الرئيسية / تقارير وحوارات / قصص مـن " الجـولات " في المدن اليمنية ..!!
قصص مـن \" الجـولات \" في المدن اليمنية ..!!

قصص مـن " الجـولات " في المدن اليمنية ..!!

12 أغسطس 2012 11:01 صباحا (يمن برس)
إذا أردت أن تتعرف على شعبٍ من الشعوب فانظر إلى الجولات.. فمن هناك تستطيع أن تحكم على مدى رفاهية الشعب وفقره.. ويبدو لي أننا سنحطم الرقم القياسي في (التسوّل).. لأن جولاتنا وأرصفتنا ممتلئة عن بكرة أبيها بكل الوسائل ومن مختلف الأعمار وبكل أشكال التسوّل المبتكرة لديهم.. وما يؤسف له أن هؤلاء يكونون أول صورة تلتقطها عين السائح والزائر للوطن، فلا ترى إلا مجرد شعبٍ مشرّدٍ على الجولات والأرصفة.

ولا ترى إلا أيادٍي تمتدُ لكل عابر طريق.. وبمجرد أن يصبح لون إشارة المرور أحمر يتقاطرون زرافاتٍ ووحدانا.. فالبعض تجاوز مسألة مد يده بمسح زجاج السيارة أو بيع المناديل الورقية أو الماء البارد..إلخ، تلك الخدمات السريعة وإن كانت بثمن مضاعف على السعر المتعارف عليه.. والمدهش في الأمر أن الإناث اقتحمن عالم التسوّل محطمات كل قيود المجتمع.. ولم يعد بمستغربٍ أن تراهن على الجولات حتى الساعات المتأخرة من المساء.. وخاصة صغيرات السن اللواتي قد يكن عرضة لذئاب البشر..!!

وإذا نظرنا للوضع من الناحية الاقتصادية فمعظم شريحة الطبقة الوسطى والتي تعتبر من الطبقات الهامة في رُقي المجتمعات وتطورها.. وذلك حسب تصنيف المبدع ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.. أما لدينا فهذه الطبقة في اليمن انحدرت إلى مستوى خط الفقر نتيجة الحالة الاقتصادية المتدهورة والحروب والنزاعات المسلّحة، وبذلك لن تقوم قائمة لنهضة الوطن مالم يتم تحسين الوضع الاقتصادي وإيجاد حلول عاجلة ، وإلا سيصبح الشعب كله (متسوّل) على أرصفة الجولات، ومن منطلق الرسالة الإعلامية لمن يهمهم الأمر قامت صحيفة "الجمهورية" بالنزول الميداني إلى بعض الجولات وأماكن تواجدهم والتقتهم عن قرب فكانت الحصيلة التالية، فكن معنا عزيزنا القارئ مع عالم المتسولين.

أم نجلاء: تجمع 200ريال في اليوم لعشرة أطفال..!!
برغم الحالة المزرية التي يظهر بها المتسوّل أو المتسوّلة إلا أن البعض منهم قد يكون حصيلتهم في اليوم ما لايكفي لسد الرمق وبرغم الذل الذي يواجهونه.. أم نجلاء وجدتها مع مجموعة من أطفالها بجوار أحد الجوامع الشهيرة بصنعاء القديمة، فقالت رداً على بعض تساؤلاتي: ما معانا إلا (نشحت).. قولي لي: أيش أعمل؟ ومن وين شاندي لعيالي أكل؟..في اليوم أحصّل 200ريال لعشرة أطفال واحد شايقع له لقمة.. و الثاني مايقع له.. مو بيدي أعمل ؟ مافي معانا أحد.. قلت لها : لمَ لا تعملين (كمنّظفة) بأي مكان لتطعمي أطفالك.. وتحسني حالتك أفضل من التسوّل وخاصة أنك ماتزالين شابة وقادرة على العمل؟

ردت بحسرة كنت أعمل بأحد المكاتب (كمنظّفة) وخرجونا أولاد الحرام.. ودخلّوا غيرنا بوساطة.. ورجعت أني وعيالي أشحت.. قولي وين هذه الدولة التي تتعامل بالوساطة في كل شئ..!!

أطلب من الدولة أن توفر لنا مراكز تأهيل..!!
أم ندى ـ كانت بجوار أم نجلاء على نفس ناصية الشارع.. يعني جارات بالتسوّل.. وسمعت حديثي السابق وكانت عكس سابقتها.. فكلها حيوية ونشاط ولديها رغبة ملّحة بالعمل والاعتماد على الذات، قائلة بمرارة: تدري أني أخرج أشحت ووجهي مثل القزمة (الجزمة) تقصد أعزكم الله..مش أني راضية بالحال، ومو أعمل..؟ اشتغلتُ وخرجوني من شغلي.. وأني أطلب أن تعمل لنا الدولة مراكز للخياطة والتطريز.. ونشقي على عيالنا.. ونخدم الوطن هذا.. ونعيش بكرامة مثل كل خلق الله.. لكن الدولة ولا بتحس فينا.. وما معانا إلا نخرج نشحت وإلا متنا جوع إحنا وعيالنا.. وأجهشت بالبكاء.. فلم أستطع مواصلة حواري معها.. وشعرتُ فعلاً بصدق رغبتها في تغيير وضعها وأنها تتسوّل مكرهة.. وتساءلت معها: أين هي الدولة فعلاً من استثمار هذه القدرات فيما يفيد البلد..؟!

