الرئيسية / تقارير وحوارات / الذكرى ال 30 لتأسيس المؤتمر الشعبي في اليمن فرصة أهدرها صالح
الذكرى ال 30 لتأسيس المؤتمر الشعبي في اليمن فرصة أهدرها صالح

الذكرى ال 30 لتأسيس المؤتمر الشعبي في اليمن فرصة أهدرها صالح

01 سبتمبر 2012 01:30 صباحا (يمن برس)
ثلاثون عاما في عمر أي حزب حقيقي ليست بالأمر الهين لأنها تكسبه خبرات وتجارب تقوي عوده ويبني عليها للمستقبل وتثري تجربته ويفاخر بها و تسنده عندما يواجه تحديات كبيرة تؤدي إلى إخرجه من السلطة كليا أو جزئيا.والحزب كأي كائن يمتحن في الأزمات ولايضيع يوما واحدا لكي يقف على قدميه من جديد وغير ذلك ترف في غير وقته ينهيه كما انتهت أحزاب تشخصنت وتلوثت بالفساد في عدة بلدان . كان يتوقع أن يهتبل المؤتمر الشعبي الذي تأسس في 24 اغسطس 1982 الفرصة ليعقد مؤتمره الثامن الذي طال انتظاره في ظل متغيرات استثنائية تسبب بقاء صالح في قيادته بغياب قدرته على ترتيب أولوياته بجدية ومسؤولية. ولكن كيف يمكن للمؤتمر أن يكون تنظيما سياسيا فاعلا ومتفاعلا مع المتغيرات وصالح الذي أوصله إلى حافة الإفلاس السياسي لايزال مغتصبا قيادته بدعم من المتورطين في جرائم عام 2011 ضد ثورة الشباب السلمية وفي فساد استمر لثلاثة عقود. ومعروف عن صالح أنه عبقري في إضاعة الفرص ودا ئما ما خيب ظنون الناس به وهو في السلطة. وبعد خسرانها - السلطة - اهتم بالقشور، بصورته في إعلامه، وبما لاعلاقة له بمصلحة المؤتمر واستمرارية دوره السياسي في بيئة متغيرة.

وبدلا من أن تكون الذكرى الثلاثين فرصة لانطلاقة جديدة لا تمر مرور الكرام فإن صالح برهن على أنه حالة خاصة وعصي على الفهم ولايفهم الواقع الذي يناديه بالفرار بجلده . صالح كان مشغولا في الأيام الأربعة السابقة على الذكرى بما أسماه موقع المؤتمرب 'أربعة أيام في حضرة حب الشعب' سد بها صالح فراغا قاتلا يعانيه منذ ترك السلطة وحنينا إلى الأضواء واستقبل في الأربعة الأيام التي أضاعها سدى ،ألافا مزعومة كإنجازاته، من كل أنحاء اليمن للسلام عليه بمناسبة عيد الفطر، 99' منهم على الأقل لم يلمسوا يده من قبل. أما الزعم الآخر بأن هذه الألاف أتت من كل أنحاء اليمن فالصور لاتسنده وفي أحسن الأحوال قدم هؤلاء من أربع محافظات لا أكثر وبمقابل معلوم معهود عن صالح . تاريخيا اختار صالح 24 اغسطس كيوم لتأسيس المؤتمر لأن هذا اليوم والذي قبله شهد في عام 1968 صراعا مسلحا بين قوتين عسكريتين تقليدية وحداثية أدت نتيجته إلى حدوث اختلال كامل في موازين القوى لصالح القوى التقليدية التي استولت على السلطة في 5 نوفمبر 1967.

