هناك شخصيات وطنية فذة ً من أبرز أعلام اليمن ، حققت الكثير من المنجزات وصنعت بمواقفها التاريخية أسس اليمن الجمهوري الوليد عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م.
نتناول في هذه الاسطر بعض جوانب من حياة قائد وطني كرّس حياتة لخدمة وطنة وأستشهد من أجله ، في الذكرى الـ (34) لأستشهاد دولة الرئيس القاضي / عبداللة أحمد الحجري رئيس وزراء اليمن الاسبق .
هو عبدالله أحمد علي علي الحجري ولد في العام 1917م . في قرية الذاري التابعة لمديرية الرضمة محافظة أب ، وينحدر من أسرة عريقة عرفت بالعلم والفقة والقضاء والتدين . فوالدة العلامة أحمد علي الحجري كان واحداً من رجال الدين المرموقين في عصرة ويحضى بوجاهه اجتماعية ومكانة دينية في منطقته التي عمل فيها لسنوات طويلة مأموراً /عاملاً لأوقاف يريم في نهاية الحكم العثماني لليمن وبداية حكم الأمام / يحيى .
تلقى تعليمة في كتاتيب العلم ( النظام الدراسي السائد حينها ) ثم غادر ليتزود بالمعارف في المدرسة الشمسية بذمار ( القلعة الفكرية لزيود اليمن ) ، حينها توفى والدة وهو في السابعة من عمرة ، له من الأخوة ثلاثة أكبرهم الفيلسوف والمؤرخ القاضي العلامة / محمد أحمد الحجري الوزير في البلاط الملكي الأمامي آنذاك ، وصاحب المؤلفات التاريخية الشهيرة ، والفقيه والشاعر القاضي العلامة / علي أحمد الحجري المفتش بوزارة المعارف حينها ، وصاحب القصائد الشعرية اللاذعه والمؤلفات الفلكية القيمة ، أما أصغرهم فهو الأديب والشاعر الأستاذ / عبد الكريم أحمد الحجري الذي لم يحضَ بحقه في الحياة نتيجة أصابته بمرض شديد ثم وفاته وهو في عنفوان شبابة .
غادر الشاب / عبد الله الحجري بعد رحيل والده للعيش في كنف أخيه محمد في صنعاء وكان يعد أخيه الاكبر حينها واحدا ً من أبرز رجال الدولة المتوكلية اليمنية ، برز نجم الشاب الصغير وأتمَّ علوم الدين ومعارف عصره وهو لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره حينها عينه الإمام يحيى حاكما ً لقضاء النادرة وكان أصغر الحكام والقضاة ، وأكثرهم حكمة وصرامة وشجاعة ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى ذاع صيته في أرجاء اليمن لما اشتهر به من عدل وحزم ونصرة للمظلوم ، فعينه الإمام احمد وزير دولة في حكومته ورئيسا ً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحينما شعر بعدم قدرته على تنفيذ أوامر الله في حق أحد أمراء بيت حميد الدين من أبناء الإمام قدم استقالته بعدما طبق شرع الله وأمرَ بالمعروف ونهى عن المنكر بحسب ما يمليه عليه ضميره وثقافته الإسلامية التقليدية التي تشربها على يد علماء زمانه في المدرسة الشمسية بذمار وزبيد وصنعاء ، حينها تبلورت شخصيته القيادية فعينه الإمام أحمد وزيرا ً للمواصلات وأثناء توليه مهام وزارته قدم العديد من المساعدات للنشطاء السياسيين الثائرين على حكم الأئمة ( كما أوردها في مذكراته الفريق / حسن العمري عضو مجلس قيادة الثورة وقائد الجيش الأسبق ) ، وكان آخر منصب حكومي يتولاه في عهد الأئمة هو وزير المعارف وساهم من خلال موقعه في إيفاد العديد من شباب اليمن للدراسة في الخارج ومن هؤلاء الطلبة السياسي اليمني الكبير د. حسن مكي رئيس الوزراء الأسبق التي شاءت الأقدار أن يستلم رئاسة الحكومة خلفا ً للقاضي الراحل العام 1973م .
عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 م . وإعلان النظام الجمهوري وبعد شد وجذب بينه وبين رجالات الثورة عُيِّن الشاب الصاعد القاضي / عبد الله الحجري ، سفيراً ومفوضا ً فوق العادة للجمهورية العربية اليمنية لدى دولة الكويت الشقيقة . وهناك سطع نجمه من خلال العلاقات الشخصية المتينة التي ربطته بالأسرة الحاكمة في الكويت وأمراء دول الخليج العربي ودفعته تلك العلاقات المتينة والثقة المتبادلة للتدخل في التفاصيل الدقيقة للأسرة الحاكمة الكويتية ، بعدها تعزز موقعه كحليف استراتيجي لدول الخليج العربي وبرز كدبلوماسي مخضرم ، مما دفع أعضاء المجلس الجمهوري الحاكم في صنعاء ونتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي كانت تمر فيها اليمن إلى اختياره بالإجماع رئيسا ً للحكومة العام 1970م .
بدأ دولة الرئيس الحجري بتشكيل حكومته من خيرة رجال الدولة وضمت في صفوفها القوى الملكية التي عادت إلى صنعاء بعد المصالحة الوطنية التي رعتها الرياض بين الجمهوريين والملكيين مما يجدر الإشارة إليه هنا شهادة السياسي المخضرم / كمال أدهم المستشار السياسي للملك السعودي الراحل ، حول الدور المحوري للقاضي الحجري في التوصل إلى اتفاق المصالحة الوطنية .
وكانت حكومة الحجري قد وضعت أول ميزانية في تاريخ الدولة اليمنية ورسخت أسس دولة النظام والقانون من خلال كبح جماح القوى التقليدية المشائخية والحد من نفوذ مراكز القوى ، وللقاضي الحجري المشهور بصرامته في مواقفه الوطنية مقولات خالدة تدعم ترسيخ جذور دولة القانون ومما قاله حين أقدم أحد كبار المشائخ على قتل مواطن عادي ورفض التوصل إلى حل عرفي يجنب هذا الشيخ من العقاب . ( يقتلون البشر ويذبحون البقر ، يجب تطبيق شرع الله ) وحينما أقدم على فرض هيبة الدولة في مجتمع مازال يعيش في أتون التخلف والجهل والعصبية القبلية والأعراف الاجتماعية البالية ، تعرض لهجمة شرسة من قوى التخلف المشائخي وبعض متطرفي اليسار فواجه الموقف بشجاعة لم ترهصه التهديدات. ورفض المهادنة معهم أو الخنوع لهم وقال بعد حادثة تفجير منزله بصنعاء ( والله ما أعدُل عن موقفي هذا حتى ولو كان آخر لغم في عمامتي هذه ) .وأثناء توليه رئاسة الحكومة انتهت اتفاقية الحدود الموقعة بين اليمن والسعودية وحان موعد تجديدها أو التنازل عن الأرض اليمنية للسعودية نتيجة ضغوطها على القيادة السياسية اليمنية بحكم الدعم المالي واللوجستي السعودي لليمن وسيطرتها على مقاليد الامور حتى أضحى دور الجنرال / صالح الهديان الملحق العسكري السعودي بصنعاء آنذاك شبيه بدور الجنرال / رستم غزالي مدير جهاز الإستخبارات العسكرية السورية في لبنان أثناء الوصاية السورية على لبنان قبل العام 2005م . فالهديان كان يعد قائد الجيش اليمني الفعلي نضرا ً لتوزيعه الهبات والرواتب المالية السعودية على قادة وضباط وصف وأفراد الجيش ، وكذا تكفل المملكة السعودية بنفقات ثلثي ميزانية الحكومة اليمنية , فكان من السهل في مثل هذه الظروف التنازل للمملكة عن الأرض . إلا أن القاضي الحجري بحسه الوطني المتقد وحنكته المعروفة ودبلوماسيته المعهودة ، توصل مع الجانب السعودي إلى أقرب الحلول بتجديد الإتفاقية على أن تنتهي بعد عشرون عاما ً من توقيعها ، مبرراً ذلك بإمكانية إستفادة اليمن من دعم المملكة خلال هذه الفترة وبناء كيان للدولة والجيش والتفاوض مستقبلا ً من منطق الند للند ، حينها هاجمت بعض قوى اليسار الماركسي إقدام الحجري على توقيع الإتفاقية ، واليوم مع مرور الزمن ثبت صحة خيار الحجري وسجل التاريخ اليمني بأحرف من ذهب خياره الوطني ، وذهبت أطروحات اليسار المغامر إلى مزبلة التاريخ نظرا ً لما وصلت إليه نظرياتهم اللاواقعية ومغامراتهم المتطرفة .
