في تطور نادر وسط الأزمة الاقتصادية الطاحنة، أبقى البنك المركزي اليمني في صنعاء أسعار صرف العملات الأجنبية ثابتة عند 530.50 ريال للدولار الواحد - رقم يعكس أكبر انهيار عملة في التاريخ الحديث. ما كان يشتريه اليمني بـ10 دولارات قبل الحرب، يحتاج اليوم لأكثر من 100 دولار لشرائه، في مأساة اقتصادية حقيقية. كل يوم تأخير في متابعة أسعار الصرف قد يكلف المواطنين والتجار خسائر فادحة في ظل تقلبات لا يمكن التنبؤ بها.
البنك المركزي اتخذ قراراً بتثبيت الأسعار لأول مرة منذ أسابيع، محافظاً على سعر الريال السعودي عند 140 ريالاً يمنياً، في خطوة تهدف لكبح جماح التضخم المتسارع. العملة فقدت أكثر من 90% من قيمتها منذ بداية الحرب، مما يعني أن راتب الموظف اليمني انخفض من 200 دولار لأقل من 30 دولار شهرياً. "أحمد المقطري، موظف حكومي براتب 80 ألف ريال، يروي معاناته: 'راتبي لا يكفي حتى لشراء الخبز لأطفالي الثلاثة، أصبحت أعيش كابوساً يومياً.'" البنك أكد أنه سينشر أي تغيير فوري في الأسعار، مما يعكس حالة عدم اليقين المستمرة.
منذ بداية الحرب في 2015، شهدت العملة اليمنية انهياراً مدوياً لم تشهد المنطقة مثيلاً له، بسبب انقسام المؤسسات المالية بين صنعاء وعدن، ونقص العملة الصعبة، وتوقف الصادرات النفطية، وانهيار الإنتاج المحلي. مثلما حدث في لبنان والأرجنتين سابقاً، العملات المحلية تنهار عندما تنهار الثقة في النظام الاقتصادي والسياسي. د. فاطمة الزبيري، خبيرة اقتصادية، تحذر: "تثبيت الأسعار خطوة إيجابية لكنها مؤقتة، والاقتصاديون متشائمون ويتوقعون مزيداً من التدهور ما لم يتم إيجاد حل سياسي شامل."
الأسر اليمنية تعاني لشراء الخبز والدواء، وأطفال ينقطعون عن المدارس لعدم قدرة أسرهم على دفع الرسوم البسيطة. عبدالله التاجر، صاحب محل صرافة، يقول بارتياح حذر: "الاستقرار النسبي ساعدني على تخطيط أعمالي بشكل أفضل، لكنني أخشى من المفاجآت." إذا استمر هذا الاستقرار، قد نشهد تحسناً طفيفاً في الأسواق وعودة جزئية للثقة، وإلا فالكارثة الاقتصادية الحقيقية قادمة لا محالة. الخبراء ينصحون المواطنين بعدم الاحتفاظ بمبالغ كبيرة بالعملة المحلية، بينما يرى آخرون فرصة محدودة للاستثمار في السلع الأساسية.
تثبيت أسعار الصرف خطوة إيجابية، لكنها قطرة في بحر الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف باليمن منذ سنوات. مستقبل العملة اليمنية مرتبط بشكل مباشر بإنهاء الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار الشاملة. على المواطنين متابعة أسعار الصرف يومياً والتخطيط بحكمة لمواجهة التقلبات المحتملة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل هذا الاستقرار بداية التعافي المنشود أم مجرد هدوء ما قبل العاصفة؟ وكم من الوقت تستطيع الأسر اليمنية تحمل هذا الوضع المأساوي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؟