كرم الله عز وجل البشر عن سائر مخلوقاته بالعقل , فالإنسان بدون عقل أشبه ببهيمة هائجة ليس لها من هم سوى إشباع رغباتها, دون مراعاة لحرمة أو عيب, طالما استطاعت الوصول إلى ما تريد, ولا عجب في ذلك ,, ولكن العجب كل العجب أن يغفل البشر هذه المنحة الربانية في تناسي مريب لدورها في إدارة شئون حياتهم سلباً أو إيجاباً, مجاهرين بتصرفات وحشية لا تعرف إلا منطق واحد هو ( أنا ) وفقط, فطالما شبعت أنا فلا ضير من أن يموت الآخرين جوعاً, وإن أمنت أنا فلا قلق من أن تتقلب عيون الناس خوفاً وهلعاً, منطق يبيح القتل في أبشع صوره في سبيل بقاء الـ ( أنا ) و يستمرء التعذيب لراحتها, ولقد شبه الله عزوجل هذا الصنف من البشر بالإنعام , وأضاف بل أضل سبيلا. (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ..) الآية.

وإلا بالله عليكم اخبروني: هل من العقل أن يرحل 25مليون إنسان في سبيل استقرار فرد واحد؟

وهل من العقل كذلك أن يعاقب نفس الكم الهائل من البشر لأنهم طالبوا بجزء من حقهم؟

أن تحلق الطائرات, وتعسكر المعسكرات, وتتحرك الدبابات, في سبيل الحفاظ على الفتات, قولوا لي بالله عليكم, ما داعي ما نعيشه اليوم من بؤس وشتات وفقر بل وقتل؟

هل سنقدم من خلال هذه المعاناة خدمة للبشرية؟

أم أننا سنضيف إلى عقول العالمين شيئاً جديداً لم يعرفونه من قبل؟

كلا والله, نحن اليوم في سجال رهيب مع بهيمية الحكام, وفي معركة ضروس مع ما تشربته عقولهم من سلوك وحشي خدم ملذاتهم وأطماعهم لردح من الزمن , نحن في ملحمة بطولية نستعيد فيها كرامة عقولنا التي لا تعرف إلا الحرية -وإن غابت عنها لمدة – ونعيد فيها العقل للحكام عسى أن يدركوا بأن الشعوب اليوم لا تطلب أكثر من حقها, لا تطلب منهم سوى أن يحكموا عقولهم التي غابت عنهم منذ زمن, أن يدركوا حجم المعاناة التي تكبدتها تلكم الشعوب العظيمة بداعي العقل منها.

وسنحتكم جميعاً لهذه المنحة الربانية التي أكرمنا بها الله,,, لينال كل منا حقه وفقاً لمقتضاها,, شكراً وعرفانا بها ..