في مشهد لم تشهده شوارع القاهرة الكبرى منذ شهور طويلة، انطلقت أكثر من 3 ملايين سيارة بحرية تامة عبر الطرق والمحاور الرئيسية صباح اليوم، في ظاهرة استثنائية وفرت على السائقين 45 دقيقة كاملة من أوقات رحلاتهم اليومية. هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر قريباً، تركت المواطنين في حالة من الذهول والفرحة، بينما يتساءل الجميع: هل هذا بداية عهد جديد أم مجرد استثناء عابر؟
"لأول مرة منذ أشهر أصل للعمل مرتاحاً ومبتسماً" هكذا عبر أحمد محمود، الموظف الذي يسافر يومياً من المعادي إلى المهندسين، عن دهشته من السيولة المرورية الاستثنائية. الأرقام تؤكد حجم هذا الإنجاز: تحسن بنسبة 85% في أوقات الانتقال عبر الشوارع التي تحولت من "بركة راكدة" إلى "نهر متدفق" كما وصفها د. محمد الشربيني، خبير النقل. المقدم سامح العشري من إدارة المرور، أكد بفخر واضح: "خطتنا الجديدة حققت نجاحاً منقطع النظير".
وراء هذا المشهد المذهل خطة محكمة نفذتها الإدارة العامة للمرور، تذكرنا بـشوارع القاهرة في السبعينيات قبل الانفجار السكاني الذي خنق شرايين العاصمة. العوامل المتضافرة شملت انتشاراً مكثفاً لرجال المرور وتنظيماً دقيقاً للإشارات الضوئية، بالإضافة إلى كون اليوم عطلة نهاية أسبوع. خبراء النقل يؤكدون أن هذا النموذج قابل للتطبيق بشكل دائم مع الاستثمار السليم في البنية التحتية الذكية.
في بيوت القاهرة الكبرى، شعرت الأسر بالفارق الجوهري: توفير الوقت والوقود، تقليل التوتر النفسي، ووصول آمن للمقاصد. فاطمة علي، ربة منزل من الجيزة، روت بابتسامة: "لأول مرة أذهب للسوق دون توتر أو عصبية من الزحام". هذا التحول يثير توقعات عالية لدى المواطنين، وقد يخلق ضغطاً شعبياً على المسؤولين لجعل هذا هو الوضع الطبيعي الجديد. لكن الخبراء يحذرون من خيبة الأمل إذا فشلت الخطط في الحفاظ على هذا المستوى من التنظيم.
يبقى السؤال الأهم معلقاً في أذهان ملايين المصريين: هل ستحافظ القاهرة على هذا الإنجاز النادر، أم ستعود غداً لمعاناة الزحام المروري المعتادة؟ اليوم شهد نموذجاً مثالياً لما يمكن تحقيقه بالتنظيم والتخطيط السليم، والآن على المسؤولين أن يحولوا هذا الاستثناء إلى قاعدة دائمة تنقذ ملايين المواطنين من جحيم المرور اليومي.