ورغم أن هذا التاريخ كان في بال صالح إلآ أنه لم يحفزه على إيجاد حزب حقيقي وفاعل جماهيريا. وكغيره من أحزاب السلطة والتلسط ولد المؤتمر معاقا ولامبالغة في القول بأن البعض ينتظر احتضاره إذا واصل صالح إصراره على قيادته ولم يعتزل السياسة ويغادر اليمن ويترك لغيره من قياداته فرصة إخراجه من أزمته التي ليست وليدة اليوم ليساهم في العملية السياسية بعد تنظيفه من أدران ماضيه لأن صالح لن ينجح فيما فشل فيه من قبل عندما كان يجلس على رؤوس الثعابين، أي شعبه الذي زعم أنه كان 'يبادله وفاء بوفاء' من ملامحه ـ الوفاء - معاناة أكثر من نصف اليمنيين من جوع يسكت بعضه صدقات الجيران. كل حاكم ديمقراطي يغادر السلطة وأوضاع شعبه في كل المجالات أفضل مما كانت عليه عند توليه السلطة أما أحوال اليمن في عهد صالح كانت على الضد من ذلك. ولامبالغة في القول بأن المؤتمرمعرض للإنقراض عندما يجف ضرع الدولة الذي حلب منه أغلبية عناصره البارزة بدون قيود وكان مسؤوله المالي أهم شخصية فيه بعد رئيس المؤتمر- رئيس الجمهورية -. والمؤتمر منذ نشأته كان يمثل مصالح نخب متنافرة جمعتها مصالح آنية وتحالفات تكتيكية وقبل الإعلان عن إنشائه كان هناك انتقاء واضح لمن يشارك فيه ولم
ن يعبئ استمارات استبيانه وإقصاء يدحض مزاعم تمثيله لكافة فئات الشعب. كان المؤتمر بالإضافة إلى وظيفته كمستنزف للمال العام، وعاء سياسيا للقوى المعادية للنظام في الجنوب ومن يواليه في الشمال وكان البوابة الواسعة التي مكنت أجهزة الأمن من الهيمنة على الخدمة المدنية وتجييش' متعاونين' وتخريب الخدمة المنية والوظيفة العامة.

وقد فشل المؤتمر في ملئ الفراغ السياسي لأنه كان حزب الحاكم وليس الحزب الحاكم لأنه استمر في تبني سياسة العداء للحزبية واضطهاد وقمع الآخر بلغة غير لغة نظام نوفمبر 1967. والحقيقة أن المؤتمر كان خطوة إلى الأمام في بيئة ناصبت الحزبية العداءحتى 1982 وكان اليمن الشمالي يحتاج إلى تنظيم سياسي ليكون ندا كفوأ للحزب الاشتراكي في الجنوب بعد مقاومة للحزبية في الشمال استمرت عقدين وتطرف غير مبرر في رفضها من قبل نخب كانت تعي أن التنظيم وحده هو الذي ساعد على التخلص من النظام الملكي (المدنيين في إطار حزب الأحرار اليمنيين عام 1944 في عدن ثم الاتحلد اليمني في القاهرة والعسكر في إطار تنظيم الضباط الأحرار) والتنظيمات القومية الأخرى، حركة القوميين العرب والبعث، واليسار الجنيني. ولكن القوى التقليدية السبتمبرية والنوفمبرية عندما تمكنت من السلطة نسيت هذا الماضي المجيد وتحولت إلى أداة قامعة وناكرة للحق في التنظيم الحزبي واعتبرت الحزبية خيانة. لقد تم تحريم الحزبية في مايو عام 1963 بقرار جمهوري ولكن لم يمارس القمع من 1962 وحتى 1976كما مورس عقب انقلاب نوفمبر وبعد أحداث 23، 24 اغسطس 1968 بوجه خاص وحتى 1990 لأن كل القوى السياسية كانت نشيطة وغ
ير خائفة وكان لها خلايا عسكرية وقوى مدنية أسهمت بدور بارز في إنقاذ الجمهورية من مخطط محكم للقضاء عليها فيما عرف بأدبيات الثورة والمقاومة الشعبية بحرب السبعين يوما. ويحفظ كثيرون عن ظهر قلب عبارة تخوين الحزبيين التي تقول 'من تحزب خان و'نرفض الحزبية سواء أتت بقرون الشيطان أو بمسوح الرهبان'.

وكانت تلك نكسة تلتها نكسات أفظع في عهد صالح الذي قسم اليمنيين إلى فسطاطين فسطاط المواطنين الشرفاء وفسطاط المواطنين غير الشرفاء. وكان هناك استثنائين سلطويين الأول في الستينات والثاني في السبعينات من القرن الماضي عندما حاولت السلطة إنشاء تنظيم سياسي على مزاجها ووفق مقاساتها.