متسوّل مستعجل..!!
وبينما كنتُ أدوّن على الأوراق.. ظن أحد المتسولين أنني من إحدى الجمعيات الخيرية، قال لي: اكتبي اسمي إذا في صدقة.. فقلت له: هذه صحيفة وليست جمعية.. وما إن أخبرته قفل مسرعا لأنه لم يحصّل فائدة.. وكان بعكس الأخوات اللواتي حاورتهن.. وذلك للتوضيح حتى لا يقال تحيّزت فقط للإناث..!!

سقطت من السطوح.. وشقيقتها تتسوّل بها..!!
وعلى رصيف التحرير رأيت ما لم أتمنَ رؤيته على أرض الوطن المثخن بالألم.. استوقفتني شابة عشرينية نائمة على الرصيف والجبس على قدميها.. وشقيقتها بجوارها ترفع صوتها بالمايك لتستجدي المارّة: (ساعدونا يا إخواني.. الله يرحمكم.. الله يــ.. الله يــ ....إلخ) فلم تتوّقف لتخبرني عن حالة أختها.. إلا بعد أن تحسستُ محفظتي وناولتها..وحين رأتني أخرج الورقة والقلم نظرت إليّ وواصلت صراخها بالمايك.. فقلت لها: توّقفي قليلاً حتى أستطيع أن أسألك عن إصابة أختك؟
قالت: أختي سقطت من الجُبا.
ـ ولماذا تخرجي بها إلى هنا؟
ـ لأنه ما في معانا شيء نأكله.. وإذا ما خرجت بها ما نحصّل شيء..!!

كانت إجابتها صادمة جدا.. وما حزّ في نفسي أن سيماهما يدل أنهما كانتا من أسرة ميسورة الحال..فوصلا إلى ذلك الوضع..والمؤلم أكثر هو جلوسهما على الرصيف بتلك الطريقة..فأين عيون الدولة من هذه المناظر المؤسفة..؟؟!!

طفولة مذبوحة..!!
بينما كنت ألملم أوراقي وأستعد لمغادرة المكان والعودة من حيث أتيت استوقفني أحدهم قائلاً: لا تصدقي كل هذه الحركات من المتسولين فمعظم العاهات يستغلون بها عواطف الناس فقط.. ودليلي على ذلك حين راقبتُ ومجموعة من المصلين بأحد الجوامع القريبة من الحارة أحد المتسولين وهو يأتي بابنته للتتشنج أمام المصلين فيعطونها رحمة لحالها.. وبعد أن ابتعد والدها عن المسجد بضعة أمتار.. فأنزلها من حضنه ومشت بقدميها.. وتأكد لنا أن ذلك المتسوّل مجرد كذاب يستغل مشاعر الناس لجمع المال الذي تعوّد على جمعه دون جهد..!!

وهنا أترك التعليق للقارئ الكريم..

ظاهرة ملفتة للمتسولات المبرقعات..!!
وبمجرد أن ترى إشارة حمراء.. تمطرك الجولات بمجموعة من المبرقعات صغيرات السن ومتوسطات الأعمار.. فبينما كان الباص يمرُ بعد أن تغيّر لون الإشارة إلى الأخضر.. لم يستطع سائقه متابعة طريقه لأن فتاة مبرقعة ويبدُو أنها في الرابعة عشرة من عمرها.. تعلّقت بالباص وبكفها اليمنى قطعة قماش تمسح بها الزجاج.. رغم ذلك لم تحصّل شيئاً من الركاب.. ومن سائق الباص نفسه..وكل تلك الوقفة شكّلت زحمة أخرى.. فبعد ذلك الباص ارتفع صراخ الأبواق المزعجة..ولم يدروا أن تلك إشارة أيضا لكن من نوعٍ آخر.. وعلى الطرف الآخر مجموعة من الفتيات المبرقعات أيضا حاولن أن يتعايشن مع جو رمضان.. ويحملن مجموعة من المصاحف لبيعها حال تقف الإشارة.. وكذلك المسابح والسجاد وغيرها من بضاعة الموسم الرمضاني..!!

آخر الأوراق..!!
بعد هذه الإطلالة القصيرة على عالم المتسولين والذين يتزايد عددهم مع شهر الصوم بشكل ملفت نأمل أن نكون قدّمنا صورة ناطقة بواقعنا المرير .. والذي نتمنى من أصحاب القرار أن يجدوا الحلول العاجلة والسريعة.. فالوطن لا ينقصه عرض المزيد من العاهات على الأرصفة والجولات..!!

والفقراء الحقيقيون يعيشون بين أربعة جدران لا يمدون أياديهم إلى أحد.

وإنما يرفعونها إلى سماء الخالق الذي تكفّل بأرزاقهم..!!
شارك الخبر