بعد انتظار مؤلم دام 90 يوماً كاملة، يتنفس آلاف موظفي التعليم في عدن الصعداء أخيراً مع بدء صرف مرتبات شهر أغسطس. لأول مرة منذ 3 أشهر، تتحرك عجلة الرواتب المتوقفة في المحافظة الجنوبية، لكن السؤال المؤرق يبقى: هل هذه انفراجة حقيقية أم مجرد قطرة في صحراء المعاناة؟
أحمد المعلم، أب لثلاثة أطفال من مديرية كريتر، لم يصدق عينيه وهو يرى رسالة البنك تؤكد وصول راتبه بعد انتظار طال لشهور. "كنت أحسب الأيام والليالي، راتب واحد يعني الفرق بين دفع إيجار المنزل أو النوم في الشارع"، يقول أحمد بصوت مرتجف من الانفعال. الطوابير التي امتدت أمام فروع البنوك ووكلاء الخدمة حملت خليطاً من الفرح والقلق، وجوه متعبة تنتظر بصبر نافد، وأصوات همهمات تتراوح بين الدعاء والشكر.
الأزمة ليست وليدة اليوم، فمنذ اندلاع الحرب في 2015، تعيش اليمن كابوساً مالياً حقيقياً حيث انقطعت أو تأخرت مرتبات موظفي القطاع العام لفترات طويلة. انقسام المؤسسات الحكومية ونقص الإيرادات العامة خلقا واقعاً مريراً يشبه الكساد الكبير في الثلاثينيات، حيث تتبخر الأحلام أمام صعوبة الحصول على لقمة العيش. د. محمد الاقتصادي، خبير الشؤون المالية الحكومية، يحذر: "ما نشهده اليوم مجرد علاج مؤقت لمرض مزمن، الحل الجذري يحتاج إرادة سياسية حقيقية".
التأثير على الحياة اليومية واضح كالشمس، فسالم الموظف في مكتب التربية يروي كيف اضطرت زوجته لبيع حليها الذهبية لشراء الدواء لابنتهما المريضة. الآن، مع وصول الراتب، تستطيع أسرته أخيراً شراء الضروريات وسداد فاتورة الكهرباء المتراكمة منذ شهرين. فاطمة الإدارية، التي واصلت عملها رغم انقطاع الراتب إيماناً بدورها التعليمي، تعبر عن أملها في انتظام المرتبات: "أطفال اليمن يستحقون تعليماً أفضل، ونحن نستحق حياة كريمة".
رغم هذه الانفراجة المؤقتة، يبقى السؤال المصيري معلقاً في سماء عدن الملبدة بالغيوم: هل ستكون هذه بداية انتظام حقيقي للمرتبات، أم مجرد هدوء مؤقت قبل عاصفة جديدة من التأخير والمعاناة؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، وملايين الموظفين ينتظرون بقلوب واجفة.