كشفت الدراسات الحكومية الحديثة عن واقع مذهل يجسد إحدى أكبر المفارقات الاقتصادية في المنطقة، حيث تمتلك اليمن 27 موقعاً غنياً بالذهب موزعة على ست محافظات، بنسب تصل إلى 18 جراماً من الذهب في الطن الواحد، في الوقت الذي تعاني فيه هذه المناطق من فقر مدقع قد تكون هذه الثروة المدفونة هي المفتاح لحلّه.
تتوزع مواقع الذهب الـ27 في محافظات حجة وحضرموت وصعدة والجوف وأبين وصنعاء، وفقاً لتقرير هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية. وتشير التقديرات الأولية إلى وجود احتياطي يقدر بـ39 مليون طن في منطقة الحارقة بمحافظة حجة وحدها، بمحتوى يتراوح بين جرام واحد و1.65 جرام ذهب لكل طن من الصخور الحاوية.
إن المؤشرات الجيوكيميائية تكشف عن نسب مشجعة للغاية تتراوح بين جرام واحد إلى 18 جراماً من الذهب في الطن الواحد عبر مناطق متعددة. وتشمل هذه المناطق في محافظة حجة: عاهم ووادي حرض وبعلان ووادي شرس ووادي الحريرة، بينما تضم محافظة صعدة مناطق الفيظ ووادي مروان ووادي العرض وحيدان ووادي النشور والمحفر.
تبرز محافظة حضرموت كواحدة من أهم المحافظات الواعدة، حيث قدرت دراسة حديثة أن الاحتياطي في وادي مدن يصل إلى 678 ألف طن بدرجة 15 جراماً من الذهب في كل طن من الصخور الحاوية. وتقع هذه المواقع في صخور الأساس العائدة للعصر البريكامبري ضمن الصخور البركانية والرسوبية المتحولة والصخور الجرانيتية المتداخلة، مما يعطي مؤشرات جيولوجية إيجابية لاستمرار وجود المعدن.
في محافظة الجوف، حددت الدراسات وجود احتياطيات في مناطق صبرين واللوذ ووادي الكحيل وفلحان ووادي عطف رباق ووادي النماصة والمطمه والريان. أما في محافظة أبين فتتركز المواقع في نجد الملاجي وشطبه ومعجب وأم صره، إضافة إلى وجود احتياطيات في مناطق بحره ويام ونقيل غيلان بمحافظة صنعاء.
ووفقاً للدكتور عامر محسن الصبري، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، فإن أهم مواقع تمعدنات الذهب تتركز في صخور الأساس من عصر ما قبل الكامبري التي تشكل جزءاً من صخور الدرع العربي، حيث يعطي الوضع الجيولوجي الإقليمي للدرع العربي النوبي فرصة كبيرة لتواجد رواسب مهمة للذهب في اليمن.
لكن المفارقة المؤلمة تكمن في أن هذه الثروة الهائلة توجد في مناطق يعاني سكانها من فقر شديد، مما دفع السكان المحليين في محافظة حجة للتهافت على حفر مناجم لاستخراج الذهب بشكل عشوائي. ويستخدم هؤلاء السكان مواداً كيميائية خطيرة تضر بالبيئة بشكل كبير، في محاولة يائسة للاستفادة من الثروة المدفونة تحت أقدامهم.
كما اكتُشفت مؤشرات جيدة للذهب في صخور بركانيات العصر الثلاثي المكونة للهضبة الغربية في أربع محافظات إضافية هي ذمار وتعز وعمران وإب، بدرجات تركيز تتراوح بين 0.12 إلى 3.2 جرام ذهب في كل طن من الصخور الحاوية للذهب، مما يوسع الخريطة الجيولوجية للثروة المعدنية اليمنية.
إن اكتشاف مناجم قديمة للذهب في محافظات الجوف وصعدة وشبوة يؤكد وجود تاريخ تعديني عريق في هذه المناطق، ويشير إلى أن الأجداد كانوا يدركون قيمة هذه الأرض قبل قرون. هذا الاكتشاف يعزز الثقة في وجود كميات اقتصادية من المعدن تحتاج فقط إلى دراسات استكشافية تفصيلية واستثمار منظم.
تشير البيانات الصادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية إلى أن هذه الاكتشافات ذات جدوى اقتصادية مشجعة ومحفزة للمستثمرين، خاصة أن مشاريع الاستكشاف المعدني في اليمن لا تزال حديثة العهد وتحتاج إلى استثمارات أجنبية ومحلية جادة لتطويرها بالشكل الأمثل.