وعقب اتفاق طرابلس - ليبيا- بين شطري اليمن في نوفمبر 1972 لاحت بوادر انفراج ينهي العداء للحزبية تحت ضغط الخوف من الامتداد الحزبي في الشمال للحزب الحاكم في الجنوب الذي يقود الدولة فيه قوى شابة تمثل تحدللشمال على حد قول المرحوم محمد أحمد نعمان وقاد الجنوب إلى نصرعسكري في حرب الشطرين عام 1972. وتطبيقا للاتفاق أعلن عن قيام تنظيم سياسي في الشمال ولكن مقاومته من قوى داخلية وخارجية كانت شديدة وشرسة. وبرغم هذه المقاومة ل'سرطان' الحزبية وللشوارعيين (المثقفين) فقد ولد التنظيم الذي سمي ب'الاتحاد اليمني'ميتا ورأسه رئيس الوزراء الحالي الأستاذ محمد سالم باسندوة الذي ينكر بعنصرية وقحة صالح يمنيته وعقد اجتماعا عاما مسائيا يتيما في دار الكتب بصنعاء ثم بدأت أخباره تقل قبل أن تنقطع نهائيا. وبالنظر إلى الموقف العدائي من الحزبية فإن إنشاء المؤتمر كان خطوة كبيرة إلى الأمام لو نشط كحزب حقيقي بسمات مؤسسية وشخصية قوية وهيكلية فاعلية ولم يضع نفسه تحت إرادة الحاكم الذي يدعو لجنته العامة (المكتب السياسي) للانعقاد متى يشاء ولايعرف أعضاءها دائمي التغيير جدول أعمال اجتماعه أو موعد اجتماعهم القادم ويذهبون للاستماع للرئيس 'الرمز'وليس لمناقشة
حرة . هكذا كان حال المؤتمر ولايزال وصالح يعي هذه الحقيقة ولايريد لأحد أن يهدم أركانها.

إن هدف صالح من اغتصاب قيادة المؤتمر هو عرقلة السير الطبيعي للمرحلة الانتقالية ووضع سقف للتغيير والسير إلى محطة لايتم تجاوزها لمنع حدوث ما هو أسوأ مما قد حدث: محاكمات، إصدار قانون العدالة الانتقالية، استعادة المال العام المهرب إلى خارج اليمن، الانتهاكات والاغتيالات وقتل شباب الثورة.

المؤتمر قبل الوحدة وبعدها:
حدث ضمور في نشاط المؤتمر بعد الوحدة لأن صالح كان مشغولا بكيفية الاستئثار بثروات الجنوب وحكم دولة الوحدة منفردا بدون شريكه الجنوبي وتوريث السلطة لإبنه وسيطرة عائلته على مفاصل السلطة العسكرية والأمنية والاقتصادية، وأصاب هذا الضمور نقابات واتحادات كانت أكثر نشاطا ط قبل الوحدة. وبعد حرب 1994 ضد الجنوب بدأت تظهر إلى السطح كلمات الرئيس الرمز، وحفظه الله في المراسلات الرسمية والخطب وافتتاحيات الصحف والمقالات والتقارير الدبلوماسية. ولقد استفزنا في وقت مبكر ضابط من فسطاط الشرفاء في فبراير 1990 في يوم ممطر وثلجي غطى الثلج جبل عطان المطل على صنعاء ونحن نتحدث بتفاؤل عن الديمقراطية والتعددية في العهد الجديد عهد الوحدة بقوله وماذا عن الرمز. كان الرد الرمز هو الدستور وليس الفرد ولم ندرك حينها مايخبئه صالح للتعددية ولدولة الوحدة برمتها. هذا الضابط انغمس في الفساد ولم يعزله صالح الذي كان غارقا فيه حتى أذنيه وأدبه أحسن تأديب بنقله إلى عمل آخر. هذا الفاسد يأتيه الماء مجانا كل أسبوع إلى منزله بينما جيرانه يعانون العطش مع معظم سكان صنعاء. صالح قبل مرحلة أسلمة نفسه ونظامه لم يطبق مبدأ الحسبة الإسلامي بعد أن بدأ صالح ينافس أصحاب ال
مشروع الإسلامي وعند تعديل الميثاق الوطني (ميثاق الجمهورية العربية اليمنية بعد الوحدة بسنوات عديدة) بدأ صالح في المنافسة على توظيف الدين لتوطيد سلطته وبدأ تديين رسمي للمؤتمر والمجتمع عبر إنشاء مدارس تحفيظ القرأن وفتح كليات علياء لدراسة القرأن الكريم وجامعة سميت بجامعة الإيمان تمييزا لها عن جامعات الكفر الأخرى سيرا على انقسام التعليم الأساسي قبل اغسطس 2001 إلى معاهد علمية (دينية ومذهبية) لاعلاقة لها بالعلم ونظرياته وتطوراته وبحوثه وإنجازاته. صالح نفسه قال في إحدى خطاباته أن 'الصلاة زادت في عهده'. ولأول يتم حساب الصلاة كميا على لسان رئيس دولة علاقته بالدين واهية جدا . من قرأ وثائق ويكيليكس سيدرك ما أقول.

