الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٥ مساءً

السعودية لا تتغير

أصيل القباطي
الخميس ، ٢٠ مارس ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
لست في معرض الحديث حول علاقة السعودية التاريخية باليمن باعتبارها الحديقة الخلفية، التابع الخانع، ولا عن دعمها للتطرفِ الوهابي، الذي فرخَ الإرهاب، منذُ نشأتهِ وإلى الأن، ولا، بالمقابل، عن وضعها للإخوان والقاعدة والحوثي في قائمةِ الإرهاب نتيجةَ لصراعِ نفوذِ بين أل سعود وأل ثاني. لقد خِيضَ الحديث في هذا كثيراً، ولنتحدث اليوم عن "الكتاب ... قُنطرة حضارة"...

لقد كان "الكتاب ... قُنطرة حضارة" شعارَ معرض الرياض للكتاب..!
في هذا المعرض الذي اُقيم مؤخراً، سحبت جميع دواوين محمود درويش وبدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي ومعين بسيسو وشعراء أخرون، بالإضافة إلى عدة كُتبِ فكرية، يُقدر عددها بعشرة ألاف نسخة لـ420 كتاب، والسبب كما جاء في الأنباء "أن عدداً مما يسمون بـ"المحتسبين" قالوا أن هذه الكتب تحتوي، حسب ادعاءاتهم، عبارات زندقة وكفر وإلحاد ، ولهذا سُحبت"..!

عبارات زندقة وكفر وإلحاد إذاً، لا شيءَ غريب، نحن نتحدثُ عن السعودية وهذا هو طبعها، لا تجيد إخفائهُ ولو أسدلت عليهِ خماراً مصبوغاً بالأسود الغامق.
وعادهم سموا المعرض "قنطرة حضارة" .. أيُ حضارةِ قنطُرها الكِتاب سيسفحُ ماءها ليُنهل منهُ في حضرةِ "المحتسبين" - وهذا مصطلح جديد ـ ولجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..؟ عدا إذا كانت كتب الثقافةِ الإرهابية قنطرةَ لحضارةِ ما. لقد كانت الحضارات والثقافات غائبة، إلا إن اعتبرنا الإرهاب حضارةَ والقتل باسم الله ثقافة.
عوضاً عن اكتراث السعودية بالإرهاب الذي صدرتهُ إلى الدول العربية والإسلامية عليها أن تجفف بالبدء منابع هذا الإرهاب من هيئاتِ ومنظمات وجمعيات ومؤسسات يعود لها الفضل في دعم التنظيمات الإرهابية مادياً من أفغانستان ووصولاً إلى سوريا، وهل تعتقد الشقيقة أن قائمة المنظمات الإرهابية الأخيرة قد تحجب عنّا عين حقيقة لجنةِ خاصة تدعم عتاولةَ اللصوصِ في اليمن، حتى الأن، أو طبيعة سياسيةِ خارجية تتخذُ إضعاف دول المحيط الإقليمي نهجاً غرضهُ التَسيُدَ الوهمي..؟

ثم ماذا..؟ ألم تُدرجوا التكفيريين ضمن قائمتِكم تلك..؟ إن كنتم صادقين، فليكن مُكفري درويش والسياب والبياتي وبسيسو و.....إلخ ممن يُطبق عليهم القرار..؟ أليسوا تكفيريين، وأليس التكفير إرهاباً..؟ إلا إذا كان للشقيقة الكبرى رأي أخر في التكفير.

كان الأولى بالسعودية أن تضع الإرهابيين في السعودية ضمن قائمة الإرهاب، وإن كانت تعتمد معياراً حقيقياً لها، لكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحدى المنظمات الإرهابية، لحظة .. لحظة، مش هذي الهيئة مؤسسة حكومية..؟

الإرهاب في السعودية إرهاب مؤسسي، وهو الإرهاب الذي فرخ المجاهدين العرب الذي قاتلوا الروس في أفغانستان بطلبِ أمريكي، والذين كونوا فيما بعد النواة الأولى بعد رجوعهم لـ"تنظيم القاعدة" التي تعتبره المملكة إرهابياً، ولماذا لم تكلف نفسها عناءَ أن تضع صانع هذا التنظيم في تلك القائمة..؟

لقد كَفّرت السعودية وبإحدى مؤسساتها الرسمية فخرَ اللغةِ العربيةِ من شعراء، بوصفها إياهم بـ"اصحاب عبارات الكفرِ والزندقة والإلحاد"، لم تكتفِ السعودية بتكفير من فرختهم لأعراقِ وجماعاتِ، كمبررِ لقتلهم، ها هي تتطاول اليومَ، وعبر هيئةِ رسمية، على أدباء ومفكرين بوصفهم كفاراً زنادقةَ ملحدين..!

إن السعودية بسحبها لتلك الكتب، درويش والسياب والبياتي وبسيسو ...إلخ، تحاول سحب الفكر الإنساني لتتيح المزيد من المجال للفكرِ المتطرف، إن جازَ لنا تسميته فكراً، وغمس البندقية الموجهة ضد المحتلِ في رمل الصحراء لتُنبشَ عن مزيدِ من الانتحاريين ضد ابناء امتهم ذباحين لرقابهم، وكسرت غصن الزيتونِ وداست عليهِ و اغضت الطرفَ عن مفهوم التعايش السلمي لتروج للكراهية.

وبالمناسبة .. حققت مبيعات الكاتبة الرومانسية احلام مستغانمي، أيضاً، نسبةَ مبيعات كبيرة في ذلك المعرض..!

لقد إستهدفوا عمداً فكر درويش ورفاقه.. لقد دفنوا المقاومةَ والثورةَ والسلامَ والحبَ من أجلِ قضية ليبعثوا بروحِ ليالي باريس والكؤوسِ الفاخرة والحبَ من أجلِ الفراش.
أتريدُ السعودية إخفاء وجهها بنقاب..؟