعليم العام بدءاً من العام الدراسي القادم 1447/1448هـ، مع الاحتفاظ بالمكتسبات النوعية التي تحققت خلال تطبيق نظام الفصول الثلاثة على مدى السنوات الأربع الماضية.
ثمّنت وزارة التعليم السعودية قرار المجلس، مؤكدة أن هذا التحول يأتي في ضوء ما تحقق من مكتسبات نوعية خلال تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة، الذي شكّل خطوة تطويرية مهمة أسهمت في ترسيخ عدد أيام الدراسة عند حد أدنى يبلغ 180 يوماً سنوياً.

يبدأ العام الدراسي الجديد بنظام الفصلين يوم الأحد 3 محرم 1447هـ الموافق 24 أغسطس 2025م، حيث تستمر الدراسة في الفصل الأول حتى الخميس 22 ربيع الآخر 1447هـ الموافق 25 أكتوبر 2025م، ثم تنطلق إجازة منتصف العام. وينطلق الفصل الدراسي الثاني يوم الأحد 10 جمادى الأولى 1447هـ الموافق 12 نوفمبر 2025م، ويختتم العام الدراسي في الخميس 19 ذو القعدة 1447هـ الموافق 16 يوليو 2026م.
أوضحت الوزارة أنها قامت بدراسة شاملة بمشاركة واسعة من المتخصصين والقيادات التربوية والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، هدفت إلى تقييم النماذج المطبقة وتعزيز التوجهات المستقبلية في ضوء مستهدفات رؤية السعودية 2030. توصلت الدراسة إلى أن تحسين جودة التعليم لا يرتبط بشكل مباشر بعدد الفصول الدراسية، وإنما بالعناصر الجوهرية للعملية التعليمية.
تشمل هذه العناصر الجوهرية تأهيل وتحفيز المعلم، وتطوير المناهج، وتعزيز البيئة المدرسية، ورفع مستوى الحوكمة والتحول المؤسسي، ومراقبة الالتزام من خلال منح مزيد من الصلاحيات والمرونة للمدارس وتمكينها نواة حقيقية للتغيير. كما أبرزت الدراسة أهمية تعزيز المرونة في التقويم الدراسي بما يتناسب مع التنوع الجغرافي والثقافي وتنوع واستدامة الأنشطة الطلابية.
يحافظ القرار الجديد على الإطار الزمني العام المعتمد مسبقاً للتقويم الدراسي للأعوام الأربعة القادمة، متضمناً الفترات التي تحدد بداية ونهاية العام الدراسي. هذا المعيار يتوافق مع معدل الأيام الدراسية في الدول المتقدمة تعليمياً وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD"، ويتماشى كذلك مع أنظمة دول مجموعة العشرين التي يتراوح عدد أيام الدراسة فيها بين 180 و185 يوماً، ويصل في بعضها إلى 200 يوم دراسي.
تستمر الوزارة في تعزيز التنوع والمرونة في بعض المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة، كمدارس التعليم الخاص والعالمية، والجامعات والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من حيث تحديد النظام الدراسي المناسب لها. إلى جانب الصلاحيات الممنوحة لإدارات التعليم بمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ومحافظتي الطائف وجدة، مراعاة لاحتياجات ومتطلبات مواسم الحج والعمرة والزيارة، وتحقيق التكامل مع الجهات الحكومية الأخرى.
يرى الدكتور عثمان الشقيفي، الباحث في الإدارة التربوية والثقافة التنظيمية، أن القرار يخدم أربعة محاور رئيسية، تشمل تخفيف العبء الدراسي على المنظومة التعليمية، ومنح المزيد من الوقت لعمليات التخطيط وضبط الجودة التدريسية. كما يتيح التركيز على عمق وجودة المخرجات المعرفية تقليص الضغط الناتج عن الاختبارات القصيرة والامتحانات المتكررة، مما يوفر فرصة أوسع لتبني بحث استقصائي وحواري في الدروس.
يضيف الشقيفي أن المحور الثالث يتمثل في تحسين جودة الحياة المدرسية للطلاب، حيث يعتبر تنظيم الإجازات وتوزيعها عبر العام عاملاً مهماً لاستعادة النشاط الذهني والبدني للطلاب، مما ينعكس إيجاباً على تركيزهم واستعدادهم للتعلم. أما المحور الرابع فيتعلق بتعزيز التحصيل الدراسي وفق نظرية الحمل المعرفي، التي ترى أن ازدحام المعلومات في ظل الفواصل الزمنية القصيرة بين الوحدات الدراسية يرفع نسبة الحمل المعرفي على الطالب.
شكّل نظام الفصول الثلاثة تجربة جديدة في الجامعات ومدارس التعليم العام في السعودية على مدى أربع سنوات، الأمر الذي دعا مجلس الشورى إلى مشاركة تساؤلات المواطنين عن أثره وطرحها في جلسة مايو 2024. خلال تلك الجلسة، أكد وزير التعليم يوسف البنيان أن الوزارة تعمل على تقييم تلك التجربة وفق أسس علمية تربوية بالشراكة مع المعلمين والمعلمات والأسرة والجهات ذات العلاقة.
يأتي اعتماد نظام الفصلين الدراسيين ضمن المنهج الإصلاحي الذي تبنته السعودية في إطار رؤية 2030، خصوصاً ضمن برنامج تنمية القدرات البشرية، الذي يهدف إلى تأهيل مواطن سعودي منافس عالمياً من خلال منظومة تعليمية مرنة تستند إلى الكفاءة وجودة المخرجات بدلاً من الشكل التنظيمي التقليدي فقط. هذا التحول يعكس حرص القيادة على اتخاذ القرارات التعليمية المبنية على الدراسة والتقييم المستمر، بما يحقق التوازن بين متطلبات الجودة الأكاديمية والاحتياجات النفسية والاجتماعية للطلاب والمعلمين وأسرهم.
يختتم الدكتور الشقيفي حديثه بالأمل أن يحقق اعتماد نظام الفصلين الدراسيين توازناً أفضل بين الزمن التعليمي المقصود والجودة الأكاديمية، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 في الارتقاء بمستوى التعليم، وتنمية مهارات جيل قادر على الابتكار والمنافسة إقليمياً ودولياً. هذا القرار التاريخي يمثل نقلة نوعية في مسيرة التعليم السعودي، حيث يجمع بين الاستفادة من التجارب السابقة والاستعداد لمستقبل تعليمي أكثر استقراراً وجودة.