الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً

الأوضاع المتردية في العالم الإسلامي أسبابها وعلاجها

د.عبد الوهاب الديلمي
الاثنين ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ٠١:٣٠ مساءً
لقد تردّت الأوضاع في كثير من بقاع الأرض، حيث أصبح الدم المسلم ينزف، واحتدمت الصراعات على مستويات مختلفة، وبأسباب متعددة، منها ما هي بين المسلمين أنفسهم، ومنها ما هي بين المسلمين وغير المسلمين.

فمن الأسباب التي أدّت إلى إشعال الفتن والحروب بين المسلمين: فشوّ الجهل، والفقر، والاستبداد، والظلم، والعصبية المذهبية، والطائفية، والسلالية... ومحاولة تصدير الثورات والمذاهب، والرغبة في السيطرة على الآخرين، أو على ثرواتهم وخيراتهم.
* ومعالجة هذه الظواهر يتم بالطرق الآتية:
أمَّا ظاهرة الجهل فيتم معالجتها عن طريق: نشر العلم والوعي والثقافة والمعرفة، لطمس ظلمات الجهل، وبيان حقوق الإنسان التي يحرم المساس بها، وبخاصة المسلم، وكذا حقوق الحيوان، مع الاهتمام الكبير بالإكثار من دور العلم: كالمدارس، والمعاهد، والجامعات، ومراكز البحث العلمي، والإلزام التعليمي، مع ما يصاحب ذلك من توفير الدعاة والوعاظ، والقائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحسبة، وكذا الدورات العلمية، والإكثار من مدارس محو الأمية، مع الاهتمام بغرس الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.

* وأما معالجة الفقر فعن طريق تشغيل الأيدي العاملة، والتقليص قدر الإمكان من البطالة المتفشية، والتوزيع العادل للثروات، وإحياء روح التكافل الاجتماعي، وتشجيع الصناعة، والزراعة، والتجارة، والحِرَف، وتوفير المعاهد الفنية والمهنيّة، وإكرام المبدعين في جانب الاختراع والابتكار، وتأهيل أصحاب المواهب والذكاء عن طريق المعاهد النموذجية، ومساعدتهم بتوفير كل ما يحتاجون إليه لتفجير طاقاتهم، وحُسن استغلالها.

* وأمَّا ممارسة الاستبداد والظلم، وكذا ظاهرة العصبيات بجميع أنواعها، فإنَّ انتشار الوعي، وتقلّص ظاهرة الجهل كفيلتان بمقاومة ورفض كل نوع من أنواع الاستبداد والظلم، وتحصين الإنسان من أمراض العصبيات.

* وأما ظاهرة حب التسلط على الآخرين، والسيطرة على ديارهم، أو مصادرة ثرواتهم، فيتم مواجهة ذلك بالحفاظ على سيادة البلاد، وحقها في الدفاع عن نفسها، والعمل على وحدة أبناء الأمة في كل بلد، وتكاتف الدولة والشعب في صدّ أيّ عدوان، مع العمل على إثارة مثل هذه القضايا على المستوى الدولي، والدعوة إلى احترام حقوق الإنسان، وحقوق الشعوب في سيادتها، ومناشدة المنظمات الإنسانية لتقوم بواجبها.

* والواجب على كل من يدعي الإسلام –في ظل هذه الأحداث- أن يكون مثالاً في سلوكه وتعامله مع الآخرين، في إبراز محاسن الإسلام المشرقة، والمتسامية في الحب، والإخاء، والرحمة، والدعوة إلى التعاون على كل بر وخير، وإشاعة السلام والأمن، واحترام الحقوق، وكفّ الأذى، ومحاربة كل صورة من صور الظلم، وأن يكون شديد الإنكار على أيّ سلوك فيه غلوّ وتطرف، أو عنف وإرهاب، وأن يقوم بالبيان للناس، بأن ذلك لا يمت إلى الإسلام بأيّ صلة، وأنَّ من يمارس ذلك باسم الإسلام فإنما يشوه حقيقة الإسلام، ويلصق به أموراً هو منها براء، والإسلام وأهله بريئون من كل ذلك.

* وجوب العمل على تقريب وجهات النظر بين الجهات المتصارعة، بحيث تقبل كل جهة بالأخرى، وأن الإسلام الواسع الرحب يسع الجميع، وأن الخلاف سنة إلهية بين البشر، ويستحيل على أي فئة أن تصوغ الناس كلهم في قالب واحد، في تفكيرهم وقناعاتهم وأهدافهم وأولوياتهم، وأن الطريق المثلى –عند الخلاف- هو التحاور بأسلوب المنصف والباحث عن الحق، دون تطاول ولا تجاوز لحدود أدب الحوار، وبالطرق التي لا تحدث ضغينة ولا حقداً ولا تنافراً، بل تظل روح الأخوة والمحبة هي السائدة في النفوس، سواء اتفق الناس على أمور مختلف فيها، أو لم يتفقوا، ومع بيان أن جسور المحبة والتعاون والتآلف، والتعايش السلمي بين بني الإنسانية كلهم كثيرة، وأن الحياة لا يمكن أن تستقيم دون إقامة دعائم الحق والعدل، وأن مَن كان يريد الوصول إلى أهدافه عن طريق سفك الدماء، واستحلال المحرمات إنما يشعل نار الفتنة، ويؤجج الصراع، وينشر العداوات، والله عز وجل أراد من الأنبياء جميعهم، بل من أبناء البشر كلهم القيام بالقسط حتى تستقيم الحياة لكل من يعيش على ظهر هذه الأرض، وفي ذلك يقول الله عز جل:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
[الحديد:25].
ففي هذه الآية بيان الغاية من إرسال الرسل بالبينات، وإنزال الكتب والميزان هي: أن يقوم الناس كل الناس بالقسط: أي العدل، فإن الظلم قبيح لا يقره الله عز وجل، ولا يريده لأحد من عباده، ولأن استقامة حياة البشر متوقفة على إقامة الحق والعدل، وقد قرن الله عز وجل ذكر الحديد في هذه الآية بالقسط، وأخبر بأن فيه بأساً شديداً للإشارة إلى أنَّ من أبى أن يقيم القسط استجابة لما يريده الله عز وجل منه، فإنه يُقوَّم بقوة الحديد الذي فيه بأس شديد، وإن قام الناس جميعاً بالقسط، فإن من تمام استقامة حياتهم الاستفادة من الحديد في حالة السلم في منافع كثيرة، ومنها الإعداد منه بما يحتاجون إليه في حالة الحرب عند ظهور من يعتدي على حياتهم، وهذا من أهم الأسباب لكمال الحياة الهنيئة المستقرة.

ويلاحظ في السنة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يروي حديثاً يؤكد معنى الآية، وهو من الأحاديث القدسية، الذي جاء فيه قول الحق سبحانه وتعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا...»، فلم يكن الخطاب فيه بصفة المؤمنين، أو المسلمين، وإنما بوصف "العباد" ليشمل كل العباد.

* ومن أجل أن تتواصل جهود كل المعنيين بأحوال الأمة، فإنه لا ينبغي إهمال أي هيئة، أو رابطة، أو منظمة من التواصل معها، وتحميلها مسؤولية المشاركة في السعي لإخماد نار الفتنة، فقد تكون بعض هذه الجهات ذات ارتباطٍ مّا بِبُؤَر الصراع، وقد تكون لبعضها قدرة على التأثير على بعض المتصارعين، إلى جانب أن تكاتف الجهود يكوّن جبهة قويّة يصبح لها تأثير كثير، خصوصاً إذا توحّدت الرؤية والأهداف، مع الاختلاف في المشارب.

* هناك مقترح برَصْد جائزة سلام، تعطى لمن يستحقها ممن له جهود بارزة في مجال نشر السلام وإحيائه، وإرساء قواعده بين المتصارعين، أو لمن يبادر بالاستجابة للمطالب التي تتقدم بها اللجنة، على أن يتم دراسة موضوع الجهة التي تتحمل تكاليف هذه الجائزة.
* من الضرورة بمكان صياغة: "ميثاق شرف" يشتمل على القواعد التي يسير على أساسها أبناء البشر، ويضمن للناس حقوقهم الفردية والجماعية، للمسلم وغير المسلم، ويحول دون صدور أيّ اعتداء من أي طرف على طرف آخر، بحيث يضبط سير الحياة، والعلاقات الإنسانية، على أن يكون قائماً على الحق والعدل، غير متحيّز لأيّ طرف على حساب طرف آخر، على أن يبرز القواسم المشتركة التي يُستند إليها في التعايش السلمي بين الأمم كلها.

* وضع الضوابط الكفيلة بالتداول السلمي للسلطة، والتي تمنع استخدام أي وسيلة غير مشروعة لمصادرة حق الشعوب في اختيار حكامها، سواء في ذلك وسائل القوة والعنف، أو وسائل التزوير وشراء الضمائر، أو التضليل الإعلامي، أو سُوء استخدام السلطة أو غير ذلك.

* التوعية بمكانة الدم المعصوم للمسلم وغير المسلم، من كل مسالم، أو معاهد، أو مستأمن... والوعيد الشديد لمن يقدم على استباحته بغير حق.

* ينبغي الاهتمام البالغ، والعناية الفائقة بالشباب: تربية، واحتضاناً، وتعليماً، وتنشئة، والتوجّه إلى مَلْء فراغهم بكل نافع لهم ولأمتهم، مع إيجاد المحاضن التي تُحسن توجيههم بالطرق التي تؤدي إلى بناء الشخصية المسلمة المتوازنة، التي لا إفراط فيها ولا تفريط، مع الدخول في حوار جادّ مع الشباب الذي سقطوا في شراك الغلو، المتمثل في: التكفير والتفسيق والتبديع لغيرهم، أو العنف في التعامل مع غيرهم، أو تجاوز ذلك إلى الإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء أبناؤنا، وأن مسئولية الأخذ على أيديهم، وحسن التعامل معهم، وتبصيرهم بمواطن الصواب والخطأ، إنما هي مسئولية العلماء، على أن يعالج إرهاب الأفراد، والجماعات، والدول، ومع التفريق بين الدفاع المشروع والعدوان الممنوع، الذي لا مسوّغ له سوى طلب العلوّ والفساد في الأرض، ومع تجريم كل عدوان على أيّ فرد أو جماعة أو دولة بدون حق، وإدانته، والوقوف في وجهه.

ومن الأولويات التي يجب مراعاتها، رفع الظلم والعسف عن الشعوب التي تئن تحت مطارق الظلم والعدوان في: غزة، وسوريا، ومصر، والعراق، ... وأشباهها، وإعطاء الشعوب حقها في تقرير مصيرها.