الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٥ صباحاً

ليصّلي " اوباما " طلبا للّطف

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ٣١ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
سجلت ادارة الرئيس الامريكي اوباما الفشل في الكثير من الملفات التي تديرها , وعلى وجه الخصوص الملفات التي تديرها في الشرق الاوسط والمنطقة العربية .

ملف " الشرق الاوسط الجديد " الذي تم اجراء التعديلات عليه ليستوعب " الربيع العربي " , اصيبت الادارة الأمريكية فيه بالفشل وطرأت عليه تقلباّت واضطرابات واسعه فائجتها , وجعلت الامور تسير في غير اتجاه تحقيق الاهداف المرجوه من هذا الملف , بل بدأت في غير بلد تسير في الاتجاه المعاكس .

الملف السوري الاممي الذي كان يراد فيه السير بذات السيناريو الليبي , كانت قد حققت في فيه شيء من النجاح في البداية , الا انه انقلب على راسها , اولا بالفشل في استصدار قرار من مجلس الامن يدين النظام السوري , وبظهور الحاصل في سوريا على انه تجسّدا لرغبة " محور المقاومة " في الحل السياسي للازمه السورية على حساب " عجز " الرغبة الامريكية والتي وجدت نفسها مضطرة لتبني رغبه ذلك المحور ثانيا .

ملف " الارهاب " الذي تجنّد الولايات المتحدة نفسها للحرب عليه , وجلب قواتها ونفوذها الى المنطقة تحت ذريعة مواجهته في " عقر داره ؟! " فشلت فيه كذلك , وتبدّلت العلاقة بين الادارة الامريكية وبين المجموعات " الارهابية " من حالة العداء " المفترضة " الى حالة من المساندة والتعاون والامداد والتسهيل لها في سوريا , ما مثل خطرا على الامن والسلم العالميين .

الملف المصري هو الاخر فشلت فيه , وظهرت دبلوماسيتها في حال من التخبّط لم تظهرها الدبلوماسية الامريكية عبر تاريخ الادارات الامريكية السابقة , و خسرت في مصر كلا الطرفين .
في ملف " سلام الشرق الاوسط " , فشلت في الدفع بعملية السلام خطوة واحدة للأمام , وبدت دبلوماسيتها اقل حنكه " في المكر " من كل الدبلوماسيات السابقة , فقد مارست سياسة بدت مكشوفه بانها تخدع الطرف الفلسطيني " عيني عينك " , وبالتالي لم تتمكن من ان تفعل في هذا الملف اي شيء جاد .

تراكم فشل الإدارة الامريكية في الكثير من الملفات التي تديرها شكل ضغطا خانقا لها لدرجه مناقشته و الرفض الحاد له في الكونجرس الامريكي , ووصل الى ان لوح البعض بالتصعيد ضده الى " المطالبة الرسمية " بعزل اوباما من رئاسة الولايات المتحدة الامريكية .

تحت هذا الضغط الخانق وجدت الادارة الامريكية نفسها مضطرة " للهروب الى الأمام " , وكعادة الولايات المتحدة في الهروب من ازماتها بالدخول في حروب هنا او هناك , هربت ادارة اوباما الى " حرب على النظام السوري " ستكون هي من يقاتل فيها مباشرة , وكل ذلك على أمل ان " تفكّ " الأيادي التي اطبقت سياسيا على عنقها , تبعا لتكرر وتراكم فشلها .

الدخول في معركه على النظام السوري كان هو المخرج الممكن لإدارة اوباما من "خنّقتها " , فستتمكن بها من إظهار نفسها على انها لازالت قادرة على التحرك متى شاءت وكيف شاءت كما كانت في ضل الادارتين السابقتين على الاقل ,كما ستظهر بانها قد حققت هزيمه " لمحور المقاومة " بتدخلها عسكريا في سوريا ضد رغبته .

كذلك ستسرّع في تقدّم الطرف الذي تسنده في سوريا , والذي كان قد خسر كثيرا امام الجيش العربي السوري نتيجة للتقلّبات السياسية في الدول المحيطة بسوريا . وبهذا التسريّع ستعطي الانطباع المطلوب بان استخدامها للمجموعات التي تصنفها " إرهابية " هو امر مجدي ومتحكم فيه , ما سيخفف من رفض الراي العام الامريكي والاوربي لاستخدامها تلك المجموعات وهذا من جهة .

ومن جهة ثانية التعجيل بالإطاحة بالنظام السوري للشّروع في تقّسيم ترّكته الذي يسهم في تحقيق تقدّم في ملف " عملية السلام " عن طريق تخصيص المساحة المطلوبة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها , وبذلك حلّ أعقد ملفات " عملية السلام " التي لم تحقق فيها دبلوماسيتها شيء يذّكر .

هذا غير العوّدة بالملف السوري الى الواجهة بعد انحساره نتيجة الاحداث التي شهدتها مصر ومن قبّلها تركيا , وهي الاحداث التي اصبحت في الواجهة بما تمثله من " عورة " للإدارة الامريكية ولدبلوماسيتها .