واستمر في مهمته الوطنية كرئيس للوزراء حتى بدأ يتحسس رئيس المجلس الجمهوري القاضي / عبد الرحمن الإرياني من قوة شخصيته ونفوذه وقاعدته الشعبية لا سيما والقاضي / عبد الله الحجري لا يستند في قوته ونفوذه لقبيلة تدعمه وتحميه بل كان شخص بحجم شعب ، حينها أيقن الحجري إستحالة بقائه كرئيس لمجلس الوزراء في ظل بقاء الإرياني كرئيس للدولة ، وزاد إصراره بعد المغادرة الأولى للإرياني إلى دمشق وفشل وفد الوساطة الذي أرسله الحجري لإقناع الإرياني بالعودة والمشكل من العقيد / إبراهيم الحمدي . نائب رئيس الوزراء ونائب قائد الجيش . والعقيد حسين المسوري ، رئيس هيئة أركان الجيش . حينها قدم الحجري إستقالته من رئاسة الحكومة ، وما هي إلا شهور حتى قام العقيد / إبراهيم الحمدي نائب القائد العام للجيش بحركة تصحيحية في 13 يونيو 1974م . بدعم ومساندة من الحجري وحلفائه ، فاشتد الخناق العسكري والقبلي على الحمدي بتحالف رئيس حكومته محسن العيني مع أصهاره أبرز قادة الجيش آنذاك ( آل ابو لحوم ) بعد قيام الحمدي بعزل المقدم / درهم أبو لحومقائد لواء تعز والرائد / علي أبو لحوم قائد لواء الإحتياط وغيرهم . حينها اصطف القاضي الحجري إلى جانب تلميذه الحمدي وعبر زيارات مكوكية بين الطرفين توصل إلى صفقة سياسية تم بموجبها خروج آل أبو لحوم من اللعبة السياسية وبقاء الحمدي رئيسا ً للدولة وقائد عام للقوات المسلحة ، وفعلها كذلك حينما تمرد على الحمدي المقدم / مجاهد أبو شوارب . نائب القائد العام للجيش ، كما لعب الحجري دورا ً أساسيا ً ومحوريا ً في دعم خطوات الحمدي بإقصاء مراكز القوى والمشائخ عن مصدر القرار السياسي للبلاد .
واستطاع القاضي عبد الله الحجري بصراحته المعروفة تجيير المواقف المتباينة في الساحة اليمنية حينها لصالح الحمدي وفي مذكرات اللواء / يحيى المتوكل عضو مجلس القيادة ووزير داخلية عهد الرئيس الحمدي ، العديد من الشهادات التي تؤكد مدى دعم الحجري للحمدي في مواجهة الشيخ الاحمر من خلال نفوذه السياسي والإجتماعي وعلاقته الوثيقة بالدول الإقليمية المتحكمة بأوراق اللعبة السياسية اليمنية وبرغم عدم تسلمه لمنصب سياسي هام في عهد الحمدي حيث عينه نائبا ً له لشئون مجلس القضاء الأعلى وأمينا ً عاماً للتنظيم السياسي الوليد آنذاك المؤتمر الشعبي العام .
إلا أنه ظل بمثابة المرشد والمستشار للحمدي ، حتى امتدت إليه أيادي الغدر والخيانة لا سيما والمعطيات السياسية حينها كانت ترشحه كرئيس قادم لليمن ، بعد توتر علاقة الحمدي بالدول المؤثرة في الشأن اليمني وفقدانه لمعظم حلفائه السياسيين في مقابل اعتماده على تنظيم سياسي يساري يضم في صفوفه نخبة من خيرة شباب اليمن ويفتقد للشعبية الجماهيرية نتيجة انحصار توسع نشاطه التنظيمي في إطار أبناء محافظة بعينها .
هناك العديد من الروايات حول مقتله وكما هي روايات مقتل العظماء على مر التاريخ ، يشوبها الغموض ، حيكت أطراف المؤامرة من عدن مرورا ً ببيروت فصنعاء .
صدرت الأوامر من قيادة النظام الماركسي الحاكم في عدن ، وتمت الترتيبات في بيروت ، وجاءت ساعة الصفر من قيادة الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي يتزعمها نايف حواتمه , ونفذ المهمة القذرة الإرهابي الأجير / زهير عكاشة . فلسطيني الجنسية . ليقتل في نسيان إبريل 1977م . في العاصمة البريطانية لندن , واحداً من أعظم وأشرف وأشجع وأدهى ساسة اليمن دولة الرئيس القاضي الشهيد / عبد الله أحمد الحجري ورفيقة دربه زوجته الفاضلة ، وسائقه الشخصي رحمة الله تغشاهم جميعا ً .
وأخيرا ً / رحل عبد الله أحمد الحجري رجل الدين والدولة في نيسان / إبريل / 1977م . جسدا ً وبقي في ضمير كل يمني رمزا ً للوطنية الحقة ولرجل الدين والدولة المخلص لدينه ووطنه .
نتناول في هذه الاسطر بعض جوانب من حياة قائد وطني كرّس حياتة لخدمة وطنة وأستشهد من أجله ، في الذكرى الـ (34) لأستشهاد دولة الرئيس القاضي / عبداللة أحمد الحجري رئيس وزراء اليمن الاسبق .
هو عبدالله أحمد علي علي الحجري ولد في العام 1917م . في قرية الذاري التابعة لمديرية الرضمة محافظة أب ، وينحدر من أسرة عريقة عرفت بالعلم والفقة والقضاء والتدين . فوالدة العلامة أحمد علي الحجري كان واحداً من رجال الدين المرموقين في عصرة ويحضى بوجاهه اجتماعية ومكانة دينية في منطقته التي عمل فيها لسنوات طويلة مأموراً /عاملاً لأوقاف يريم في نهاية الحكم العثماني لليمن وبداية حكم الأمام / يحيى .
تلقى تعليمة في كتاتيب العلم ( النظام الدراسي السائد حينها ) ثم غادر ليتزود بالمعارف في المدرسة الشمسية بذمار ( القلعة الفكرية لزيود اليمن ) ، حينها توفى والدة وهو في السابعة من عمرة ، له من الأخوة ثلاثة أكبرهم الفيلسوف والمؤرخ القاضي العلامة / محمد أحمد الحجري الوزير في البلاط الملكي الأمامي آنذاك ، وصاحب المؤلفات التاريخية الشهيرة ، والفقيه والشاعر القاضي العلامة / علي أحمد الحجري المفتش بوزارة المعارف حينها ، وصاحب القصائد الشعرية اللاذعه والمؤلفات الفلكية القيمة ، أما أصغرهم فهو الأديب والشاعر الأستاذ / عبد الكريم أحمد الحجري الذي لم يحضَ بحقه في الحياة نتيجة أصابته بمرض شديد ثم وفاته وهو في عنفوان شبابة .
