تشهد مدينة المخا ومناطق الساحل الغربي اليمني نهضة تنموية واسعة النطاق، في الوقت الذي تواجه فيه محافظات عدن وتعز أزمة حادة في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يضع أمام المواطنين اليمنيين صورة متباينة بين التحديات المعيشية الراهنة وبصائر الأمل التي تلوح في الأفق.
وبينما تصارع أسر يمنية كثيرة لتأمين احتياجاتها الأساسية في ظل ارتفاع جنوني يطال كل شيء من الدقيق إلى الزيت، تبرز المشاريع التنموية الضخمة في المخا كشعلة أمل حقيقية لمستقبل أفضل. يتجسد هذا التناقض بوضوح حين نجد أن كيس الدقيق وزن خمسين كيلوغراماً وصل سعره في عدن إلى 65 ألف ريال يمني، بينما يتواصل العمل في المخا على مشروع طريق الشيخ محمد بن زايد الذي يمتد لأكثر من ثمانين كيلومتراً.
تؤكد هذه التطورات المتضادة حقيقة مهمة: أن اليمن يعيش مرحلة انتقالية معقدة، تتداخل فيها التحديات الاقتصادية الطاحنة مع الإنجازات التنموية الطموحة في مناطق أخرى.
في الساحل الغربي، تتسارع وتيرة المشاريع التي تعيد تشكيل المشهد التنموي تحت قيادة الفريق ركن طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية. يبرز من بين هذه المشاريع "الطريق الزراعي" الذي يمتد سبعة وستين كيلومتراً، مقسماً إلى مقطعين ينفذهما كل من شركة عدن للمقاولات والاستشارات الهندسية ومؤسسة الصخرة للمقاولات والتجارة العامة. هذا الطريق الحيوي سيربط المناطق الزراعية النائية بالأسواق الرئيسية، ما يمثل خطوة جوهرية نحو تحسين الأمن الغذائي في المنطقة.
وعلى الصعيد الصحي، يُعد مركز 2 ديسمبر للعلاج الطبيعي والتأهيل إنجازاً طبياً لافتاً، حيث يوصف بأنه الأكبر والأكثر تجهيزاً في اليمن. يأتي هذا في وقت تواجه فيه مناطق أخرى أزمة في أسعار الأدوية، حيث ارتفع سعر عبوة دواء "سيرترالين" من 4500 إلى 4800 ريال يمني في عدن، رغم تحسن سعر صرف الريال السعودي من 750 إلى 425 ريالاً يمنياً.
يكتسب قطاع الكهرباء في المخا أهمية خاصة مع بدء تنفيذ مشروع توسعة محطة الطاقة الشمسية بقدرة ستين ميغاواط. هذا المشروع يمثل نقلة نوعية في حل أزمة الكهرباء المزمنة، ويعكس توجهاً جاداً نحو الاستدامة البيئية والاعتماد على الطاقات المتجددة.
في المقابل، تعصف بالأسواق اليمنية عاصفة من الارتفاعات الجنونية في أسعار السلع الغذائية. فقد قفز سعر كيس السكر خمسين كيلوغراماً في صنعاء من 19 ألف إلى 26 ألف ريال، بزيادة سبعة آلاف ريال دفعة واحدة. ويصل السعر في عدن إلى ما بين 57 و60 ألف ريال للكيس الواحد، ما يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين.
تتضح حدة الأزمة الاقتصادية من خلال ارتفاع أسعار المواد الأساسية الأخرى، إذ وصل سعر كيس الأرز أربعين كيلوغراماً إلى 95 ألف ريال، ودبة الزيت عشرين لتراً إلى 80 ألف ريال في أسواق عدن وتعز. هذه الأرقام تكشف حجم التحدي الذي يواجه المواطن اليمني العادي في تأمين احتياجاته اليومية.
وفي جانب آخر مشرق، تتقدم أعمال تطوير البنية التحتية للمياه في الساحل الغربي، حيث يجري تنفيذ مشروع مياه متكامل في قرية جحزر بعزلة الجمعة في ريف مديرية المخا. هذا المشروع سيحل مشكلة نقص المياه النظيفة التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات.
تشير المصادر التجارية إلى أن أزمة السكر تعود لأسباب متعددة، منها نفاد المخزون وصعوبات الشحن عبر ميناء الحديدة، إضافة إلى تدمير عدة أرصفة في الميناء جراء القصف الإسرائيلي. كما تلعب مشكلة الاحتكار دوراً مهماً، حيث يتحكم خمسة مستوردين في نحو سبعين بالمائة من حجم السوق.
على النقيض من هذه التحديات، تتواصل الجهود الإنسانية في الساحل الغربي، حيث تنظم مخيمات طبية مجانية لخدمة الفئات الأشد حاجة. هذه المبادرات تأتي ضمن رؤية شاملة تربط بين التنمية والعمل الإنساني، وتعكس التزاماً حقيقياً بتحسين أوضاع المواطنين.
يؤكد خبراء اقتصاديون أن هذا التباين بين الأزمة المعيشية والنهضة التنموية يعكس طبيعة المرحلة الانتقالية التي يمر بها اليمن. فبينما تحتاج بعض المناطق لحلول عاجلة لمشاكل الأسعار وضعف القدرة الشرائية، تتقدم مناطق أخرى بثبات نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
تمثل هذه التطورات المتوازية قصة يمنية معقدة، تتداخل فيها معاناة المواطن مع طموحات التنمية، وتشكل في مجملها صورة عن بلد يسعى للنهوض من تحت أنقاض سنوات الحرب، بينما لا يزال يواجه تحديات جمة في طريقه نحو الاستقرار والرخاء المنشود.