الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٩ صباحاً

ماطبيعة المشهد الحالي في البلد ؟؟

عبدالوهاب الشرفي
الخميس ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٢٠ صباحاً
هبة شعبية في جنوب الوطن , ومواجهات مسلحة في شماله , واغتيالات وتفجيرات في وسطه , ولا تكاد تخلوا محافظة من محافظات البلد من مشكلات وصراعات في شتى مناحي الحياه وبمختلف الصور . وامام مشهد مضطرب الى هذا الحد لابد من التساؤل اين تكمن المشكلة بالضبط ؟ وما طبيعة هذا المشهد السائد في البلد ؟ .

من البديهي ان اي مشكلة تحصل في اي مجتمع تكون الدولة هي المعنية بحلها , فعندما تحصل الخلافات او الصراعات بين مكونات المجتمع افرادا وجماعات وتجمعات تكون اجهزة الدولة هي المعنية بالتعامل معها واعادة اي انحراف الى المسار الطبيعي وتمنع تفاقم اي خلاف و توسع اي صراع , وحتى المشكلات التي تكون الدولة احد طرفيها تكون الدولة هي ايضا المعنية بالتعامل معها تمام كالمشكلات التي تحصل بين مكونات المجتمع الاخرى .

الدولة منظومة واحدة من المؤسسات تودّي كل واحدة منها دورا في تسيير شئون البلد , فهناك من يشرّع ممثلا عن مكوّنات المجتمع , وهناك من ينفّذ ما يصبح نافذا من تلك التشريعات , وهناك من يقّضي في حالة حصول اي تباين او قيام اي خلاف او نشوب اي صراع . وهذه المنظومة هي اهم العوامل التي تشكّل المشهد في أي بلد , فعندما تكون هذه المنظومة متّزنة يكون المشهد في البلد طبيعيا ومستقرا والعكس بالعكس .

المشهد الذي يعيشه اليمن هو مشهد غير طبيعي ليس لوجود المشكلات فيه , فالمشكلات توجد في اي مجتمع كان , ولكن لعدم وجود دولة في وضعها الطبيعي الذي يجعل من تلك المشكلات تقف عند حدها وتجد لها الحلول المطلوبة , ومن ثم يضل المجتمع مستقرا وحيا و أمنا حتى مع وجود المشكلات فيه . أي ان ما يميّز المشكلات في المشهد الحاصل في البلد هو علاقة اطراف هذه المشكلات بالدولة ومدى ثقتهم فيها ومدى تقديّرهم لتأهيلها وقدرتها .

على مدى ثلاثة عقود كان النظام الذي تولى البلد خلالها يقّضم مفهوم الدولة من اذهان المجتمع , فما كان يمارسه من ممارسات او يشجع عليه من ممارسات او ما يهمله من واجبات او ما يقوم به من تطاولات هو ما ضرب مفهوم الدولة في اذهان المجتمع وجعل النظرة اليها باعتبارها عصابة ليس لها حق التسليم بسيادتها من اي من مكوناته , وانعكس هذا الامر الى الكثير من المظاهر السيئة العامة من الاستقواء بالقبيلة ومن انتشار الفساد ومن تردي الخدمات ومن تراجع امني حاد وغير ذلك من المظاهر كرد فعل على غياب مفهوم الدولة من اذهان مكونات المجتمع , فلا صاحب حق يقتنع بان هناك دولة ستعيد له حقه ولا سالب حق يخاف ان هناك دولة ستأخذ على يده , وبالتالي وصل البلد الى حالة " الدولة الفاشلة " .
سيطر على البلد روح العصابة نتيجة قوى النفوذ التي تعاملت مع كلما وكل من في البلد كانه ملك لها, وكأن وجودها في مواقع الدولة او النفوذ فيها يعطيها الحق ان تتصرف في البلد والمجتمع كما تريده هي لا كما يريده القانون والنظام , فرغبة اي نافذ كانت هي ما يجب على اجهزة الدولة ان تعمل لتحقيقها , وان تلتف هذه الأجهزة بنفسها على القوانين والانظمة المفترض انها مسئولة عن تنفيذها في حالة ما اذا كانت هذه الانظمة او القوانين تمنع تحقيق تلك الرغبة , وهو ما اوصل البلد الى تلك الاحداث التي شهدها في بداية العام 2011م , و التي اندفع اليمنيون فيها كما السيول الى الشوارع للإطاحة بهولاء النافذين وتخليص الدولة - التي هي ضرورة للمجتمع وللبلد - التي يديرونها ادارة العصابة من ايديهم .

لملابسات لسنا بصددها لم يتمكن المجتمع من ان ينتزع الدولة من ايدي هولاء النافذين ولكنه تمكن من ان يزيّحهم من المواقع التي كانت تعطيهم حق التصرف باسم الدولة من جهة , ومن تهيئة فرصة معقولة لأحداث تغيير غير لحضي في البلد عن طريق حوار وطني لازال جاريا فيه حتى اليوم من جهة ثانية , وهذا الحال هو الذي جعل المجتمع يقف في موقف المنتظر للنتيجة التي ستتحقق في البلد , اولا فيما يتعلق بمراكز النفوذ وما اذا كانت ستلتزم بخسارتها الجزئية هذه وتدع البلد يمرّ , وثانيا فيما يتعلق بتحقيق هذه الفرصة المعقولة لتطلعه في التغيير دون المضي في مخاطرة اكبر لتحقيق التغيير .

وقعت الدولة تحت تأثيرين, الاول يجتذبها نظريا باتجاه الدور الطبيعي للدولة وهو ما كان يتم في مؤتمر الحوار , والاخر هو محاولات النافذين ممارسة نفس ممارساتهم السابقة في استخدام الدولة وهذه المرة من غير المواقع الرسمية التي تعطيهم الحق في توجيه مؤسساتها , وبالطبع كان النافذون يعملون على ذلك لخوفهم من ان يتحول البناء النظري الذي كان يتم في مؤتمر الحوار الى واقع سيخسرون نتيجته قدرا كبيرا من نفوذهم وكثير من مصالحهم وربما يتعرضون الى المسائلة في يوم ما اذا ما قامت دولة .

هذا الموقع الذي وقعت فيه الدولة جعل البلد يسير نظريا في وادي وعمليا في وادي اخر , واصبح البلد ساحة لنوعين من الاحداث الاول وليد اعمال مراكز النفوذ الساعية لاستمرار نفوذها ومنع اي قوى اخرى من التنامي وبالتالي كسر تفردها بالبلد , والثاني وليد فقّد المجتمع الأمل في الفرصة التي كان يعوّل عليها في احداث التغيير المطلوب للبلد , واذا ما استثنينا المؤثرات الخارجية فالنوعين السابقين هما اللذان شكلا المشهد الحاصل في البلد اليوم .

نحن امام مشهد يعمل فيه النافذون على التمسك بنفوذهم وتسلطهم ومصالحهم بل ويحاولون العودة الى نفس مستوى النفوذ الذي كانوا عليه قبل 2011م , وفي سبيل ذلك يثيرون الويلات هنا وهناك على امل اربكاك العملية السياسية التي تنشد التغيير , وبذلك هم يهدرون ويسخرون طاقات ومقدرات البلد التي لايزال اغلبها بأيديهم حتى اليوم , وكذلك يستقّدمون ويسهلون او يتغاضون عن الأجندات الخارجية العابثة بالبلد وبأمنه واستقراره .

وفي هذا المشهد ايضا بدأت مكونات المجتمع تيّئس من قدرتها على تحقيق التغيير المنشود عن طريق الحوار , وبدت مستعدة للدخول في مخاطرة اوسع لفرض التغيير المنشود بعيدا عن الحوار وباتباعها طريق النضال على الارض , و نظرا لعدم تنظيمها التنظيم الكافي ولعملها الواسع عددا ومساحة وللوقت القصير الذي تتولد فيه ردود افعالها تتهيأ الفرصة الى حدما للنافذين وللأجندات الخارجية لاختراقها وارباك سعيها للتغيير , وبالتالي يصحب ردود افعالها هذه قدر من الاخطاء والسلبيات والتي قد تصل الى الويلات ايضا .

طبيعة المشهد الحالي في البلد هي اللادولة وفقد الامل في بنائها في ضل عناصر الواقع الحالية . وجوهر هذه المشكلة ( المشهد ) من اللادولة ومن فقد الامل في بنائها هو النفوذ الذي يعمل ما يستطيعه لمنع قيامها وبما في ذلك الاستجلاب و التسهيل والتغاضي عن التدخلات الخارجية في المشهد اليمني , كما تولّد اعماله هذه ردود افعال مجتمعية متوترة وغير منظّمة بالقدر المطلوب ما يسمح لتلك القوى الماكرة بالتلاعب بردود الافعال هذه ويتيح كذلك للأجندات الخارجية فرصة اوسع للعمل في البلد , وسيضل هذا المشهد المضطرب هو السائد في البلد ما بقي في حالة اللادولة , و ما بقيت قوى النفوذ تمسك في يدها بما يمكّنها من العبث , بل و سيتوسع وسيزداد الاضطراب في المشهد اليمني كلما فقد الأمل اكثر في بناء الدولة , و هذا حتى يتخلص المشهد من قوى النفوذ التي تمثّل مولدات الاضطراب فيه بإعاقتها بناء الدولة .