ولى عهد "القمش"
أصيل القباطي
الأربعاء , 12 مارس 2014
الساعة 06:40
صباحا
بالإمكان إعتبار قرار إزاحة القمش عن الأمن السياسي أحد أهم القرارات التي إتخذها الرئيس، إن لم يكن أهمها، و بالإمكان، أيضاً، إعتبار هذا الحدث أبرز نتائج الثورة الشبابية، هذا الحدث الذي لم يستوعبه بعض المناضلين القدامى، تبدو ردة فعلهم منطقيةَ جداً، فالذي أصابهم، من رعب و هواجس طيلة ممارستهم للعمل السياسي، كفيل بإن يجعل هذا القرار، بالنسبة لهم، أعظم إنجاز حُقق نتيجة لنضال سياسي تراكم منذ سبعينيات القرن الماضي .
بعد محمد خميس، ذو التاريخ الدموي في المناطق الوسطى، تولى غالب القمش قيادة جهاز الأمن الوطني متبعاً ذات العقيدة التي اتبعها سلفه، والمتخذة من الإشتراكيين، اليساريين عموماً، الخطر الأكبر . تلك العقيدة التي إعتبرت الجبهة الوطنية الديمقراطية مجموعة ملحدين يجوز التعامل معهم بأي طريقة ممكنة، حيث إختفت العديد من قيادات الجبهة أنذاك، ويقال أن غالب القمش ورث عن أحمد خميس البئر الذي أخفى فيه الكثيرين، ذلك البئر ذو السكاكين الحادة على طول جوانبه فلم يكن تصل جثة الضحية قعر البئر إلا وقد إختفت ملامحها تماماً، لك أن تتخيل . تلك العقيدة شكلت بيئة جاذبة للجماعات الإسلامية المتطرفة التي اكتظ بها جهاز الأمن السياسي، والتي تعتبر الجبهة الوطنية مجموعة من الكفار يجب قتلهم، وتمكنت هذه الجماعات من نشر فكرها عبر إنتشارها في عمق هذا الجهاز، وقد مورس الكم الأكبر من جرائم الإخفاء قسراً و التعذيب خلال في فترة تغلغل هذه الجماعات وسط جهاز الأمن السياسي، و شكلت هذه الجماعات البؤرة الاولى للمجاهدين العرب الذين ما إن عادوا من غزوتهم الأولى حتى وجدوا الوضع مواتِ لغزوات أخرى، فبدأوا أولاً برفض الوحدة مع النظام الإشتراكي في الجنوب، ومن ثم، بعد الوحدة، بدأوا بعمليات الإغتيال والسحل في حق كوادر الحزب الإشتراكي، بدءاً بماجد مرشد ومروراً بضباط جنوبيين أنتسبوا للمخابرات وبالكثير من جرائم الإغتيال بحق ضباط وقيادات مدنية ومنتمين فكرياً للحزب الإشتراكي وليس إنتهاءاً بجارالله عمر، حيث كانت علاقة الأمن السياسي بهذه الجرائم معروفة بإعتباره حاضنة أولى لهذه المجاميع الإرهابية، وبكونه من أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ تلك الجرائم، وهو الجهاز الإستخباراتي الرئيس في الجمهورية فكيف له أن غض نظره عن تلك الجرائم السياسية التي شكلت خطراً كبيراً على المصالح الوطنية العليا! ، تبعاً لهذا لم تكتفي تلك الجماعات بذلك، بدأت بإجتياح الجنوب في 27 يونيو 1994، وكان لغالب القمش دوراً بارزاً في تأليب القبائل للقتال، كأحد المفتيين القبليين، رديفاً للمفتين الدينيين، الذي راج أنداك و بدأ في خوض الحرب كقائد مليشيا قبلية إلى جانب كونه رئيساً لجهاز الأمن السياسي، رئيساً لجهاز المخابرات .
من ضمن النتائج الكارثية لحرب صيف 94، أن تعزز حضور التيار القبلي والإيديولوجي الذي يمثله غالب القمش في كافة مفاصل الدولة، وتعززت سيطرة هذا التيار على جهاز الأمن السياسي .
بعد ذاك، أصبح جهاز الأمن السياسي فوبيا اجتاحت اليمنيين و منعتهم عن الخوض في السياسة، وكان أي حديث سياسي يُدار في أماكن عامة ينتهي بـ\" إحذر من النامس \"، كان حضور الأمن السياسي بالنسبة إلى الناس كحضور النامس، كيف لا وقد راجت، سراً بين العامة، قصص المخفيين قسراً في بدرومات الجهاز، وقصص عن أُناس خاضوا في السياسة و أنتهى بهم الأمر في كماشة المخابرات، حيث دخلوا مباني الأمن السياسي، المجهولة الموقع، عقلاء وخرجوا منها مجانين ! و أيضاً زاد الأمر بالناس إعتبار أغلب المجانيين في الشوارع أعضاءاً في الأمن السياسي، يتنكرون بهيئات المجنون للإيقاع بأكبر قدر من الساخطين على الوضع، لقد تسللت هذه الفوبيا إلى عمق المجتمع، ومرت فترة كان المرءُ فيها أعجز من أن ينقم على الوضع المعيشي الصعب . صحيحُ أن خروج الحراك الجنوبي كحركة جماعية تنادي بمطالب وحقوق و بصوت عالِ زحزح هذا الشعور عن كهل المواطن، إلا أن الضربة القاضية وجهت له مع إندلاع الثورة الشبابية في فبراير 2011 بالرغم من أن هنالك الكثير من النتائج العكسية واجهت المجتمع بعدها وحتى اليوم .
لقد غادر القمش مقر الأمن السياسي في منطقة حدة بصنعاء، وغادرت معه تماماً فوبيا الأمن السياسي، وأضحى التفكير الأن بمستقبل هذا الجهاز تحت قيادة أديب و روائي، وهذه بذاتها نقطة يجب أن تحسب، فإنتقال الأمن السياسي من يد دموية إلى يد أدبية يعني الكثير، لا سيما وإن لجلال الرويشان رواية \"من مأرب إلى طشقند\" و التي تحكي قصة شاب لجأ إلى الدولة من أجل القصاص بدلاً من أن يلجأ إلى القبيلة .
لقد ولى عهد القمش، ومهما كان عهد الأمن السياسي الجديد إيجابياً أو سلبياً، فإنه وبكل حال من الأحوال لن يكون اسوأ من حقبة خميس ـ القمش، ولعلنا أمام فترة سنكتشف خلالها، ولو قليلاً، كيف أُدير الأمن السياسي من حقبة الأمن الوطني، من حقبة محمد خميس، إلى 8/3/2014 ...
اخترنا لكم
آخر تحديث
الأحد,06 يوليو 2025
الساعة 12:01
صباحا
# | اسم العملة | شراء |
---|---|---|
|
دولار أمريكي | 2739.50 |
|
ريال سعودي | 720.00 |
