أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على بنك اليمن الدولي وقياداته الثلاثة البارزة. يأتي هذا القرار كحلقة جديدة في مساعي واشنطن لتجفيف منابع التمويل التي تغذي هجمات الحوثيين المتكررة على الملاحة في البحر الأحمر، وفق ما صرحت به المصادر الرسمية الأمريكية. تمثل هذه العقوبات تحركاً استراتيجياً يستهدف النفوذ المالي للمليشيات، ويشكل دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في مساعيها لاستعادة السيطرة على القطاع المصرفي.
خلفية العقوبات
بدأت قصة بنك اليمن الدولي مع العقوبات الأمريكية بعد رصد واشنطن لأنشطة مالية مشبوهة ترتبط بدعم مليشيات الحوثي المدعومة من إيران. وفقاً للتقارير الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، فإن الفرع الرئيسي للبنك الواقع في صنعاء يخضع لسيطرة الحوثيين، مما يتيح للمليشيات استغلال شبكة جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT) التابعة للبنك لإجراء معاملات مالية دولية. وتشير مصادر مصرفية إلى أن البنك، الذي يعد أكبر بنك أهلي يمني بـ23 فرعاً، يعاني منذ أكثر من عام من أزمة إفلاس وعجز عن الوفاء بالتزاماته تجاه المنظمات والمودعين بسبب تدخل الحوثيين والسيطرة على عملياته. هذا البنك، الذي يلقب بـ"مصيدة المساعدات الدولية لليمن"، هو ثاني مؤسسة مصرفية يمنية تدرج في قائمة العقوبات الأمريكية بعد بنك الكويت للتجارة والاستثمار الذي أدرج في يناير 2025، ما يعكس نهجاً متصاعداً في استهداف الموارد المالية للحوثيين.
تفاصيل العقوبات الأمريكية
تضمنت العقوبات التي أقرتها واشنطن إدراج ثلاثة من كبار المسؤولين في بنك اليمن الدولي إلى جانب البنك نفسه. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن الأشخاص المستهدفين هم كمال حسين الجبري رئيس مجلس الإدارة، وأحمد ثابت نعمان العبسي المدير العام التنفيذي، وعبد القادر علي بازرعة نائب المدير العام للبنك. وأشارت المصادر الرسمية إلى أن هؤلاء الأفراد يتحملون مسؤولية مباشرة عن تسهيل الأنشطة المالية المشبوهة التي ساعدت مليشيات الحوثي. وتستند العقوبات إلى الأمر التنفيذي رقم 13224 المعدل، الذي يستهدف الأفراد والكيانات التي تقدم دعماً مادياً أو تكنولوجياً أو مالياً للجماعات المصنفة إرهابية. ومن أبرز الاتهامات الموجهة للبنك مساعدة شركات ومسؤولين مرتبطين بالحوثيين على شراء النفط عبر شبكة SWIFT، وتسهيل محاولاتهم للتهرب من الرقابة المفروضة بموجب العقوبات الدولية، فضلاً عن رفض الامتثال لطلبات المعلومات المقدمة من البنك المركزي اليمني في عدن لإخفاء عمليات مصادرة أصول معارضي الجماعة الحوثية.
تأثير العقوبات على النظام المصرفي اليمني
تحمل العقوبات الأمريكية تداعيات عميقة على النظام المصرفي اليمني الذي يعاني أصلاً من انقسامات حادة بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية وتلك التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي. ومقتضى هذه العقوبات تجميد جميع ممتلكات ومصالح الأشخاص والكيانات المدرجة، الموجودة في الولايات المتحدة أو في حيازة أو تحت سيطرة أشخاص أمريكيين. وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد إلى أن تصنيف بنك اليمن الدولي ضمن العقوبات الأمريكية سيضعف قدرته على إجراء تحويلات مالية دولية، مما قد يعمق أزمته المالية ويزيد من مخاطر الإفلاس التام. وتبرز أهمية هذه الخطوة في كونها تدعم مساعي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لاستعادة السيادة على النظام المصرفي من خلال إجبار البنوك على الانتقال من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن. وتحذر مصادر اقتصادية من أن انتهاكات هذه العقوبات قد تؤدي إلى فرض عقوبات مدنية أو جنائية على الأشخاص والكيانات المتورطة، مما يضع ضغوطاً إضافية على القطاع المصرفي اليمني المتهالك.
تمثل العقوبات الأمريكية على بنك اليمن الدولي جزءاً من استراتيجية أشمل تستهدف تقويض القدرات المالية لمليشيات الحوثي وإضعاف قدرتها على شن هجمات في البحر الأحمر. وبينما قد تؤدي هذه الخطوة إلى تعقيد الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإنها تمنح الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً فرصة لتعزيز سيطرتها على القطاع المصرفي وتوحيد عملياته تحت مظلة البنك المركزي في عدن. تبقى الأسئلة قائمة حول قدرة هذه العقوبات على تحقيق أهدافها بالكامل في ظل تعقيدات المشهد اليمني وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، ومدى تأثيرها على معاناة المدنيين الذين يواجهون بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم.