في الوقت الذي تتنافس فيه الجزر اليمنية على جذب الاستثمار والسياحة، تغرق سقطرى في أزمة اقتصادية خانقة بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار المشتقات النفطية.
وقد كشف الدكتور أحمد سالم العامري، الأكاديمي السقطري، عن واقع مؤلم يعيشه سكان الجزيرة مع تسجيل دبة البنزين (20 لتراً) سعراً قياسياً وصل إلى 46 ألف ريال يمني،
بينما ارتفعت أسطوانة الغاز المنزلي الصغيرة إلى 29 ألف ريال، والكبيرة إلى ضعف هذا المبلغ، في ظاهرة تنذر بانهيار اقتصادي يمس جميع مناحي الحياة في هذه البقعة النائية من اليمن.
الأوضاع الاقتصادية في سقطرى:
تعاني جزيرة سقطرى من تحديات اقتصادية فريدة بسبب موقعها الجغرافي المعزول في المحيط الهندي.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الجزيرة تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد الوقود والسلع الأساسية من الخارج، مما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والظروف السياسية المحيطة.
هذا الاعتماد جعل الأرخبيل السقطري رهينة للتدفقات التجارية الخارجية، خاصة في ظل غياب صناعات محلية قوية تضمن الاكتفاء الذاتي للسكان.
كما أوضح الدكتور العامري في تصريحاته أن هذا الارتفاع الحاد في الأسعار ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات سنوات من الإهمال في تطوير البنية التحتية الاقتصادية للجزيرة.
وتبرز ملامح هذا الإهمال في عدم وجود محطات تخزين كافية للوقود، وضعف أسطول النقل البحري المخصص لإيصال المشتقات النفطية إلى الجزيرة.
ووفقًا لتقديرات محلية، فإن معدلات التضخم في أسعار السلع الأساسية تجاوزت 300% خلال السنوات الخمس الأخيرة، مما يضع السكان المحليين تحت ضغط معيشي غير مسبوق.
تداعيات ارتفاع أسعار الوقود والغاز:
ألقت الأزمة الحالية بظلالها الثقيلة على مختلف القطاعات الاقتصادية في سقطرى. فقد أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة كبيرة في تكاليف النقل والتوزيع، مما انعكس مباشرة على أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية.
يقول أحد الصيادين المحليين: "أصبحت رحلات الصيد مكلفة للغاية، وبالكاد نغطي نفقات الوقود من عائدات بيع الأسماك".
هذه المعاناة أجبرت العديد من الصيادين على تقليص نشاطهم أو التوقف تماماً، مما أثر سلباً على إمدادات الأسماك، المصدر الرئيسي للبروتين في النظام الغذائي للسكان المحليين.
ولعل الأكثر إثارة للقلق، حسب ما يؤكده الخبراء الاقتصاديون، هو تأثير هذه الأزمة على قطاع السياحة الناشئ في الجزيرة.
فمع ارتفاع تكاليف التنقل داخل الجزيرة وزيادة أسعار الإقامة والطعام، أصبحت سقطرى وجهة أقل جاذبية للسياح.
وتشير التقديرات إلى انخفاض عدد الزيارات السياحية بنسبة تقارب 40% منذ بداية الأزمة، مما حرم السكان المحليين من مصدر دخل كان يمكن أن يخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت زيادة أسعار الغاز المنزلي في عودة العديد من الأسر إلى استخدام الحطب للطهي، مما يهدد الغطاء النباتي النادر والفريد في الجزيرة.
محدودية الموارد وغياب الحلول الحكومية:
تواجه سقطرى تحدياً مزدوجاً يتمثل في محدودية مواردها الطبيعية من جهة، وغياب الدعم والحلول الحكومية الفعالة من جهة أخرى.
وقد أشار الدكتور العامري إلى "غياب أي حلول حكومية فعالة" في معرض تحليله للأزمة، مؤكداً أن المساعدات المقدمة لا ترقى إلى مستوى التحدي.
هذا الواقع يترك المجتمع السقطري يواجه مصيره المجهول بموارد شحيحة وقدرات محدودة، في ظل تنافس القوى الإقليمية على النفوذ في الجزيرة دون اهتمام كافٍ بتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
يضاف إلى ذلك أن الجزيرة تفتقر إلى بنية تحتية اقتصادية متطورة يمكنها استيعاب الصدمات والتكيف مع الأزمات.
فعلى سبيل المثال، تعتمد الجزيرة على مولدات كهربائية تعمل بالديزل لتوليد الطاقة، وهي آلية مكلفة وغير مستدامة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار الوقود.
يذكر أن المحاولات السابقة لإدخال مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لم تحظَ بالدعم الكافي، رغم أن الجزيرة تتمتع بإمكانات هائلة في هذا المجال.
ونتيجة لذلك، تزداد الفجوة بين احتياجات السكان وقدرة الاقتصاد المحلي على تلبيتها، مما ينذر بتفاقم الأزمات الاجتماعية وانتشار الفقر والبطالة.
تتطلب أزمة الوقود والغاز في سقطرى استجابة سريعة ومتكاملة من قبل الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية على حد سواء.
فالحفاظ على استقرار الأسعار يعد خطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في هذه الجزيرة ذات الأهمية البيئية والإستراتيجية.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة النظر في النموذج الاقتصادي للجزيرة وتطوير نظم طاقة مستدامة، أم ستضيف فصلاً جديداً من المعاناة لسكان هذا الأرخبيل التاريخي؟