غادر الشاب / عبد الله الحجري بعد رحيل والده للعيش في كنف أخيه محمد في صنعاء وكان يعد أخيه الاكبر حينها واحدا ً من أبرز رجال الدولة المتوكلية اليمنية ، برز نجم الشاب الصغير وأتمَّ علوم الدين ومعارف عصره وهو لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره حينها عينه الإمام يحيى حاكما ً لقضاء النادرة وكان أصغر الحكام والقضاة ، وأكثرهم حكمة وصرامة وشجاعة ، وما هي إلا سنوات قليلة حتى ذاع صيته في أرجاء اليمن لما اشتهر به من عدل وحزم ونصرة للمظلوم ، فعينه الإمام احمد وزير دولة في حكومته ورئيسا ً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحينما شعر بعدم قدرته على تنفيذ أوامر الله في حق أحد أمراء بيت حميد الدين من أبناء الإمام قدم استقالته بعدما طبق شرع الله وأمرَ بالمعروف ونهى عن المنكر بحسب ما يمليه عليه ضميره وثقافته الإسلامية التقليدية التي تشربها على يد علماء زمانه في المدرسة الشمسية بذمار وزبيد وصنعاء ، حينها تبلورت شخصيته القيادية فعينه الإمام أحمد وزيرا ً للمواصلات وأثناء توليه مهام وزارته قدم العديد من المساعدات للنشطاء السياسيين الثائرين على حكم الأئمة ( كما أوردها في مذكراته الفريق / حسن العمري عضو مجلس قيادة الثورة وقائد الجيش الأسبق ) ، وكان آخر منصب حكومي يتولاه في عهد الأئمة هو وزير المعارف وساهم من خلال موقعه في إيفاد العديد من شباب اليمن للدراسة في الخارج ومن هؤلاء الطلبة السياسي اليمني الكبير د. حسن مكي رئيس الوزراء الأسبق التي شاءت الأقدار أن يستلم رئاسة الحكومة خلفا ً للقاضي الراحل العام 1973م .
عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 م . وإعلان النظام الجمهوري وبعد شد وجذب بينه وبين رجالات الثورة عُيِّن الشاب الصاعد القاضي / عبد الله الحجري ، سفيراً ومفوضا ً فوق العادة للجمهورية العربية اليمنية لدى دولة الكويت الشقيقة . وهناك سطع نجمه من خلال العلاقات الشخصية المتينة التي ربطته بالأسرة الحاكمة في الكويت وأمراء دول الخليج العربي ودفعته تلك العلاقات المتينة والثقة المتبادلة للتدخل في التفاصيل الدقيقة للأسرة الحاكمة الكويتية ، بعدها تعزز موقعه كحليف استراتيجي لدول الخليج العربي وبرز كدبلوماسي مخضرم ، مما دفع أعضاء المجلس الجمهوري الحاكم في صنعاء ونتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي كانت تمر فيها اليمن إلى اختياره بالإجماع رئيسا ً للحكومة العام 1970م .
بدأ دولة الرئيس الحجري بتشكيل حكومته من خيرة رجال الدولة وضمت في صفوفها القوى الملكية التي عادت إلى صنعاء بعد المصالحة الوطنية التي رعتها الرياض بين الجمهوريين والملكيين مما يجدر الإشارة إليه هنا شهادة السياسي المخضرم / كمال أدهم المستشار السياسي للملك السعودي الراحل ، حول الدور المحوري للقاضي الحجري في التوصل إلى اتفاق المصالحة الوطنية .
