تتسارع خطى الانهيار الاقتصادي في اليمن يومًا بعد يوم، حيث سجل الريال اليمني يوم الأربعاء انهيارًا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، متجاوزًا حاجز 2250 ريالاً للدولار الواحد في محلات الصرافة بالعاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة الأخرى.
ويأتي هذا الانحدار وسط تساؤلات متزايدة حول الأسباب الحقيقية لهذا التدهور المتواصل، وفي ظل معاناة اقتصادية مستمرة تضرب البلاد منذ عقد من الزمان.
تحليل الوضع الاقتصادي الحالي:
كشفت مصادر مصرفية أن سعر صرف الدولار الأمريكي وصل إلى مستويات قياسية بلغت 2502 ريال في محلات الصرافة، بفارق 22 ريالاً عن سعر الشراء.
أما الريال السعودي، الذي يعتبر العملة الأجنبية الأكثر انتشارًا في السوق اليمنية، فقد وصل سعر بيعه إلى 656 ريالاً، بينما بلغ سعر شرائه 652 ريالاً.
وجاء هذا الانهيار المتسارع عقب إعلان البنك المركزي اليمني في عدن عن طرح مزاد إلكتروني بسعر صرف بلغ 2409 ريال للدولار الواحد.
والمثير للقلق في هذا المشهد الاقتصادي المتدهور هو التناقض الصارخ بين آليات السوق المفترضة وما يحدث على أرض الواقع.
فبحسب المتخصصين، فإن تحركات سعر الصرف في اليمن باتت تجري خارج إطار سياسة السوق وآليات العرض والطلب التقليدية.
هذه المفارقة تشير إلى وجود عوامل أخرى، غير اقتصادية بالضرورة، تُحرك سوق العملات وتدفع بالريال نحو مزيد من الانهيار.
تفسير الخبير الاقتصادي وفيق صالح:
في ضوء هذا التدهور المتسارع، أشار الصحفي اليمني المتخصص في الشؤون الاقتصادية، وفيق صالح، إلى وجود خلل جوهري في السياسات النقدية للحكومة الشرعية، محملاً السلطات النقدية المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
وتساءل صالح بنبرة مليئة بالاستغراب عبر منصة إكس قائلاً: "بعد كل مزاد هبوط جديد في قيمة العملة المحلية... إلى متى هذه المقامرة والإصرار على الفشل من قبل السلطات النقدية؟".
وفي تحليل عميق للأزمة، ذكّر المختص الاقتصادي"وفيق صالح" بالدور المفترض للبنك المركزي في تحقيق الاستقرار النقدي، مؤكدًا أن البنوك المركزية حول العالم تعطي الأولوية لاستقرار الأسعار ومكافحة التضخم.
لكنه استدرك قائلاً إن واقع الحال في اليمن يشير إلى أن معاناة المواطن تقف وراءها سياسات فاشلة ومتعمدة من قبل الجهات المعنية.
وفي تصريح لافت للنظر، أكد صالح أن تراجع قيمة الريال اليمني أصبح أداة في يد البعض لتعميق معاناة الشعب اليمني وتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.
تأثيرات التراجع على المواطنين:
يواجه المواطنون اليمنيون تداعيات مباشرة وقاسية جراء هذا الانهيار المتواصل للعملة المحلية.
فمع كل انخفاض في قيمة الريال، ترتفع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل فوري، مما يفاقم من حدة الأزمة المعيشية التي يعاني منها السكان.
هذا الارتفاع المتسارع في الأسعار يأتي في ظل انعدام الأمن الغذائي الذي يضرب البلاد بشدة، ونقص في فرص الدخل والعمل، خاصة مع استمرار الحرب التي دخلت عامها العاشر.
وتتزايد المخاوف يومًا بعد يوم من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعيش غالبية السكان تحت خط الفقر ويعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية.
ومع استمرار تدهور قيمة العملة، تتآكل القدرة الشرائية للمواطنين بشكل متسارع، مما يجعل الحصول على الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء تحديًا يوميًا.
حيث يهدد هذا الوضع المأساوي بدفع المزيد من اليمنيين نحو حافة المجاعة، خصوصًا في ظل محدودية الموارد وضعف الاستجابة الإنسانية الدولية.
ويبدو أن الحل لهذه الأزمة المتفاقمة يتطلب إعادة نظر جذرية في السياسات النقدية المتبعة، والعمل على إيجاد آليات فعالة لضبط سوق الصرف بعيدًا عن المصالح الشخصية والمكاسب الفردية.
كما أن استمرار الانهيار الاقتصادي يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلًا لوقف نزيف الاقتصاد اليمني، ودعم الجهود الرامية إلى تخفيف المعاناة الإنسانية المتزايدة في بلد مزقته الحرب وأنهكته الأزمات المتلاحقة.