السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٤ مساءً

من الذي استخدم الكيميائي في سوريا ؟

عبدالوهاب الشرفي
الاثنين ، ٢٦ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
في اليوم الأول لوصول بعثة الأمم المتحدة للتّحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في القتال الحاصل في سوريا , تفاجئ العالم بضربة جديدة هي الأكبر باستخدام السلاح الكيميائي , ذهب ضحيتها ما يزيد عن 1300 مدني .

ضحايا العمليات القذرة باستخدام السلاح الكيميائي في سوريا هم من المدنيين , وليسو من قوات الجيش العربي السوري كطرف ولا من قوات الجيش الحر و عناصر المليشيات الأخرى التي تقاتل في سوريا كطرف ثاني .

لا يمكن القبول بأن أي من الطرفين المتقاتلين في سوريا هو من يستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين السوريين , لان استخدامه ضد المدنيين بالذات يتطلّب عقيّدة قتالية مختلفة , غير تلك العقيدة القتالية التي يحملها الجيش العربي السوري وغير التي يحملها " المقاتلون له " .

كما ان كل من الطرفين المتقاتلين يعلم انه يحكم على قوته بالتفكك , وعلى ما يتوافر له من التأييد المدني بالتقلص وربما الانتهاء , وذلك في حالة إقدامه على استخدام السلاح ضد مدنيين فضلا عن السلاح الكيميائي .

وباستثناء حوادث عرضيّة , لم يثبت بحق كلا الطرفين تحديد المدنيين كأهداف قتالية لأي منهما , ولم يستخدم أي منهما بشكل واسع ومباشر السلاح التقليدي ضد المدنيين طوال فترت التقاتل كاملة والتي تقارب ال 3 سنوات حتى الآن فضلا عن الكيميائي .

المنطقة التي استخدم فيها السلاح الكيميائي هي من المناطق التي تتداخل فيها قوات الطرفين بشكل كبير , وأي طرف سيستخدم السلاح الكيميائي فيها لن يحكم على مقاتلي الطرف الأخر فقط بالقتل وانما حتى على مقاتليه المتواجدين في تلك المناطق .

أضف الى ذلك ان كل من الطرفين يدين تلك العمليات ,وينفي قاطعا ان يكون هو من استخدم ذلك السلاح او استهدف مدنيين , ويطالب بالتحقيق الأممي فيها , ولا يعقل ان يقوم ايا منهما بضربة جديدة في ضل وجود المحققين الأممين كون ذلك سيجعل من الآثار والادلّة والمعلومات التي سيقف عليها الفريق الأممي أكثر حضورا وتوفرا ووضوحا لكون العملية " طرية " .

لا شك ان استخدام السلاح الكيميائي في سوريا باعتبار المستهدف ( مدنيين ) وباعتبار الظرف ( وجود المحققين الأممين ) لا يمكن ان يقوم به الا طرف تتوفر له 4 مزايا كحد ضروري وأدنى . و أولها ان يحمل هذا الطرف عقيدة قتالية تسعى لتحقيق هدف أخر غير التمسّك بالنظام وغير إسقاطه كذلك , وان تؤمن بالعداء للسوري جملة , وتقبل التضحية به في سبيل تحقيق الهدف , دون تفريق بين ما اذا كان مقاتلا او مدنيا , مع النظام او ضد النظام , او لا مع ولا ضد .
كما انه طرف له خبرة كافية وإمكانية عالية في الوصول والتحرك في مناطق سورية بحرية وبقدرة على إدارتها تمكنانه من القيام بعملية إطلاق السلاح الكيميائي منها , وتمكنانه أيضا من طمّس الآثار وإخفاء الأدلة واحتكار المعلومة بأكبر قدر ممكن لتلافي وقوف المحققين على الفاعل , او جعل إمكانية التعرف عليه في ادني الحدود على الأقل .

أضف الى ذلك ان تكون له قدرة واسعة على التصرّف لا تقف عند حدود المناطق التي يستخدمها داخل سوريا , وإنما تتّسع بشكل دولي لتمكّنه من التحكم - بقدر مناسب - في أي تحقيق قد يتم في العملية , ولصرف الأنظار عن أي اثأر او أدله او معلومات قد تظهر بشكل مفاجئ , لم يكن قد تمكّن من طمّسها او لم يأخذها في حساباته .

المواصفات السابقة تصل بنا الى اليقين ان عملية استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في سوريا هي عملية استخباراتية بامتياز , ومن نفذها هي أجهزة استخبارات عالمية ذات نوعية وحرفيّة عاليتان .

كان الحديث عن وجود السلاح الكيميائي وعن استخدامه في سوريا قد صدر وبشكل مركز ورسمي من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الكيان الإسرائيلي منذ بداية الاقتتال في سوريا , ومن قبل ان يتم استخدام السلاح الكيميائي في ذلك القتال , وحتى من قبل ان يلاحظ المتابع للعمليات القتالية أي حاجة لأي طرف من المتقاتلين في استخدام هذا النوع من السلاح .

كان ذلك الحديث عن استخدام السلاح الكيميائي حديثا موجها منذ البداية باتجاه النظام السوري وانه " ينوي استخدمه ضد المسلحين وضد المدنيين " . وبعد الاستخدام الأول لسلاح الكيميائي كان النظام السوري هو الأكثر تمسكا بضرورة التحقيق الأممي في ذلك .

عقب الاستخدام الأخير للسلاح الكيميائي كانت تصريحات روسيا وبعدها تصريحات إيران فورية وقوية وقاطعة بشكل لافت بان من استخدم السلاح الكيميائي ليس النظام السوري , واتضح لاحقا ان مصدر تلك السرعة وتلك الثقة في التصريحات الروسية و الإيرانية هو رصد روسيا لعملية إطلاق الصاروخ عبر أقمارها الصناعية , وانها تمت من منطقة يسيطر عليها المسلحون وليس النظام .

إطلاق الصاروخ من منطقة يسيطر عليها المسلحون لا يعني بالضرورة انهم من أطلقه على المدنيين , ولكن كونها تخضع لسيطرتهم فهو أمر ذو دلالة , اذ انه يمكن اعتبار المناطق الخاضعة لسيطرتهم مناطق مفتوحة لعمل المخابرات الخارجية باعتبار مساندتها للمعارضة وتكفّلها بإيصال بالإمدادات المختلفة لها الى مواقعها .

التمعّن في ما سبق مع استيعاب تفاصيل الأزمة السورية والمشهد السوري الراهن وكذلك المواقف والتصريحات الدولية بهذا الخصوص , سيمكن معه الترجيح بان من قام بتلك العمليات هو احد جهازين مؤهلين لها او كليهما , وهذان الجهازان هما الاستخبارات الأمريكية و الإسرائيلية .