وكانت حكومة الحجري قد وضعت أول ميزانية في تاريخ الدولة اليمنية ورسخت أسس دولة النظام والقانون من خلال كبح جماح القوى التقليدية المشائخية والحد من نفوذ مراكز القوى ، وللقاضي الحجري المشهور بصرامته في مواقفه الوطنية مقولات خالدة تدعم ترسيخ جذور دولة القانون ومما قاله حين أقدم أحد كبار المشائخ على قتل مواطن عادي ورفض التوصل إلى حل عرفي يجنب هذا الشيخ من العقاب . ( يقتلون البشر ويذبحون البقر ، يجب تطبيق شرع الله ) وحينما أقدم على فرض هيبة الدولة في مجتمع مازال يعيش في أتون التخلف والجهل والعصبية القبلية والأعراف الاجتماعية البالية ، تعرض لهجمة شرسة من قوى التخلف المشائخي وبعض متطرفي اليسار فواجه الموقف بشجاعة لم ترهصه التهديدات. ورفض المهادنة معهم أو الخنوع لهم وقال بعد حادثة تفجير منزله بصنعاء ( والله ما أعدُل عن موقفي هذا حتى ولو كان آخر لغم في عمامتي هذه ) .وأثناء توليه رئاسة الحكومة انتهت اتفاقية الحدود الموقعة بين اليمن والسعودية وحان موعد تجديدها أو التنازل عن الأرض اليمنية للسعودية نتيجة ضغوطها على القيادة السياسية اليمنية بحكم الدعم المالي واللوجستي السعودي لليمن وسيطرتها على مقاليد الامور حتى أضحى دور الجنرال / صالح الهديان الملحق العسكري السعودي بصنعاء آنذاك شبيه بدور الجنرال / رستم غزالي مدير جهاز الإستخبارات العسكرية السورية في لبنان أثناء الوصاية السورية على لبنان قبل العام 2005م . فالهديان كان يعد قائد الجيش اليمني الفعلي نضرا ً لتوزيعه الهبات والرواتب المالية السعودية على قادة وضباط وصف وأفراد الجيش ، وكذا تكفل المملكة السعودية بنفقات ثلثي ميزانية الحكومة اليمنية , فكان من السهل في مثل هذه الظروف التنازل للمملكة عن الأرض . إلا أن القاضي الحجري بحسه الوطني المتقد وحنكته المعروفة ودبلوماسيته المعهودة ، توصل مع الجانب السعودي إلى أقرب الحلول بتجديد الإتفاقية على أن تنتهي بعد عشرون عاما ً من توقيعها ، مبرراً ذلك بإمكانية إستفادة اليمن من دعم المملكة خلال هذه الفترة وبناء كيان للدولة والجيش والتفاوض مستقبلا ً من منطق الند للند ، حينها هاجمت بعض قوى اليسار الماركسي إقدام الحجري على توقيع الإتفاقية ، واليوم مع مرور الزمن ثبت صحة خيار الحجري وسجل التاريخ اليمني بأحرف من ذهب خياره الوطني ، وذهبت أطروحات اليسار المغامر إلى مزبلة التاريخ نظرا ً لما وصلت إليه نظرياتهم اللاواقعية ومغامراتهم المتطرفة .
