في تطور صادم يهز أركان الاقتصاد اليمني، سجلت الفجوة النقدية بين صنعاء وعدن أرقاماً قياسية مدمرة، حيث وصل سعر الدولار في العاصمة المؤقتة عدن إلى 1630 ريالاً مقابل 536 ريالاً فقط في صنعاء - فارق يتجاوز 1000 ريال للدولار الواحد! هذا الانقسام النقدي المرعب يحول اليمن فعلياً إلى دولتين اقتصادياً، مع كل دقيقة تأخير في إيجاد الحلول تكلف الشعب اليمني خسائر تفوق قدرته على التحمل.
في مشهد يحبس الأنفاس، تحكي أم أحمد من تعز قصتها المؤلمة: "أستلم راتبي كمعلمة في صنعاء بـ 50 ألف ريال، لكن عندما أحوله لعدن حيث أعيش مع أطفالي، يتحول إلى 16 ألف ريال فقط!" هذا الواقع المأساوي يعيشه آلاف اليمنيين يومياً، حيث يحمل محمد الصراف من عدن كل صباح حقيبتين من النقود المختلفة، ويشهد دموع العائلات وهي تكتشف أن مدخراتها تبخرت بسبب أرقام الصرف الجنونية. طوابير المواطنين أمام محلات الصرافة تمتد لمئات الأمتار، ووجوههم المتعبة تحكي قصص معاناة لا تنتهي مع حسابات التحويل المعقدة التي تستنزف آخر قرش في جيوبهم.
جذور هذه الكارثة النقدية تعود إلى عام 2016 عندما تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، مما فتح الباب أمام طباعة عملات مختلفة وخلق نظامين نقديين متضادين في البلد الواحد. الدكتور عبدالله الحيدري، الخبير الاقتصادي اليمني، يؤكد بحزن: "هذا ليس مجرد انقسام سعري، بل تدمير منهجي للنسيج الاجتماعي اليمني. نحن أمام أسوأ انقسام نقدي في التاريخ الحديث، أشد حتى من انقسام ألمانيا الشرقية والغربية." العوامل المؤثرة تتراكم يومياً: الحصار الاقتصادي المفروض، منع تداول العملة الجديدة بين المناطق، وسيطرة جماعات مختلفة على الموانئ والمؤسسات المصرفية، كلها عوامل تدفع نحو الهاوية الاقتصادية.
المأساة الحقيقية تكمن في التأثير المدمر على الحياة اليومية للمواطن البسيط. خالد، التاجر الذي يسافر أسبوعياً بين المدينتين، يروي بمرارة: "أحتاج حقيبتين للنقود وآلة حاسبة لأعرف كم أملك فعلاً!" العائلات اليمنية تنقسم الآن اقتصادياً، حيث لا يستطيع الأب في صنعاء إرسال مصروف كافٍ لابنه الجامعي في عدن، والمرأة التي تعمل في مدينة وتعيش في أخرى تفقد 70% من قوتها الشرائية بين ليلة وضحاها. الخبراء يحذرون من سيناريوهات كارثية: إما توحيد عاجل خلال الأشهر القادمة، أو انهيار اقتصادي كامل يدفع البلاد نحو تقسيم دائم لا يعرف العودة.
في ظل هذا الواقع المرير، يبقى السؤال المصيري معلقاً في الهواء: كم من الوقت يمكن لشعب واحد أن يعيش بعملتين متضادتين قبل أن ينقسم إلى شعبين؟ الإجابة تحددها الساعات والأيام القادمة، وكل لحظة تأخير في إيجاد حل جذري تدفع اليمن أكثر نحو الهاوية الاقتصادية والاجتماعية. الأمل الوحيد يكمن في تحرك إقليمي ودولي عاجل لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد اليمني قبل أن تصبح الكارثة أكبر من قدرة أي طرف على إصلاحها.