تحت سماء القاهرة الدافئة، انطلقت مساء الخميس بطولة كروية فريدة جمعت أبناء اليمن المغتربين في حدث رياضي مميز. بطولة الجاليات اليمنية المصغرة فتحت ذراعيها لأربعة فرق تمثل الجاليات اليمنية والسودانية في مصر والولايات المتحدة، لتنسج خيوط التواصل بين أبناء الوطن الواحد المتناثرين في بقاع الأرض.

ملعب "بلاك ستارز 2" بمنطقة فيصل كان مسرحاً للحدث الذي حمل شعار "الرياضة تجمعنا"، في محاولة لتأكيد أن المسافات مهما طالت لا تقطع أواصر العلاقات، وأن كرة القدم ليست مجرد رياضة بل جسر للتواصل وإحياء روح الانتماء في قلوب المغتربين.

تفاصيل البطولة والمباريات الافتتاحية

شهدت البطولة في يومها الأول مباراتين مثيرتين على ملعب بلاك ستارز 2 في منطقة فيصل بالقاهرة. المباراة الأولى جمعت بين المنتخب اليمني الأمريكي الأول ومنتخب الجالية السودانية، انتهت بالتعادل السلبي بدون أهداف. وعلى الرغم من غياب الأهداف، إلا أن المباراة اتسمت بالندية والحماس الشديد، مما جعلها متعة للمشاهدين الذين حضروا خصيصاً لمتابعة أبنائهم وإخوانهم في هذه المناسبة الرياضية التي تجمع شتات المغتربين.

أما المواجهة الثانية، فكانت أكثر إثارة وتسجيلاً للأهداف، حيث التقى الفريق اليمني في مصر مع المنتخب اليمني الأمريكي للشباب. انتهت المباراة بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف لصالح الفريق اليمني في مصر، الذي تمكن من حسم اللقاء لصالحه بفضل أداء متميز. افتتح التسجيل اللاعب مجد في الدقيقة السادسة، ليضيف بعدها زميله عمر العولقي الهدف الثاني في الدقيقة الثامنة، مما منح فريقه أفضلية مريحة في بداية المباراة.

وفي منتصف الشوط، تمكن لاعب المنتخب اليمني الأمريكي للشباب أيمن الشرعي من تقليص الفارق بتسجيله هدف فريقه الوحيد في الدقيقة 25، مما أعاد الأمل لفريقه. غير أن اللاعب رامز العسلي أكد تفوق الفريق اليمني في مصر بإضافته الهدف الثالث في الدقيقة 30، ليحسم المباراة لصالح فريقه. كانت المباراة مثالاً للروح الرياضية العالية والتنافس الشريف بين أبناء الجاليات، وهو ما عكس الهدف الرئيسي للبطولة في تعزيز روابط الأخوة والصداقة بين اليمنيين في المهجر.

التنظيم والداعمين

تميزت البطولة بتنظيم محكم، حيث أشرف عليها مجموعة من الكوادر الرياضية والإعلامية المتميزة. يأتي في مقدمتهم المستشار الإعلامي فؤاد البرطي، الذي يعد من الكفاءات الإعلامية اليمنية المعروفة في المهجر، بالإضافة إلى الكابتن وجدي أبو البراء والكابتن محمد راوح، اللذين قدما خبرتهما الرياضية لإنجاح هذا الحدث. كما ساهم الدكتور عبده النهاري والكابتن فهمي صلاح في الإشراف على تنظيم البطولة بالتعاون مع الكابتن عبدالله عقبات.

حظيت البطولة بحضور عدد من الشخصيات الرياضية والمجتمعية البارزة، حيث تواجد المهندس حسن باشنفر، المعروف بدعمه للأنشطة الرياضية اليمنية، والكابتن طاهر الظاهري رئيس الفريق اليمني الأمريكي، إلى جانب محمد علي قفعان نائب رئيس الفريق اليمني الأمريكي ومحمد الدعيس الأمين العام. وأضاف حضور الشيخ منصور الزمزمي بعداً مجتمعياً للحدث، مما يشير إلى التفاف مختلف شرائح الجالية اليمنية حول هذا الحدث الرياضي.

