الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٧ صباحاً

فخامة الرئيس و " بشارة خير "

عبدالوهاب الشرفي
الجمعة ، ٢٥ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
في اليمن لا يمكن الفصل بين المشّكل السياسي الحاصل فيه وبين مشكلة الفساد العريض الذي يعشعش فيه منذ عقود , فبيئة البلد السياسية تتسم في حالتها المفترضة بالعديد من السمات التي تجعل من التنوع السياسي فيه حراكا ايجابيا , وما يحيل هذا التنوع السياسي الى مشكلات عويصة اربكت البلد بالكامل هو ارتباطه القوي بالنفوذ والمصالح المستندة على الفساد .

نجانب الصواب كثيرا اذا ما تصورنا ان " التجاذبات " السياسية الحاصلة في البلد بين العديد من القوى السياسية - المستندة على النفوذ وليس على البرامج - هي نتاج للاختلاف في تصوراتها " للمصلحة الوطنية " , فحقيقة هذه " التجاذبات " هي انها حالة من الصراع على المصالح والنفوذ التي كونّتها القوى المتجاذبة بأساليب و مصادر فساد ولكنها تتم تحت غطاء القضايا السياسية .

اذا لم يكن الفساد هو مشكلة البلد الاولى فهو لاشك ضمن مشاكل الصف الاول التي تعصف بالبلد او تكاد , ويمكن وضع الفساد في نفس مستوى المشّكل السياسي من ناحية الاهمية ومن ناحية التأثير, ويضل الفساد محتفظا بميزة انه احد اهم المحددات للمواقف التي تبديها العديد من القوى السياسية تجاه العديد من القضايا الوطنية بما فيه قضايا الصف الاول كشكل الدولة على سبيل المثال .

كانت عملية التحول الى " يمن جديد " التي بدأت يعد احداث العام 2011م تحتم على فخامة الرئيس هادي ان يوّلي مواجهة الفساد في البلد اهتمام لا يقل عن اهتمامه بمواجهة المشكل السياسي وذلك منذ وقت مبكر من فترة توليه الرئاسة في البلد .

كثيرا ما تم انتقاد عدم توجه فخامته لهذا الامر خلال الفترة الماضية من تولّيه وذلك كون المعادلة التي تحكم مواقف العديد من القوى السياسية والنافذة تجاه القضايا السياسية التي يهتم فخامته بمعالجاتها هي : مصالح ونفوذ متكوّنه من فساد يترتب عليها مواقف سياسية تحافظ على اكبر قدر يمكن من تلك المصالح وذلك النفوذ , والتوجه لمواجهة الفساد كان سيسلب تلك القوى كثير من قدرتها على ارباك المشهد كلما تصادمت عملية المعالجات السياسية مع مصالحها ونفوذها , وهو ما سيفرض عليها قدرا اكبر من التعاطي الجاد مع عملية معالجة المشّكل السياسي .

ما كان يجب ان يكون الهامش المتاح للترتيب فيما يتعلق بأهمية مواجهة الفساد هو التفريق عند المواجهة بين " استمرار الفساد " والذي كان يجب ان يكون الاهتمام به هو نفس الاهتمام بالمشّكل السياسي , وبين الفساد الذي تم تكونه قبل البدأ بعملية التحول الجارية في البلد وهو الذي كان من المقبول تأجيل معالجاته الى بعد المعالجات القضايا السياسية .

اجتماع فخامة الرئيس الذي تم مع حكومة الوفاق عقب اجازة عيد الاضحى المبارك والذي تحدث فيه عن ضرورة التوجه لمواجهة الفساد هو خطوة متأخرة على كل حال ولكن يمكن اعتبارها " بشارة خير " , وهي خطوة لا تكفي مطلقا فهي كما قلت " بشارة خير " وليست الخير ذاته , وما يجب ان نلّفت عناية فخامته له ان هذه الحكومة التي حدّثها عن مواجهة الفساد هي حكومة غارقه في الفساد حتى اذنيها , وهي الحكومة الوحيدة في العالم التي يغادر 16 وزيرا من وزرائها البلد في وقت واحد ما يدل على استهتارها البالغ بالبلد وبمهماتها , فضلا عما تكبدته الخزينة العامة نتيجة ذلك .

ترتيبا على " بشارة الخير " هذه نتمنى على فخامة الرئيس ثلاث امور حتى يمكننا القول ان هناك مواجهة للفساد تتم في البلد , اولها : رفع وتيرة إعتنائه بالحديث عن هذا التوجه لمواجهة الفساد وتحذيره للفاسدين وذلك في المناسبات والفعاليات المختلفة التي يتحدث فخامته فيها , وثانيها : تفعيل توجيهه برفع تقارير الاداء كل ثلاث اسابيع ليتجسد كآلية عملية أنصح ان يشكّل لها وحده ادارية تتبعه مباشرة ويكوّنها من الاكاديميين والمختصين لتتولّى وضع آلية الرقابة بالتقارير وادارتها كذلك ,.وثالث هذه الامور: اجتماع فخامته بالوحدات الادارية المعنية بمواجهة الفساد من الهيئة العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولجنه المناقصات والمزايدات ونيابات ومحاكم الاموال العامة والمحاكم الادارية وحثهم على القيام بدورهم بما يتناسب مع حجم الفساد وحجم التوجه الجاد لمواجهته ومطالبتهم بخطوات فاعلة في هذا الاتجاه بما فيها احالة المفسدين الى المسائلة القانونية ايا كانوا .

يا فخامة الرئيس بصفتي محاسب قانوني مختص في العمل الرقابي والمحاسبي والمالي اقول لك : مواجهة " استمرار الفساد " ليست بالصعوبة التي قد يتصورها البعض , وإظهار التوجّه الجاد للمواجهة بحد ذاته كفيل بان يجعل الكثير من العابثين يراجعون حساباتهم ويتوقفوا عن الكثير من الممارسات الخاطئة التي يقومون بها فما بالك بالمواجهة ذاتها .