الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٤ مساءً

وما يزال الإرهاب مستمراً...!

أصيل القباطي
الاربعاء ، ٢٦ مارس ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
يرمي الإرهاب بثقل غدره دائماً في صدور الأبرياء لا يجد غيرها ما يشفي غليل نزعاته الشهوانية باتجاه القتل، ويجثم الإرهاب على نقطة أمنية أو مركز عسكري بشكل فج لتتولد فاجعة لحظة سماع الخبر تتسع مع توالي التفاصيل، بإمكاننا تلمس ملامح المأساة جزئياً عبر الصور التي توثق الجريمة فيما بعد.

يصرخ الإرهابيون "الله أكبر" قبيل إطلاق الرصاصة الأولى ليُتموا صلاتهم على بحر من الدمِ وجزر من الأشلاء، هذا روتين التكفير المتلذذ بالقتل منذ طفو الجماعات التي تتبناه خطاباً على سطح المشهد اليمني بعودتها من غزوتها في أفغانستان لتمثل حرب 94 باكورة المسلسل الدموي الذي اختطته هذه الجماعات الإرهابية بدماء العُزل والأبرياء على جدران مبنى مدني أو عسكري أو على زجاج طقم عسكري أو على الطريق الذي يقفر بامتداده، تقتضي ضروراتهم أن يمهروا أوراق الفتاوى أيضاً بذاك الدم.
مع أخر جرائم الإرهاب، بتفاصيلها التي تشبه كثيراً تفاصيل سابقاتها، أضيفت مزيد من الاسماء إلى قائمة الضحايا التي يبدو أنها لن تنتهي قبل اجتثاث هذه الثقافة الإرهابية التكفيرية والتفخيخية بتشكيل جبهة عريضة شعبية وسياسية تناوئ هذا الفكر وتتبرأ من خلاياه اليقظة والنائمة التي تعمل تحت أغطية سياسية أو خيرية أو دعوية تسقط عنها تدريجياً إن لم تكن سقطت بأكملها، وتنتفض ضد داعميه سياسياً ومادياً وإعلامياً بالذات أولئك الذين يبرعون في تصنيع أغطية واسعة للقاعدة ولبشاعة جرائمها.

كيف كان حال الجنود الذين استشهدوا مؤخراً في شرق مدينة المكلا قبيل الحادث الإرهابي..؟ الجنديان الواقفان على النقطة، الجنود النائمون بأمان استعداداً لمناوبات جديدة، الساعة الخامسة والنصف صباحاً، لم يتوقعوا أن يبلغ الغدر بمجرم مبلغ القتل بذلك الاسلوب الغادر والوحشي. الإرهابيون لا يعرفون شرفاً ولا عهداً ولا مبدأً إلا وفخخوه. فبينما نالت قطعانهم البربرية من جنديي النقطة فزع زملاء الجنديين من نومهم، لم يكونوا يدركون هل اصوات الرصاص وصرخات التهليل الخبيثة حقيقة أم كابوساً، لم تُتح لهم هيستيرية الإرهاب مجالاً للخوض في الأمر، لقد كان رصاص الغدر أسرع من كل بحث عن احتمالات.

في تلك الأثناء ربما كان رئيس الجمهورية يهمهم بالمغادرة إلى الكويت لحضور القمة العربية بعد أن وضع اللمسات الأخيرة على كلمته في مؤتمر القمة التي لن يفوت فيها ذكر عنق الزجاجة التي تجاوزتها اليمن والمتاريس في صنعاء المقسمة إلى ثلاثة أقسام قبل ثلاثة اعوام يمر عبرها الناخبون إلى صندوق الاقتراع، حينها كانت جثث هؤلاء الجنود تنتظر الصناديق نعوشاً لتنقل فيما بعد إلى صنعاء وتدفن في مقبرة الشهداء التي يبدو أنها ستحتاج مزيداً من التوسعة.

الإرهاب موجود فكراً، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، لكن هنالك من يستغلها كأداة لتصفية حسابات أو تحقيق مكاسب سياسية يكون فيها الجنود والمواطنون ضحايا لا غير، بالذات في حضرموت، القاعدة الأساسية لتهريب النفط ومنطقة لتقاسم لنفوذ بين القوى النافذة في صنعاء، بات في حكم المؤكد أن هنالك من يستعملها أحياناً هنا أو هناك. ومن نافل القول أن هنالك أكثر من قاعدة وكل قاعدة لها ارتباط بمركز للنفوذ، بالإضافة إلى ما تردد من معلومات أن داعش أعلنت أن اليمن ساحة قتالها القادمة، فإذا ما صحت هذه المعلومات فإننا مقبلون على بلد يجمع كل صيغ الإرهاب، سيستفيد بالتأكيد من هذا الوضع القوى التي تبرع في التعامل مع هذه التنظيمات لتجير إرهابها لصالحها.

الحصيلة الأخيرة لجريمة الاثنين 22 شهيداً وناجِ وحيد، لكن المحصلة العامة لكل الجرائم الإرهابية تتمثل في مزيد من التهتك في النسيج الوطني، المتهتك أصلاً، والذي يجب أن يجابه بمسؤولية وطنية وهوية جامعة نابذة للتطرف وثقافة التكفير أو فلنتحمل تبعات الصمت الذي لن يخلف إلا تفشي الإرهاب وتوسع نطاق عملياته، ستتطاول يد الإرهاب مستغلة المساحات التي يتيحها الفراغ السياسي يحتاج أن يُملئ بحامل شرعي للحس الوطني.

كيف ستعوض أسر الجنود الذين يسقطون ضحايا..؟ هم لا يحتاجون إلى تحكيم بسيارات وبنادق كون ولدهم لم يكن شيخاً وكونهم لا يقوون على القيام بهبة، ولا يحتاجون الى العبارات التي يرطن بها القادة في مؤتمراتهم بإن الأولويات لأسر الشهداء، كل ما يحتاجوه هو التعويض المناسب الذي سيمكنهم من الاستمرار في الحياة، أن يستمر معاش ولدهم البسيط في الوصول إليهم و ألا يستقطعه قادة الألوية لصالح جيوبهم لا تفرق بين اسم وهمي واسم شهيد له أسرة تعول كثيراً على راتبه.

***
"أيها الجندي يا كبش الفدا * يا شعاع الأمل المبتسم
بورك الجرح الذي تحمله * شرفاً تحت ظلال العلم" --- للشاعر عمر أبو ريشة..