تعاونت عدة جهات لتوفير الدعم اللوجستي والتنظيمي للبطولة، مما ساهم في ظهورها بمستوى تنظيمي متميز. وقد عكس هذا التعاون روح الفريق الواحد التي تجمع أبناء اليمن في المهجر، وقدرتهم على تنظيم فعاليات ناجحة تعكس الصورة المشرقة للشباب اليمني المغترب.

أهمية البطولة للجاليات اليمنية في المهجر

تكمن أهمية بطولة الجاليات اليمنية المصغرة في كونها أكثر من مجرد منافسة رياضية، فهي تمثل جسراً للتواصل بين أبناء اليمن المتواجدين في بلدان مختلفة. في ظل الظروف التي يعيشها الوطن، تأتي هذه البطولة لتعزز الروابط بين اليمنيين في المهجر وتحافظ على الهوية الوطنية والثقافية. وكما يوحي شعار البطولة "الرياضة تجمعنا"، فإن كرة القدم أصبحت وسيلة فعالة لم الشمل وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين أبناء الجاليات اليمنية، وحتى بين اليمنيين وأشقائهم من الجاليات العربية الأخرى مثل الجالية السودانية المشاركة في البطولة.

أوضح عدد من المشاركين أن هذه البطولة تمثل فرصة للتعارف وتبادل الخبرات بين اليمنيين القادمين من بلدان مختلفة، خاصة الشباب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية. وتعد البطولة فرصة للأجيال الشابة للتعرف على ثقافتهم الأصلية وتعزيز انتمائهم لجذورهم اليمنية، رغم نشأتهم في بيئات مختلفة. كما أن وجود منتخب للشباب اليمنيين الأمريكيين يعكس حرص الجالية اليمنية في المهجر على تنشئة الأجيال الجديدة على حب الوطن والحفاظ على الهوية الثقافية، عبر بوابة الرياضة التي تعتبر لغة عالمية يفهمها الجميع.

علاوة على ذلك، تعتبر هذه البطولة منصة لإبراز المواهب الكروية اليمنية في المهجر، واكتشاف اللاعبين المتميزين الذين يمكن أن يمثلوا المنتخبات الوطنية مستقبلاً. وفي سياق آخر، تعكس البطولة صورة إيجابية عن اليمنيين في بلدان المهجر، كأشخاص قادرين على التنظيم والإبداع وممارسة الرياضة بروح عالية من الأخلاق والمنافسة الشريفة. هذا الأمر يسهم في تحسين صورة المغتربين اليمنيين في المجتمعات التي يعيشون فيها، ويعزز من اندماجهم الإيجابي في هذه المجتمعات، مع الحفاظ على هويتهم الأصيلة.

تحولت أجواء ملعب بلاك ستارز 2 بفضل هذه البطولة إلى احتفالية وطنية جمعت الأسر اليمنية المغتربة، التي حضرت لمؤازرة أبنائها وإخوانها ومشاركتهم لحظات الفرح والحماس. الهتافات الحماسية والتشجيع المتواصل من المدرجات أضفى على البطولة طابعاً خاصاً، وأعاد إلى الأذهان أجواء المباريات الكروية في اليمن، مما خلق شعوراً بالحنين والانتماء للوطن رغم بعد المسافات.

تتواصل فعاليات البطولة خلال الأيام القادمة وسط اهتمام متزايد من أبناء الجاليات اليمنية. ويتطلع المنظمون إلى توسيع نطاق المشاركة في النسخ القادمة لتشمل جاليات يمنية من دول أخرى، مما سيعزز من أهمية البطولة ودورها في لم شمل اليمنيين في المهجر.

ستبقى هذه المبادرات الرياضية والثقافية شاهدة على حيوية الجاليات اليمنية وقدرتها على تحويل التحديات إلى فرص للإبداع والتواصل. فرغم ظروف الاغتراب والمسافات البعيدة، يثبت اليمنيون في كل محفل أن روابط الوطن والثقافة المشتركة أقوى من أي حواجز جغرافية أو تحديات.