الميثاق الوطني:
وصف ميثاق 1982 بأنه فكر المؤتمر وتزيد البعض في القول بأنه فريد من نوعه وغير مستورد وأن من مميزاته أنه غير قابل للتصدير خارج اليمن لأنه فكر نبع من اليمن ويصلح له وحده. ويحلو للبعض وصف المؤتمر حتى بعد جرائم الحرب في عام 2011 بأنه حزب الوسط انطلاقا من ميثاقه وأن فكره فكرا وسطيا. صحيح انه لو لم يقود المؤتمر رجلا مثل صالح لحسن حاله وحال اليمن ككل. وككل حزب تباعدت المسافات بين النظرية والتطبيق والالتزام كلما طال عهد المؤتمر بالسلطة وأصبحت السلطة مغنما لامغرما. والميثاق الأصلي فيه سمات الاعتدال والرؤية المستقبلية ومن أجمل ماجاء في ميثاق 1982 عبارة عبقرية ذات دلالة مهمة وشاملة ولكنها كانت فوق فهم صالح واستيعابه وحقيقة نواياه وضد كل ما انطوت عليه تربيته وممارساته منذ أن كان جنديا فقيرا لايلوي على شيئ. هذه العبارة العبقرية جمعت في عشر كلمات أربعة مبادئ عظيمة كانت محور نضال اليمنيين هي الحرية والديمقراطية والحماية وسياة القانون، تقول العبارة: 'لاحرية بدون ديمقراطية ولاديمقراطية بدون حماية ولاحماية بدون سلطة القانون'. وكل هذا افتقد في عهد صالح وأصبح اليمن دولة شبه فاشلة تعقد المؤتمرات الدولية لمناقشة علاقة سلطته بالإرهاب
ولإنقاذه من الإفلاس الاقتصادي. ميثاق 1982 تحدث عن فشل حكم اليمن عبر الاستئثار بالسلطة والمركزية المفرطة والحكم الفردي ولكن صالح كان في واد آخر.

صالح يقول الأن بعد ثلاثة عقود من الفشل بأنه سيبني حزبا حقيقيا وينسى أنه عندما كان يقلل من قدرات خصومه يقول بأن فاقد الشيئ لايعطيه والأن يضع نفسه في نفس الوضع لأن مالم يتم في 30 سنة لن يتم الأن وفاقد الشيء لايعطيه حقا وليس مناكفة. رئيس اليمن السابق يدرك أنه بدون مستقبل سياسي ولو كان يؤمن بغير ذلك لما أضاع فرصة ذهبية كما أضاع من قبل عدة فرص كانت كفيلة بإخراجه من السلطة بكراهية أقل وغير متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهو مايؤرقه ويجعله متشبثا برئاسة المؤتمر الشعبي لكي يتقي الأسوأ.

*علي محسن حميد
كاتب ودبلوماسي يمني
شارك الخبر