يمثل طريق الهدا الشهير بين مكة المكرمة والطائف شريانًا حيويًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، إذ يربط بين مناطق جبلية ساحرة ويختزل قصة تاريخية عميقة امتدت عبر القرون.
يبدأ الطريق من منطقة الهدا بالطائف التي ترتفع أكثر من 2000 متر عن سطح البحر، ويتجه عبر منعطفات جبلية نحو مشارف عرفات ثم مكة المكرمة. وقد عرف هذا الطريق تاريخيًا باسم "طريق جبل كرا"، وشكل على مر العصور معبرًا أساسيًا للحجاج والمعتمرين القادمين من الطائف ومناطق أخرى.
وثّق العلماء القدماء هذا الطريق في كتبهم، ومنهم إبراهيم بن إسحاق الحربي في كتابه "المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة"، مشيرًا إلى مروره بجبل كرا وصولًا إلى الطائف.
شهد الطريق تحولًا كبيرًا في العصر الحديث، حيث تم تعبيده عام 1370هـ (1950م) ليكون من أوائل الطرق الجبلية الحديثة بالمملكة. وقد أشرف الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، حينما كان وليًا للعهد، على تنفيذ هذا المشروع الذي تحول من ممر وعر إلى طريق مزدوج يستوعب حركة المسافرين طوال العام.
يمتاز طريق الهدا بأهمية دينية خاصة، إذ سلكه النبي محمد ﷺ خلال إحدى رحلاته من الطائف إلى مكة، كما يضم على امتداده ميقات وادي محرم الذي يبعد حوالي 80 كيلومترًا عن مكة المكرمة، والذي تم تزويده بمسجد حديث لتسهيل أداء مناسك الإحرام.
تشرف الهيئة العامة للطرق على صيانة وتطوير هذا المسار التاريخي، متبعة استراتيجية تركز على السلامة المرورية وجودة البنية التحتية وتحسين انسيابية الحركة، خاصة خلال مواسم الحج والعمرة.
يبقى طريق الهدا اليوم شاهدًا على تاريخ المملكة العريق، وإرثًا يجمع بين قداسة الماضي وتطور الحاضر، ليشكل وجهة مفضلة للمسافرين بين مكة والطائف على مدار العام.
