الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٥ مساءً

تشغيل الطائفية ورافعة دماج

عبدالوهاب الشرفي
الجمعة ، ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
على مدى عقود والعالمان الإسلامي والعربي واقعين تحت دراسات حثيثة تعرضت لأدق التفاصيل في مختلف شئونهما , وقد درستها المؤسسات والاجهزة الغربية والأمريكية وايضًا الإسرائيلية دراسات سرية وعلنية تمت بصورة ممنهجة , وجمعت فيها معلومات واسعه عن عالمينا في التاريخ والحضارة والسلوك الاجتماعي و المزاج العام والديانات والمذاهب والاعراق والاتجاهات الفكرية والاقتصاد والجغرافيا وغيرها , ولم تترك تلك المؤسسات جانبا من الجوانب الا ودرسته وبمستوى يفوق كثيرا الدراسات التي قام بها أبناء العالمين انفسهم .

كانت تلك الدراسات تتم تحت أغطية متعددة من أبرزها الحركة المعلنة والتي روج لها كثيرا في عالمينا وهي المعروفة بحركة " الاستشراق " , وقد قوبلت بترحيب واسع وتسهيل كبير وتعاون لامحدود لا نها ترفع الشعر العلمي وتبادل المعارف , ورغم ان كل ذلك كان يتم بإتجاه واحد فقط إلا إن ذلك لم يمثل عائقا لها نظرا لإظهار الهوية التي يحملها المستشرق - التي كانت في الغالب جنسيات أوروبية - واخفاء العقيدة أو الديانة و التي اتضح فيما بعد أن ما لا يقل عن 70% من المستشرقين الذين عملوا في عالمينا كانوا يحملون جنسيات أوروبية ولكنهم يهودييّ الديانة , ولهم ارتباط مباشر بالصهيونية العالمية وبمشروعها في المنطقة المتمثل في إنشاء الكيان الاسرائيلي .

الإستخبارات الأمريكية و من قبلها البريطانية و الصهيونية كذلك اكتسبت خبرة واسعة في العمل داخل عالمينا الاسلامي والعربي . واصبح لديها من تراكم التجربة ما يسمح لها بالتوغل في مختلف قضايا العالمين عميقا .

وقد تدخلت تلك الاجهزة مباشرة في انشاء الدول التي قامت على تركة الأرض التي اخلتها الدولة العثمانية بعد انكفائها على تراب تركيا , وتلاها تشكيل العديد من التداولات السياسية في تلك الدول والتي تنشئ علاقات قوية مع اغلب الاوعية السياسية فيها وتلعب دورا مهما في عملية وصولها للسلطة واستقرارها فيها واستبدالها وتحالفاتها , وهي تتبع في ذلك اسلوب تخويف او ضرب بعضها ببعض لضمان سير الجميع ضمن خطوط حمراء لا يجب تجاوزها لمن اراد الاستمرار .

كما أن تلك الاجهزة الاستخباراتية ذات ارتباط بالعديد من المؤسسات والمنظمات وحتى الشخصيات العامة والمدنية و منها ما يدين لها بالوجود فضلا عن حماية نشاطها وهذا طبعا فوق تمويلها , وبالتالي فهي تتعاطى مع بعضها مباشرة وفق الروئ التي تجعهما على الاقل , كما أن اجهزة الإستخبارات تستخدمها في تنفيذ برامج عادة ما تكون مرعيّة منها , كما تقوم بالترويج لها ولمخرجاتها وبالقدر الذي تكون فيه تلك المخرجات منسجمة مع مأربها في العالمين الاسلامي والعربي.

بجانب توفر المعلومات والقدرة الاستخباراتية تحظى وسائل الاعلام ووسائل المعلوماتية المملوكة للغرب وللصهيونية العالمية بقدرة عالية وبانتشار واسع تمكننها من صياغة الراي العالم في عالمينا و توجيهه وتعبيته "بالمشهد" المراد لهما في مختلف الشئون.

