في أرقام لا تصدق تهز ضمير الأمة، يواجه اليمنيون كارثة نقدية حقيقية حيث يحتاج المواطن في عدن إلى 1,097 ريال إضافي لشراء نفس الدولار الذي يحصل عليه نظيره في صنعاء! فارق صاعق يصل إلى 305% يمزق البلد الواحد إلى عالمين اقتصاديين منفصلين، ومع كل ساعة تمر تبتلع هذه الأزمة المزيد من مدخرات الشعب اليمني المنكوب.
الواقع المرير يكشف أن الدولار الواحد يباع بـ 535 ريالاً في صنعاء مقابل 1,632 ريالاً في عدن، وسط مشاهد مؤلمة لطوابير المواطنين أمام محلات الصرافة. أحمد، متقاعد يبلغ من العمر 65 عاماً، يروي بصوت مرتجف: "راتبي التقاعدي الذي كان يكفي شهراً كاملاً، اليوم لا يشتري أسبوعاً من الطعام". أصوات الاحتجاج تملأ أسواق الصرف، ورائحة القلق الشديد تفوح من الوجوه المنهكة التي تحمل أكوام الأوراق النقدية المتهالكة.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تمتد إلى 9 سنوات من التدهور المستمر منذ انقسام البنك المركزي اليمني عام 2016، مما خلق واقعاً أشبه بـانقسام ألمانيا النقدي قبل الوحدة. نقص السيولة الدولارية في الجنوب وانقطاع التنسيق بين شطري البنك المركزي حولا اليمن إلى دولة تستخدم عملتين مختلفتين، كشخص يدفع بالذهب في يد والفحم في اليد الأخرى. الخبراء الاقتصاديون يحذرون من سيناريو أسود قد يشهد وصول الدولار إلى 2,000 ريال في عدن خلال الأسابيع القادمة.
التأثير المدمر لا يتوقف عند الأرقام، فـفاطمة ربة المنزل تقف منذ ساعات في طوابير الصراف بحثاً عن دولارات لشراء دواء طفلها، بينما تشهد الشركات الصغيرة إفلاسات جماعية. الفارق البالغ 1,097 ريال يعادل راتب مدرس كامل في بعض المناطق، والطبقة الوسطى تتآكل يومياً تحت وطأة تضخم جامح يسير بسرعة انهيار جليدي. التجار يتحدثون عن توقف كامل للتجارة بين الشمال والجنوب، ومضاربون أذكياء يحققون أرباحاً طائلة من هذه المأساة الوطنية.
أمام هذا الواقع الكارثي، ينصح خبراء الاقتصاد المواطنين بـالهروب الفوري من الريال والتحول للذهب والعملات الصعبة قبل أن تصل العملة إلى الصفر. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سينتظر اليمنيون حتى تنهار عملتهم بالكامل، أم أن هناك أملاً في إنقاذ ما تبقى من اقتصادهم قبل فوات الأوان؟