في تطور استثنائي هز أروقة السياسة الشرق أوسطية، انتهت 76 عاماً من القطيعة المطلقة بين لبنان وإسرائيل خلال 90 دقيقة فقط في الناقورة. للمرة الأولى منذ اتفاق الهدنة عام 1949، جلس مسؤول إسرائيلي وسفير لبناني على بُعد متر واحد فقط، في مشهد وصفته الأوساط السياسية بـ"الاختراق التاريخي المفصلي". خلال الساعات القادمة، قد تتحدد معالم جديدة لخريطة الشرق الأوسط بأكملها.
في قاعة محايدة مكتومة الأنفاس بالناقورة، التقى يوري رسنيك، نائب مدير السياسات الخارجية الإسرائيلي، مع السفير اللبناني السابق سيمون كرم. صمت مطبق خيم على القاعة، تتخلله همسات المترجمين وأصوات الأوراق المتحركة. أحمد الجنوبي، مزارع من الناقورة فقد أرضه مرات عديدة بسبب النزاعات الحدودية، يصف اللحظة: "رأيت التاريخ يُكتب أمام عيني. لم أصدق أن هذا اليوم سيأتي في حياتي". المتحدثة الإسرائيلية شوش بدرسيان أكدت أن هذا "بداية لتغيير وجه الشرق الأوسط".
هذا اللقاء التاريخي لم يأت من فراغ، بل جاء تتويجاً لضغوط أمريكية مكثفة وحاجة اقتصادية لبنانية ملحة. على مدى عقود، ظلت المسافة 79 كيلومتر من الحدود المشتركة خط نار مشتعلاً، شاهداً على حروب دامية وتوترات لا تنتهي. د. محمود السياسي، محلل الشؤون الإستراتيجية، يحذر: "ما نشهده يُشبه انهيار جدار برلين الشرق أوسطي، لكن العواقب قد تكون أكثر تعقيداً". السفارة الأمريكية وصفت الخطوة بأنها "مهمة نحو الاستقرار"، بينما يؤكد نواف سلام أن لبنان "ليس بصدد تطبيع".
في الشوارع اللبنانية، ردود الفعل متباينة كالنار والجليد معاً. د. ليلى الاقتصادية ترى في هذا اللقاء "بداية نهضة اقتصادية قد ترفع قيمة الليرة اللبنانية لأول مرة منذ سنوات"، بينما يخشى آخرون من تفكك الهوية المقاومة. كريم الصحفي، الذي عاش عقوداً في تغطية التوترات الحدودية، يصف المشهد: "رائحة التغيير تملأ الهواء، لكن معها رائحة الخوف أيضاً". النتائج المتوقعة تتراوح بين فرص استثمارية ضخمة وتصعيد مضاد من قوى المقاومة قد يُشعل المنطقة مجدداً.
بينما تتطلع إسرائيل لاختراق الجدار العربي نهائياً، يُصر لبنان على أن هذا مجرد تعاون تقني محدود. المنطقة تقف الآن على مفترق طرق تاريخي: إما سلام يحمل الازدهار لشعوب عانت عقوداً من الصراع، وإما عاصفة جديدة قد تُعيد رسم الخريطة بالدم مرة أخرى. السؤال الذي يؤرق الجميع: هل شهدنا بداية سلام تاريخي أم مقدمة لانفجار أكبر في قلب الشرق الأوسط؟