تسيطر الصهيونية العالمية بشكل كبير على وسائل الاعلام وعلى وسائل المعلوماتية من خلال مراكز نقل وتداول وتوثيق المعلومة والصورة وبرمجتها وبثها وحجبها وتحويرها او اخفائها او حتى اصطناعها , ومن ثم مخاطبة الرأي العام في عالمينا مباشرة عن طريقها , وكانت في المراحل السابقة تتم بلغتنا ولكن من خلال مؤسسات أوروبية عالمية لكنها اليوم طورت اسلوبها لتخاطبنا بلغتنا ومن خلال مؤسسات اُنشأت تحت مسميات خاصة بنا , وهذا فضلا عن استخدام قدرتها الاعلامية العالمية وقدرتها المعلوماتية الكبيرة في عمليات الدراسات وعمليات التجسس ولم تعد حتى تتحفظ على انها تقوم بذلك باستخدامها .

للصهيونية العالمية ثلاث عناصر هي توفر المعلومة عن عالمينا العربي والإسلامي , والقدرة الاستخبارية للعمل على ارضهما , والتفوق الإعلامي والمعلوماتي القادر على العمل الواسع في تشكيل الرأي العام بهما , وهذه العناصر الثلاث تعطيها قدرة لا يستهان بها في إدارة العديد من الملفات وتحريك الكثير من الاوعية الاجتماعية ومن التجمعات الانسانية في عالمينا دوان ان تدري اغلبها انها محرك منها .

ما تركز عليه الصهيونية العالمية - اعتمادا بالدرجة الاولى على " المخرج الأمريكي " - في هذه الفترة لانهاك المجتمعات وللاستفراد بثرواتها ومقدراتها ولتوفير الحماية وضمان التفوق النوعي الشامل للكيان الاسرائيلي هو ورقة " الطائفية " , والتي بدأت بتحريكها بقوة وتذكيها ما وجدت الى ذلك سبيلا وبشكل فاضح .

اليمن ليست إستثتاء فهي دولة من دول العالمين الاسلامي والعربي والعمل على تشغيل الطائفية فيها هو ما تعمل عليه الصهيونية العالمية كما تعمل في اي دولة اخرى من دول هذين العالمين , وبالطبع اليمن عبر تاريخه الحديث على الاقل لم يمارس فيه اي خطاب طائفي فضلا عن ان تمارس ممارسات طائفية وفضلا عن الإحتراب طائفيا , لهذا كان لابد لمنفذي أجندات الصهيونية العالمية من البحث عن المنفذ الذي تنفذ منه لتشغيل الطائفية فيه و لتوجد الحال الذي سبق واوجدته في اكثر من بلد اسلامي وعربي .

الاجندات الصهيونية العالمية تلاقت مع أجندة القوى الاقليمية الي تعتمد في مدّ نفوذها السياسي على استخدام ثقافتها المذهبية سواء بنشرها او بتكّوين جيوب من حامليها ليكونوا في مواجهة اي كيانات ترى تلك القوى الاقليمية عدم انسجامها مع اجندتها , واليمن هو دولة من دول المنطقة التي تعتمل فيها ادوار اقليمية بشكل مباشر وهيكلي , والورقة الطائفية هي وليدة " شرعية " لهذه القوى اينما امتد نفوذها واليمن ليس استثناء بالطبع .

الأجندات السابقة التقت ايضا في اليمن مع أجندة القوى التسلطيّة في الحفاظ على مصالحها التي كوّنتها خلال عقود من تسلطها في البلد و التي بدأت تتعرض للخطر في بضع السنوات الاخيرة , وكون عبث وتسلط هذه القوى في العقود الماضية قد افقدها القدرة على استخدام الورقة الرسمية وكذلك الورقة القبلية فلم يعد متاحا لها إلا الورقة " الطائفية " لتحاول استخدامها .

التقت في اليمن الاجندات الثلاث في الحاجة للورقة " الطائفية " وبالتالي كان لابد من خلق هذه الورقة في وسط ليست موجودة فيه من قبل , ومن الطبيعي ان تكون بؤرة " تمايز مذهبي " مثل مركز سلفي يقع في منطقة معروفة بانها زيدية المذهب هدفا لمن يريد خلق الورقة الطائفية في اليمن .

دون وعي من الكثير ممن ينخرطون في هذه الفتنة الحاصلة في دماج بدأت القوى التي لها اجندات في اليمن باستخدام دماج كرافعة للورقة الطائفية في اليمن, وهذا الامر هو ما اتمنى على الاخوة السلفيين في اليمن والاخوة انصار الله التمعّن من حولهم وقراءة الموقف جيدا وتفويت الفرصة على قوى الاستكبار العالمية والاقليمية وعلى قوى التسلط في الداخل .