في مشهد متكرر لكنه دائماً ما يحمل مفاجآت مؤلمة، تستيقظ العاصمة صنعاء اليوم على واقع جديد فرضته زخات المطر المتواصلة والتي تحولت سريعاً إلى سيول جارفة تملأ الشوارع والطرقات.
ووفقاً لشهود عيان، فقد غمرت المياه أحياء كاملة في العاصمة مع ساعات المساء، بينما تحولت السايلة، ذلك المجرى المائي الذي يتوسط المدينة، إلى نهر هادر حمل معه كل ما اعترض طريقه.
وأوضحت مصادر محلية أن الأمطار الغزيرة التي بدأت في الهطول منذ ساعات الظهيرة بصنعاء فاجأت الكثيرين من سكان العاصمة الذين لم يستعدوا بشكل كافٍ رغم التحذيرات المسبقة، وهو ما فاقم من حجم المعاناة، خاصة في الأحياء الطرفية والعشوائية التي تفتقر للبنية التحتية المناسبة لتصريف مياه الأمطار.
بالتوازي، لم تكن صنعاء وحدها من عانى من جراء هذه الموجة المطرية القوية، فقد امتد تأثير الأمطار ليشمل محافظات أخرى في أنحاء متفرقة من اليمن. وأفادت تقارير إعلامية محلية أن محافظات تعز وإب وذمار والبيضاء شهدت أمس الخميس هطولاً للأمطار بكثافة غير معهودة، مما أدى إلى جريان السيول بشكل واسع في الشعاب والوديان.
كما امتدت الأمطار لتشمل مناطق في ريمة والمحويت وحجة وصعدة وعمران، إضافة إلى أجزاء من الجوف ومأرب وشبوة والضالع.
وبحسب شهود عيان، فقد تسببت هذه السيول في قطع الطرق بين المدن الرئيسية وعزلت قرى بأكملها في المناطق الجبلية، مما فاقم من معاناة السكان المحليين الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة بفعل استمرار الصراع في البلاد.
تحذيرات السلطات والإجراءات الوقائية:
مع تصاعد حدة الأمطار، بدأت الأجهزة المعنية في أمانة العاصمة صنعاء بإطلاق سلسلة من التحذيرات الطارئة للمواطنين. وأشارت المصادر الرسمية إلى أن سلطات الأمانة الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي وجهت نداءً عاجلاً للمواطنين القاطنين على امتداد السائلة بضرورة توخي الحذر الشديد والابتعاد فوراً عن ممرات ومصبات المياه، محذرة من أن السيول الجارفة قد تتسبب في كوارث لا تُحمد عقباها.
وفي نفس السياق، أكد المركز الوطني للأرصاد الجوية اليمنية في نشرته التحذيرية ضرورة اتخاذ الحيطة الكاملة من مخاطر تدفق السيول، مشدداً على أهمية الاحتماء من العواصف الرعدية التي تصاحب هذه الأمطار. كما نبه المركز من خطر الانهيارات الصخرية في الطرقات الجبلية، وهي ظاهرة متكررة في مثل هذه الظروف الجوية المضطربة.
وبالرغم من أن التحذيرات تتوالى، إلا أن الإمكانيات المتاحة للتعامل مع هذه الكوارث الطبيعية تبدو محدودة للغاية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن. وذكرت مصادر مطلعة أن الجهات المختصة بالدفاع المدني تعاني من نقص حاد في المعدات والآليات اللازمة للاستجابة السريعة في حالات الطوارئ المرتبطة بالكوارث الطبيعية.
وتشير المعلومات المتداولة إلى أن بعض المناطق السكنية في محيط صنعاء وغيرها من المدن اليمنية باتت معرضة لمخاطر حقيقية جراء غياب البنية التحتية المناسبة لتصريف مياه الأمطار والسيول. وهذا ما يفسر دعوة السلطات المتكررة للمواطنين للاعتماد على أنفسهم في اتخاذ الإجراءات الوقائية وتجنب المناطق المنخفضة والأودية والشعاب التي قد تتحول في أي لحظة إلى مجاري للسيول الجارفة.
التوقعات الجوية والمناطق المعرضة للخطر
في خضم هذه الظروف المناخية الاستثنائية، يواصل المركز الوطني للأرصاد الجوية اليمنية إصدار نشراته التحذيرية التي ترسم صورة قاتمة للأيام القادمة. وتشير التوقعات الرسمية الصادرة عن المركز إلى استمرار هطول المزيد من الأمطار متفاوتة الشدة والمصحوبة بالعواصف الرعدية خلال الـ24 ساعة المقبلة على نطاق واسع من أراضي الجمهورية.
وحسب النشرة التفصيلية، فإن موجة الأمطار الحالية ستشمل أجزاء كبيرة من المحافظات الجبلية، بدءاً من لحج وتعز في الجنوب وصولاً إلى صعدة في الشمال. كما توقع المركز امتداد التأثيرات شرقاً لتغطي مساحات من الصحاري والهضاب الداخلية في محافظات استراتيجية مثل الجوف ومأرب والبيضاء، بالإضافة إلى شبوة وحضرموت، وهي مناطق غالباً ما تتأثر بشكل كبير بالسيول نظراً لطبيعتها الجغرافية.
علاوة على ذلك، تحدثت النشرة التحذيرية بتفصيل عن شمول الموجة المطرية للمناطق الساحلية على امتداد البحر الأحمر وخليج عدن. وفي هذا الصدد، أوضح خبراء الأرصاد أن سواحل محافظات حجة والحديدة وتعز ولحج، مروراً بعدن وأبين والمناطق الداخلية المحاذية لها، ستشهد جميعها هطولاً للأمطار بكميات متفاوتة.
ويُثير هذا التوسع في رقعة الأمطار مخاوف جدية لدى السكان، خاصة في المناطق الساحلية المنخفضة التي تفتقر لشبكات تصريف فعالة. وتؤكد التقارير الميدانية أن الكثير من المناطق التي شهدت أمس الخميس أمطاراً غزيرة مثل صنعاء وتعز وإب وذمار والبيضاء وغيرها، لا تزال تعاني من آثار السيول التي تدفقت في الشعب والوديان، مما يعني أن أي هطول إضافي سيضاعف من حجم الكارثة ويزيد من صعوبة التعامل معها في ظل الإمكانيات المحدودة.