الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢١ صباحاً

عذراً ... رمضان

أنور الداعي
الأحد ، ٠٦ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
معذرة رمضان لقد أتيتنا ونحن مشغولين بمتابعة مباريات كأس العالم الذي تم الاستعداد له من قبل أن يأتي بشهر ، لقد تم شراء الكروت للقنوات المشفرة وشراء البي إن بمبالغ طائلة كل هذا من أجل متابعة مباريات كرة قدم لا تقدم للأمة شيء سوء تضييع وهدر وقت شبابها بلا فائدة .
رمضان كنت تأتي قوما أعدوا العدة لاستقبالك، وفهموا سرك، وعرفوا مغزاك، فهم ينتظرونك ويترقبونك، ويتهيأون لك بالصلاة والصيام والتهيئة العبادية، كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يدركوا فضيلتك، ثم يدعونه باقي العام أن يتقبل، كانوا يقولون: اللهم سلمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا.

معذرة رمضـان
كنت تطل على قوم أسهر لك ليلهم، وأظمأوا نهارهم، وأدركوا أنك موسم لا يعوض فبذلوا الغالي والنفيس.
سمعوا قول الله: أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ فأرادوا ألا تضيع منهم.
كنت تنظر إليهم، وهم بين باك غلبته عبرته، وقائم غفل عن دنياه، وساجد ترك الدنيا وراء ظهره، وداع علق كل أمله في الله.
هذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يؤتى له بإفطاره وقد كان صائما وفيه نوعان من الطعام، فيبكي! فيسأله أهله: ما يبكيــك؟ فيقول: تذكرت مصعب بن عمير مات يوم مات ولم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا رأسه بدت قدماه، وإذا غطينا قدميه بدا رأسه، ونحن اليوم نأكل من هذه الأنواع، وأخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا في الحياة الدنيا ، كما رمينا من الأطعمة والأشربة وإخواناً لنا في سوريا وفلسطين والصومال يتمنوا أن يحصلوا على بقايا ما نرميه إلى القمامة !!!

رمضان لقد كنت تفد إلى قوم تآخوا على غير أرحام بينهم، عرفوا قيمة الإخاء فلزموه، وفهموا قدره فقاموا بحقوقه وواجباته، وعرفوا قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم)) فكانوا بحق إخوة وأحبابا.كانوا جسدا واحدا، يرحم الكبير الصغير، ويحترم الصغير الكبير، يعيشون بالود، ويتعاملون بالحب، حياتهم صفاء، وعيشهم وفاق، لا تباغض، ولا تحاسد، ولا حقد.يألم أحدهم لألم أخيه، ويأسى لأساه، يقضي حوائجه، ويسد خلته ، ويتلمس مصالح ليقضيها.

واليوم يا رمضان ... هل تفد إلا على قوم استبدلوا العداوة بالإخاء، والخصومة بالصفاء، ورضوا بالتباغض والشحناء؟! وكأنه لم ينته إليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ترفع الأعمال إلى الله كل اثنين وخميس فيغفر لمن شاء إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا)).

هل تفد إلا على قوم ضمُر فيهم حس الأخوة الإيمانية، والرابطة الربانية، فهم لا يشعرون بمصاب إخوانهم في شرق الأرض وغربها، ولا يهتزون للأعراض المنتهكة والأراضي المغتصبة، والحقوق المهدرة، وكأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)).
هل تفد إلا على مجتمع لا يكاد يعرف فيه الجار جاره، والقريب قريبه؟
سامحنا يا رمضان ... لقد قست قلوبنا! تحجرت أفئدتنا! قحطت أعيننا! لم نعد نحس بحلاوة الطاعة، ولا بجمال العبادة، ولا بأنس المناجاة!!!
هل تطل إلا على مساكين ليس في ليلهم إلا اللهو واللعب.
هل تطل إلا على حمقى تركوا الصلاة وانشغلوا بمتابعة القنوات والمباريات .
هل تطل إلا على كسالى غاية جهد أحدهم أن يصلي مع الإمام ثمان ركعات ثم ينصرف معجبا مزهوا وكأنه قضى حق العبادة، وفرغ من واجب الله عليه؟
هل تطل إلا على قساة القلوب، الذين يتولج القرآن سمعهم بكرة وعشية فلا تهتز له قلوبهم ولا تدمع له أعينهم؟
رمضان معذرة فالقلوب قد تغيرت والنفوس شابها الكثير من المعاصي فلم تعد تعظمك مثلما كانت نفوس الأوائل من الصحابة والتابعين ، فالدنيا قد طغت على القلوب وسكنت بداخلها .
هذا حالنا... وهذا واقعنا الذي نعيشه.
هكذا تبدلت الدنيا، وتغير الناس، واستحال الزمن زمنا آخر... هكذا نحن...

فهل نجد في أيامك هذه المباركات ما يغير الحال؟.. وهل تكون لنا محطة نخرج منها بوجه غير الوجه الذي دخلنا به؟.. نرجو ذلك...

نسأل الله - عز وجل - إن يجعلنا ممن صام وقام رمضان إيماناً واحتساباً إنه ولي ذلك القادر عليه .