لم يكن الهروّب الى الحرب على سوريا امرا سهلا كون ذلك يمثل انسلاخا مما تتشاركه الادارة الامريكية مع العديد من دول العالم بالعمل على الحل السياسي للازمة السورية , خصوصا وان الادارة الأمريكية هي من اهم المعنيين بالأعداد لمؤتمر " جنيف 2 " , و لذلك كان لابد لها من مبرر قوي يجعل من ذلك الانسلاخ خطوة محسوبة للإدارة الامريكية لا عليها .

كانت الولايات المتحدة الامريكية في حربها على العراق قد روّجت لامتلاك العراق للنّووي ؟! , و عن طريق ذلك الترويج تمكّنت من توفير التغطية القانونية والسياسية والاممية والشعوبية وكذلك توفير المساندة العسكرية والتمويلية , وهما ما يلزمها لنجاحها في تدخلها العسكري في العراق .

على ذات الخطى قررت الولايات المتحدة ان تسير في حربها على سوريا , وهذه المرة عن طريق عملية استخباراتية استخدم فيها السلاح الكيميائي ضد المدنيين السوريين , و دشنت بهذه العملية الدخول في حرب مباشرة على سوريا , بداءتها بالترويج لان النظام السوري هو من استخدم ذلك السلاح ضد المدنيين من مواطنيه , سعيا منها لتوّفير ما يلزمها من الغطاء ومن المساندة المطلوبان لنجاحها في هذه الحرب التي هربتّ اليها .

كانت لجنة التحقيق الاممية لاتزال في سوريا ولم تباشر بعد عمليات التحقيق ميدانيا , وكانت الادارة الامريكية " تقرر " ان النظام هو من استخدم الكيميائي . وبذلك بدت غير محترمة للغطاء الاممي و غير مكّترثة بقانونية تحركها .

لم تقدم الادارة الامريكية اي دليل يدعم " تقريرها " ويدين النظام السوري . ولم تسّعفها الفرصة لتفعل ما فعلته في حربها على العراق من " فبركة " للأدلة , فقد فاجأتها روسيا برصد اقمارها الصناعية لانطلاق الصاروخ الكيميائي من ارض يسيطر عليها المسلحون في سوريا وليست تحت سيطرت النظام , واستبقتها روسيا بذلك الرصد الى الامم المتحدة .

ذهبت العملية الاستخباراتية ادراج الرياح فلم يعد من الممكن توظيفها لتوفير التغطية ولا لتوسيع المشاركة في العمل العسكري المزمع , فضلا عن بقاء ما هو متوفر منه على حاله فقد خسرت غير واحد ممن كان سيشاركها معركتها , وخصوصا بريطانيا بعد ان صوّت مجلس العموم البريطاني على ضد التدخل العسكري البريطاني في سوريا .

قبل ان يبدا اوباما معركته على سوريا كان يكوّن قد خسر حربه معها على اي حال . فلم يعد من الممكن الرجوع عن هذه الحرب دون دخول المعركة التي فشل في توفير التغطية والمشاركة المطلوبان لنجاحها , لأنه لو رجع عنها فسيمثل ذلك ضربة قوية لتأثير ونفوذ الولايات المتحدة في العالم التي ستكون قد خسرت حربها من قبل ان تقاتل .

كما ان فشله في توفير التغطية والمشاركة المطلوبان سيشكّل مانعا من المضي الى الامام ايضا , لان دخول المعركة وشن حرب على سوريا سيعني ان " الطفل المدلل " للولايات المتحدة الامريكية - اسرائيل "- سيتلقى ضربات موجعه , وستكون أشدّ من تلك التي تلاقها طفله في العام 2006م من جنوب لبنان , وستجد الادارة الامريكية نفسها مجبرة على وقف حربها دونما تحقيق اي هدف لها تماما كما انتهت الحرب في العام 2006م , وستكون الولايات المتحدة قد خسرت حرّبها بعد ان قاتلت
دخل اوباما المعركة ام لم يدخلها فقد خسر حربه على سوريا سلفا . وبذلك يكون قد أضاف الى سجل في الفشل لإدارته - الذي حاول الهروب منه الى هذه الحرب - فشلا جديدا سيجعل من ذلك السجل الخانق سجلا قاتلا للإدارة الأمريكية التي يراسها اوباما , ولا يعلم الا الله سبحانه اين سيصل مدى الاثار السيئة التي ستترتب على ذلك .

لم يعد من المتاح لأوباما الا هامش ضيّق جدا لحفظ شيء من ماء الوجه , وهو توجيه " ضربة محدودة " لسوريا , سيكون فيها معولا على تفهّم النظام السوري " للمخنق " الذي وضعت الادارة الامريكية نفسها فيه , وان يمّتص النظام الشوري الضربة دون ان يرد عليها .وهذا التفهّم قد يحظى به بالفعل نتيّجة للقتال الحاصل مع المسلحين في الداخل السوري وليس من صالح النظام تصعيد ما قد يشتت عن ذلك القتال .

هذا ما يبدوا انه سيحدث مع تكرار التصريحات الامريكية والتصريحات ممن يقفوّن معها في هذه الحرب بانها ستكون ضربة محدودة زمنا واهدافا , وانها " لا تستهدف " إسقاط النظام في سوريا , وانها لن تكون تكرارا لسّيناريو الذي تم في العراق . بعدها ليصلي اوباما للرّب كي لا تذهب عاقبة التفكير في هذه الحرب الى شر عاقبه له ولإدارته .