واستمر في مهمته الوطنية كرئيس للوزراء حتى بدأ يتحسس رئيس المجلس الجمهوري القاضي / عبد الرحمن الإرياني من قوة شخصيته ونفوذه وقاعدته الشعبية لا سيما والقاضي / عبد الله الحجري لا يستند في قوته ونفوذه لقبيلة تدعمه وتحميه بل كان شخص بحجم شعب ، حينها أيقن الحجري إستحالة بقائه كرئيس لمجلس الوزراء في ظل بقاء الإرياني كرئيس للدولة ، وزاد إصراره بعد المغادرة الأولى للإرياني إلى دمشق وفشل وفد الوساطة الذي أرسله الحجري لإقناع الإرياني بالعودة والمشكل من العقيد / إبراهيم الحمدي . نائب رئيس الوزراء ونائب قائد الجيش . والعقيد حسين المسوري ، رئيس هيئة أركان الجيش . حينها قدم الحجري إستقالته من رئاسة الحكومة ، وما هي إلا شهور حتى قام العقيد / إبراهيم الحمدي نائب القائد العام للجيش بحركة تصحيحية في 13 يونيو 1974م . بدعم ومساندة من الحجري وحلفائه ، فاشتد الخناق العسكري والقبلي على الحمدي بتحالف رئيس حكومته محسن العيني مع أصهاره أبرز قادة الجيش آنذاك ( آل ابو لحوم ) بعد قيام الحمدي بعزل المقدم / درهم أبو لحومقائد لواء تعز والرائد / علي أبو لحوم قائد لواء الإحتياط وغيرهم . حينها اصطف القاضي الحجري إلى جانب تلميذه الحمدي وعبر زيارات مكوكية بين الطرفين توصل إلى صفقة سياسية تم بموجبها خروج آل أبو لحوم من اللعبة السياسية وبقاء الحمدي رئيسا ً للدولة وقائد عام للقوات المسلحة ، وفعلها كذلك حينما تمرد على الحمدي المقدم / مجاهد أبو شوارب . نائب القائد العام للجيش ، كما لعب الحجري دورا ً أساسيا ً ومحوريا ً في دعم خطوات الحمدي بإقصاء مراكز القوى والمشائخ عن مصدر القرار السياسي للبلاد .
واستطاع القاضي عبد الله الحجري بصراحته المعروفة تجيير المواقف المتباينة في الساحة اليمنية حينها لصالح الحمدي وفي مذكرات اللواء / يحيى المتوكل عضو مجلس القيادة ووزير داخلية عهد الرئيس الحمدي ، العديد من الشهادات التي تؤكد مدى دعم الحجري للحمدي في مواجهة الشيخ الاحمر من خلال نفوذه السياسي والإجتماعي وعلاقته الوثيقة بالدول الإقليمية المتحكمة بأوراق اللعبة السياسية اليمنية وبرغم عدم تسلمه لمنصب سياسي هام في عهد الحمدي حيث عينه نائبا ً له لشئون مجلس القضاء الأعلى وأمينا ً عاماً للتنظيم السياسي الوليد آنذاك المؤتمر الشعبي العام .
إلا أنه ظل بمثابة المرشد والمستشار للحمدي ، حتى امتدت إليه أيادي الغدر والخيانة لا سيما والمعطيات السياسية حينها كانت ترشحه كرئيس قادم لليمن ، بعد توتر علاقة الحمدي بالدول المؤثرة في الشأن اليمني وفقدانه لمعظم حلفائه السياسيين في مقابل اعتماده على تنظيم سياسي يساري يضم في صفوفه نخبة من خيرة شباب اليمن ويفتقد للشعبية الجماهيرية نتيجة انحصار توسع نشاطه التنظيمي في إطار أبناء محافظة بعينها .
هناك العديد من الروايات حول مقتله وكما هي روايات مقتل العظماء على مر التاريخ ، يشوبها الغموض ، حيكت أطراف المؤامرة من عدن مرورا ً ببيروت فصنعاء .
صدرت الأوامر من قيادة النظام الماركسي الحاكم في عدن ، وتمت الترتيبات في بيروت ، وجاءت ساعة الصفر من قيادة الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي يتزعمها نايف حواتمه , ونفذ المهمة القذرة الإرهابي الأجير / زهير عكاشة . فلسطيني الجنسية . ليقتل في نسيان إبريل 1977م . في العاصمة البريطانية لندن , واحداً من أعظم وأشرف وأشجع وأدهى ساسة اليمن دولة الرئيس القاضي الشهيد / عبد الله أحمد الحجري ورفيقة دربه زوجته الفاضلة ، وسائقه الشخصي رحمة الله تغشاهم جميعا ً .
وأخيرا ً / رحل عبد الله أحمد الحجري رجل الدين والدولة في نيسان / إبريل / 1977م . جسدا ً وبقي في ضمير كل يمني رمزا ً للوطنية الحقة ولرجل الدين والدولة المخلص لدينه ووطنه .