تكشف وثائق رسمية مسربة عن قرارات جديدة صادرة من مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية باعتماد رواتب إضافية بالدولار الأمريكي لعناصر محددة، في وقت يعاني فيه اليمن من أزمة اقتصادية خانقة.
هذه المستجدات التي وثقها الناشط عبدالقادر الخراز تثير تساؤلات حول آليات إدارة المال العام وعدالة توزيع الموارد المالية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، خاصة مع استمرار انقسام مؤسسات الدولة وتدهور قيمة العملة المحلية.
كشف تشكيلات الإعاشة الجديدة في اليمن
في تطور لافت للنظام المالي للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، كشفت وثيقة رسمية صادرة من مكتب رئاسة الجمهورية وموجهة إلى وزير المالية سالم صالح بن بريك تفاصيل مثيرة حول إجراءات ضم أسماء جديدة لقوائم مستفيدين من "الإعاشة الشهرية" المدفوعة بالعملات الأجنبية.
وبحسب ما أوردته الوثيقة التي عرضها الناشط عبدالقادر الخراز، فإن توجيهات رئاسية صدرت باعتماد رواتب إضافية بالدولار الأمريكي والريال السعودي لمجموعة من الأشخاص المقربين من دوائر صنع القرار، معظمهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين، على أن يبدأ الصرف اعتباراً من مايو 2021.
يذكر أن هذه المخصصات المالية الاستثنائية تُضاف إلى الرواتب الأساسية التي يتقاضاها المستفيدون بالعملة اليمنية، مما يشكل ازدواجية في الاستحقاقات المالية لفئة محددة من المسؤولين والموظفين.
وأوضح الخراز في منشوره تفاصيل أخرى عن التفاوت الكبير في قيم هذه المخصصات، حيث تتراوح مبالغ "الإعاشة" الدولارية بين 3000-6000 دولار شهرياً للشخص الواحد، وهي مبالغ ضخمة مقارنة بمتوسط الدخل في اليمن.
الأكثر إثارة للجدل أن بعض المستفيدين، وفقاً للناشط، يحصلون على أكثر من "إعاشة" دولارية واحدة، بالإضافة إلى مخصصات "اللجان الخاصة" ورواتب اللجوء، مما يعني تعدد مصادر الدخل بالعملة الصعبة لهذه الفئة المحظوظة.
هذا النظام المالي المتعدد الطبقات خلق ما وصفه الخراز بـ"مفاضلة" بين العناصر المحسوبة على الشرعية، حيث يتم تصنيفهم وفقاً لمعايير القرابة العائلية أو الانتماء الجغرافي أو الولاء الحزبي، مما يكرس نظاماً طبقياً داخل مؤسسات الدولة الرسمية.
تحليل الفساد المالي والإداري ضمن الشرعية
تؤشر هذه الممارسات المالية إلى استشراء الفساد المالي والإداري داخل مؤسسات الشرعية اليمنية، وتكشف عن نظام محسوبية عميق يحكم توزيع الموارد المالية المحدودة. وفي هذا السياق، يمكن القول إن المشكلة لا تكمن فقط في منح مخصصات مالية استثنائية بالعملة الصعبة، بل في غياب المعايير الموضوعية والشفافة التي تحكم هذا التوزيع.
فالوثيقة المسربة تشير إلى أن الانتماء السياسي والولاء الشخصي يلعبان دوراً محورياً في تحديد المستفيدين من هذه الامتيازات، وهو ما يتعارض مع مبادئ الحوكمة الرشيدة وإدارة المال العام. وما يزيد الأمر خطورة أن هذه الممارسات تجري في ظل أزمة اقتصادية وإنسانية طاحنة يعاني منها ملايين اليمنيين، مع انهيار للعملة المحلية وتعطل لمؤسسات الدولة ودفع رواتب الموظفين العموميين.
وترصد تحليلات الخبراء الاقتصاديين أبعاد هذه المشكلة في سياق أوسع، إذ تشير إلى أن ازدواجية نظام الرواتب والمخصصات المالية تساهم في استنزاف الموارد المالية للدولة وزيادة الضغط على الاحتياطي النقدي، وهو ما ينعكس سلباً على قيمة العملة المحلية.
كما أن هذا النظام غير العادل يخلق طبقية مالية حادة داخل الجهاز الإداري للدولة، حيث تتمتع فئة محدودة بامتيازات مالية هائلة في حين يعاني غالبية الموظفين من تأخر صرف الرواتب أو انقطاعها بالكامل. ويرى الناشط عبدالقادر الخراز أن جوهر المشكلة يتمثل في غياب المساءلة والمحاسبة، مشيراً إلى أن التغييرات الوزارية والحكومية المتتالية لم تؤد إلى معالجة جذر المشكلة المتمثل في الفساد المالي والإداري المستشري.
التداعيات وردود الفعل الشعبية
أثار الكشف عن هذا النظام المالي المثير للجدل موجة من ردود الفعل الشعبية الغاضبة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر كثيرون عن استيائهم من تفاوت المعاملة المالية بين فئات المجتمع والمسؤولين. وقد تجلت هذه الردود في التعليقات الساخطة على منشور الناشط عبدالقادر الخراز، الذي سخر من الوضع بإعلان "تضامنه" مع من يستلمون مرتباً دولارياً واحداً فقط ضد من يحظون بمرتبات دولارية متعددة.
هذا السخط الشعبي يعكس حجم الفجوة بين النخبة السياسية والإدارية من جهة، وعامة المواطنين الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية من جهة أخرى. ويخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الممارسات إلى تآكل الثقة بمؤسسات الدولة الرسمية وقيادتها، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
وعلى الصعيد السياسي، تشير هذه الممارسات إلى تحديات عميقة تواجه عملية بناء الدولة ومؤسساتها في اليمن، إذ يصعب الحديث عن استقرار سياسي أو اقتصادي في ظل غياب الشفافية والعدالة في توزيع الموارد.
ويرى محللون أن استمرار هذه السياسات المالية يقوض جهود الإصلاح المؤسسي ويعزز حالة الانقسام داخل المجتمع.
ومع تزايد الضغوط المعيشية وتدهور الوضع الإنساني في البلاد، تتصاعد المطالبات الشعبية بمزيد من الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام، وهو ما لخصه الناشط الخراز في عبارته الأخيرة حين قال: "أما التغيير للحكومة ووزرائها فهذه سنة الحياة التغيير، لكن المهم المحاسبة". هذه العبارة تلخص مطلباً شعبياً باتخاذ خطوات جادة لمكافحة الفساد وإصلاح النظام المالي للدولة، بدلاً من الاكتفاء بتغييرات شكلية في هياكل السلطة.
تكشف قضية المرتبات الدولارية الجديدة للعناصر اليمنية عن معضلة حقيقية في إدارة الموارد المالية للدولة وتوزيعها بشكل عادل، وتضع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أمام تحدٍ كبير يتمثل في ضرورة تبني إصلاحات جذرية تعزز الشفافية والمساءلة وتضمن العدالة في توزيع الموارد.
وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها اليمن، تبرز الحاجة الملحة إلى وضع معايير واضحة ومنضبطة للمخصصات المالية وربطها بالأداء والإنتاجية بدلاً من الولاءات الشخصية والسياسية، بما يعزز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة ويساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود.