الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٦ صباحاً

قراءة في " الهبة الشعبية " لابناء الجنوب

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ٢١ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٢٠ صباحاً
ما تشهده المحافظات الجنوبية وعلى وجه الخصوص حضرموت والضالع وشبوه هو حدث فارق في مختلف الاتجاهات , فما شهدته المحافظات الجنوبية من احداث جماهيرية قبل الهبة الشعبية اليوم الجمعة 20/12/2013م يمكن اعتباره مرحلة وما ستشهده من الان وصاعدا سيكون مرحلة مختلفة تماما .

تأتي هذه الهبة الشعبية ترتيبا على دعوات مشايخ ورجالات القبائل وليس على دعوات السياسيين كما كان الامر عليه في اي احداث جماهيرية شهدتها المحافظات من قبلها , وهذه النقطة هي ما يميز هذا التحرك الشعبي عن ما سبقه , فدخول القبائل بصفاتهم القبلية على خط الاحداث يحمل رسالة هامة ان هذه الهبة الشعبية هي تحرك جاد ومحسوب وليس تكتيكا او مناورة او حتى انتحارا من سياسيا .

لم يكن الانفصال في يوم ما امرا يمكن طرحه ضمن الاحتمالات الواقعية التي قد تفضي اليها الاحداث في المحافظات الجنوبية , ومع ان هذه الهبة في وضعها الحالي لن تفضي الى انفصال الا انها تجعل منه احد الاحتمالات الواقعية التي قد يصل اليها الحدث في المحافظات الجنوبية .

ما وضعته الهبة الشعبية من اهداف لها هي في جوهرها مطالب حقوقية ولكن يمكن اعتبارها مطالب حقوقية شاملة , و لأنها كذلك فهي توحي لمن يطلع عليها دون تأمل انها الانفصال بذاته , وبشيء من التأمل فيها سنجد انها مطالب اذا ما تمت على الارض فسيكون ذلك رجوع بالدولة الى وضعها الطبيعي من حيث محتواها ومن حيث علاقتها بالمجتمع ولا تمثل انفصالا باي حال من الاحوال , وفي ذات الوقت تضع مشكلة المحافظات الجنوبية في موضع القرار الاخير .

الاهداف التي تسعى القبائل الى تحقيقها عبر هبتها الشعبية اهم ما تتسم به هو مرونتها العالية , بمعنى انها قد تتطور بسرعة وبجدية الى فرض انفصال كامل كواقع , وهذا الامر يضع من بأيديهم القرار في البلد في مفرق طرق حقيقي وحساس للغاية ولم تصله القضية الجنوبية من قبل , ومن سيحدد خط سير الحدث وتطوراته هو ما سيتخذه من بيدهم القرار من خطوات واجراءات وقرارات تجاه قضية المحافظات الجنوبية ككل وليس فقط تجاه الهبة الشعبية .

التعامل الامني او التكتيك السياسي في مواجهة هذه الهبة التي تشهدها المحافظات الجنوبية لن يسمن ولن يغني من جوع ولن يتوقف عليه اتجاه الحدث في مشهد المحافظات الجنوبية , وكل ما سيترتب عليه هو تطورات الهبة الشعبية كحدث وليس تطورات قضية المحافظات الجنوبية , بمعنى ان التعامل الامني والتكتيك السياسي قد يتيح الفرصة الاخيرة للمعالجات او ان يقضي عليها تماما .

اي تعامل امني غير مسئول وغير متفهم الى ابعد درجات التفهم واي تكتيك سياسي غير واضح وغير محدد و غير جاد في كواجهة هذه الهبة الشعبية سيولدان ردود افعال عكسية تماما , وسيجعلان من المشهد الجنوبي اكثر غليانا واكثر تصلبا امام اي معالجات حقيقة اذا ما قدمتها لاحقا واكثر نزوعا للانفصال كقرار شعبي – وليس سياسي - اخير وحينها لن تفلح اي معالجات قد تتم لاحقا .

اما اذا تم التعامل امنيا وسياسيا بالشكل المطلوب في مواجهة هذه الهبة الشعبية فان ذلك سيتيح لمن بأيديهم القرار الفرصة الاخيرة لاتخاذ القرارات المنصفة والمباشرة والجريئة والتي تنظر الى المشكلة في المحافظات الجنوبية كوحدة واحد والى ابناء المحافظات الجنوبية كأصحاب حق وليس كمنافس يتم التعامل معه بالتفاوض وبالشد والارخاء .

من بأيديهم القرار عليهم استيعاب ان معالجات مشكلة المحافظات الجنوبية هو هنا في صنعاء وليس هناك امام الهبة الشعبية , وحلها يتطلب من النافذين وهم لازالوا من اصحاب القرار في البلد ان يفهموا انه اعتبارا من هذه الهبة لم يعد من الممكن القيام باي محاولات للتفويت او للمماطلة او لشراء الذمم او المراهنة على الوقت او الاستغفال او تقديم شيء بالحصول على شيء بالمقابل .

على هولاء النافذين ان يعترفوا ان في المحافظات الجنوبية ثمة مشكلة حقيقية جادة , و انها الان قد نضجت تماما ولم تعد لعبة من الاعيب السياسة , وان حلها يتطلب ان يسلموا اولا انهم جزء من تلك المشكلة , ومن ثم يغلبوا مصلحة البلد ارضا وانسانا ويتركوا فخامة الرئيس هادي ان يتخذ القرارات اللازمة تجاه الجنوب دون اي شروط او تحفظات او عراقيل , وايا كانت الاضرار التي يرون انها ستلحقهم لم يعد من الممكن لهم تجنبها ولابد لها ان تلحقهم , ولكنهم عندما يتيحون المجال للحل الحقيقي فستكون هذه الاضرار في اقل مستوياتها وبذلك سيخدمون انفسهم ويجنبوا البلد المزيد من الويلات , مالم فان ابناء الجنوب سيفرضون الحل لمشكلتهم وما سيترتب على ذلك هو قدر اكبر من الاضرار التي ستلحق هولاء النافذين , وبالطبع ستطال الاضرار الوطن الذي سيكون اول ما سيفقده هو الخيط الدقيق الباقي له من وحدته , ولم يعد الوقت ليس في صالحهم ولا في صالح البلد . نسئل الله عز وجل ان يجنب البلد بجنوبه وشماله المزيد من الويلات والمحن .