الجمعة ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٦ صباحاً

كيف يتم اللعب بتاريخ اليمن!

عبدالواسع السقاف
الأحد ، ٢٣ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٣٣ مساءً
• عندما كنت أدرس في المرحلة الإعدادية في اليمن منذ فترة لا تتجاوز العقدين، كانوا يعلموننا في كتب التاريخ أن الأتراك غُزاة وأنهم (أي الأتراك العثمانيون) جاءوا اليمن لغزوها ونهب ثرواتها، فتصدى لهم الشعب اليمني (المناضل) بقيادة عدد من زعمائه أشهرهم (المُطهر بن يحي شرف الدين) الذي أتخذ من مدينة ثِلا عاصمة له، فسُميت اليمن نتيجة فشل الغزو العثماني الأول والثاني (بمقبرة الأتراك)!! ولكني الآن عندما أمر في سائلة صنعاء عاصمة اليمن أجد معلماً جديداً بُني قبل ثلاث سنوات فقط ليُخلد ذكرى الشهداء الأتراك الذين قُتلوا في اليمن!! لم أكن أتوقع أن يتغير التاريخ بهذه السرعة!! فإذا كان العثمانيون هم أنفسهم الشهداء، فمن هم الغزاة!! لا تقولوا لي "الشعب اليمني" المغلوب على أمره!!

• بالأمس القريب كانت ذكرى ثورة عام 48م على الأمام يحي بن حميد الدين "17 فبراير"، وكُنت قد عشت عمري كله أُمجد هذه الثورة ضد ما كان يُسمى في طفولتي بثالوث "الظلم والفقر والمرض"! الثورة التي قام بها شهداء أحرار ضد العبودية والأستبداد والظلم كما علمونا في المدارس وفي التلفزيون اليمني الرسمي الذي طل يلقننا أياها لثلاثة عقود! ولكني فوجئت في بعض الصحف عناوين "ذكرى أغتيال الأمام يحي بن حميد الدين" وفي مواقع أخرى "أستشهاد"! يالله!! أيضاً تحول ما كان يُدرس لنا على أنه ثورة إلى حادث أغتيال "آليم"!! وتحول الطاغية الذي نقشوا في عقولنا أطفالاً كل عبارات الذم والقدح فيه إلى شهيد يشار إليه بهذا الأقتباس "نبراس العدل والرحمة وعنوان الاخلاص لربه وشعبه وأمته، زاهد العصر، إمام المسلمين، أمير المؤمنين، باني نهضة اليمن الحديث حراً مستقلاً"، والذي قتلته أيادي الغدر، وتحول المناضل علي ناصر القردعي ورفاقه الذين قتلهم أبنه الأمام أحمد فيما بعد ضرباً بالسيف إلى مجرمين!!

• أتذكر أنه في عام 1990م وأنا في مقتبل الشباب، تم رفع علم الوحدة من قبل زعيمين شمالي وجنوبي. رأيتهما بأم عيني، وكان العلم يُرفرف فوق رأسيهما ورؤوس بقية كبار الدولتين اللتان أندمجتا في دولة واحدة فيما بعد ومنهم المشير السلال والعرشي والعطاس وغيرهم ، وكنا سعيدين ومتفائلين بهذه الصورة التي كانت ترمز لغدٍ مشرقٍ وبلدٍ متوحد مُقدمٍ على رخاء وأمن! ولكن الغريب أنه وبعد ثلاث سنوات فقط، ظل العلم يُرفرف فوق رأس زعيم واحد ومعاونيه، وأختفت صورة الزعيم الأخر ومعاونيه!! وشيئاً فشيئاً أختفت الصورة من كتب التاريخ، فعلمت بعدها أن رواية مزرعة الحيوان لجورج أورول التي تبدلت أحداثها رأساً على عقب لم تحصل على جوائز عالمية من فراغ، فهي تحكي الواقع بكل سخرية!!

• قبل أعوام خلت أيضاً كنا نسمع ونُشاهد في التلفزيون معارك ضارية راح ضحاياها الآلاف من أبناء الشعب، وكان التلفزيون الرسمي كعادته يشير إلى شخص بذاته أنه وارء كل تلك الحروب وأنه "خارج عن الدولة والقانون" وأنه وأنه وأنه، لدرجة لم نعد حينها نطيق الأسم! وإذا بي قبل فترة قريبة أشاهد صوره في كل مكان في العاصمة وتحتها بخطٍ كبير "الشهيد القائد"! لا أريد أن أعلق أكثر!!
لا أدري لماذا يتبدل التاريخ بكل هذه السرعة في اليمن!؟ وهل يتبدل أيضاً بنفس الكيفية في العالم؟ وإذا كان هذا هو الوضع الطبيعي، فكيف بنا أن نثق بعد كل هذا بشيء يُسمى تاريخ! إذا كانت الأحداث والحقائق تتبدل ونحن مازلنا نعيشها، فكيف بنا أن نُصدق أحداث مر عليها قرون وقرون! قيل لنا أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وهذه حقيقة ماثلة الأن أمام أعيُننا، فهل يعني هذا أن كُل ما قرأناه وفهمناه من تاريخنا كان مجرد أرثٍ تركه المنتصرون لنُمجد أفعالهم! وهل هناك حقائق تبدّلت وأحداث تم اللعب بسيناريوهاتها لتكون مقبولةً لنا، وليقتنع بها الشعب الذي يبحث عن أي شيء يقنعه!!

اللعب بالتاريخ هو أكبر المصائب التي يمكن لنا أن نتخيلها! كيف لا ونحن الأن غير قادرين على تغيير واقعنا للأفضل، ولا أن نواكب العالم المتقدم، وما يُصبرنا على بلوانا تلك أننا مازلنا قادرين فقط على التباهي بتاريخنا وأمجادنا الغابرة (التي أصبحت الأن مثاراً للشك)! لقد عشنا كعرب نتغنى بتاريخنا وأمجاد سالفينا الأدبية والأسلامية والحضارية في أشعارنا وفي كتاباتنا، وبها نكابر العالم! ولكن ما يحصل الأن يجعلنا نفكر ملياً هل فعلاً يجب علينا أن نباهي بالماضي ونحن نرى بعيونٍ حائرة أن الحاضر يتبدل بمجرد تبدّل المصالح والأهواء!

يبدو لي أنني تفائلت في حياتي كثيراً وركنت إلى تاريخٍ أعتبرته مصدر إلهامي وملجأي الذي أعود له عند المُلمات والأوقات العصيبة!!