في تطور صادم هز أروقة الحكومة المصرية، كشفت التحقيقات الرسمية عن فضيحة رشوة ضخمة بقيمة 87 ألف جنيه من أموال دافعي الضرائب اختفت في جيوب مسؤول واحد بوزارة البيئة خلال أقل من سنة. بينما تنتظر سيارات الوزارة الصيانة لشهور، كان المدير يحول منصبه إلى "ماكينة أتوماتيكية لطباعة الأموال" من خلال بيع عقود الصيانة سراً، في أكبر فضيحة فساد تشهدها الوزارة منذ سنوات.
كشفت أوراق التحقيق الحصرية التي حصلت عليها مصادر مطلعة، أن مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة البيئة تقاضى رشاوي بمبلغ 57 ألف جنيه من شركة "شحوت وشريكه" و30 ألف جنيه من "الشركة العالمية لصيانة السيارات"، مقابل إسناد عقود صيانة سيارات الوزارة إليهما. "المتهم استغل صفته الوظيفية ونفوذه لتحقيق منافع مالية غير مشروعة" كما أكدت نيابة أمن الدولة العليا. محمد السائق، 52 عاماً، موظف بالوزارة، يروي معاناته: "كنا ننتظر إصلاح سياراتنا شهوراً، بينما المال العام يُنهب أمام أعيننا دون أن نعلم."
تكشف الوقائع عن منظومة فساد منظمة تحكم توزيع العقود الحكومية، حيث المال وليس الكفاءة هو المعيار الوحيد للحصول على الصفقات. ضعف الرقابة الداخلية وتعقيد إجراءات الصرف الحكومي خلقا بيئة مثالية لازدهار الفساد، تماماً كما حدث في فضائح وزارة الصحة والمقاولات الحكومية في العقود الماضية. د. هشام الخولي، خبير مكافحة الفساد، يحذر: "هذه القضية تمثل نموذجاً مصغراً لفساد أعمق في المؤسسات، وقد نشهد كشف المزيد من القضايا المشابهة في وزارات أخرى."
الأخطر من ذلك أن المواطن البسيط يدفع الضريبة مرتين: مرة للخزانة العامة ومرة في جيوب الفاسدين، بينما تتدهور جودة الخدمات الحكومية يوماً بعد يوم. القضية المرقمة 5961 لسنة 2025، والتي تولى التحقيق فيها المستشار أحمد بدوي، تضم ثلاثة متهمين سيواجهون محكمة الجنايات بتهم الرشوة واستغلال النفوذ. عمرو التقني، 38 عاماً، فني صيانة سابق، يكشف: "كنا نعرف أن العقود لا تُمنح إلا بالواسطة والرشوة، لكن لم نتصور أن الأرقام بهذا الحجم." ردود الفعل تتراوح بين الغضب الشعبي والترحيب من منظمات مكافحة الفساد.
بينما تنتظر العدالة تطبيقها على المتهمين الثلاثة، تبقى هذه القضية بداية محتملة لتطهير أوسع للمؤسسات الحكومية من الفساد المستشري. 87 ألف جنيه اختفت، ثلاثة متهمين أمام المحكمة، وفضيحة جديدة تضاف إلى سجل طويل من انتهاكات الأمانة العامة. السؤال الذي يؤرق الجميع: كم من القضايا المشابهة تحدث في الخفاء؟ وهل ستكون هذه بداية النهاية للفساد أم مجرد قطرة في محيط من الانتهاكات؟