الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١١ صباحاً

فخامته لم يحرك ساكنا

عبدالوهاب الشرفي
الثلاثاء ، ٠٦ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
جوهر الاحداث التي اتت بفخامة الرئيس هادي الى سدّة الحكم هو الفساد واسع النطاق الذي كان ممارس في فترة تولي الرئيس صالح الحكم في البلد , فنظام الرئيس صالح كان يمارس الفساد ويشجع على ممارسته , ولا ابالغ اذا قلت انه لم يحصل على قرار جمهوري بالتعيين في منصب رفيع في فترة حكمه الا من أوّغل في الفساد وفي النهب , وكان " مزاج " القرارات الجمهورية هذا معروف للجميع , والعديد من مسئولي فترته كانوا يعملون على ان يكونوا من "المبرّزين" في الفساد لأنهم يعرفون انهم سيكافئون بالترفيع.

كان الرئيس صالح ونظامه يعون انهم ينهبون , ولكي " يتركوا في حالهم " تركوا هم من اراد من غيرهم ان ينهب لينهب , ولذلك فطوال فترة حكمه التي اصبحت في الفساد والنهب اشهر من نار على علم , لم يحاسب فاسد واحد على فساده !! . حل الفاسدون في كل مواقع الدولة الرسمية , وأصبح " المسئولون " هم اثرى اثرياء البلد وكله من " ظهر " الوزارات والمؤسسات والمرافق التي تولوها.

ولم يقف الامر هنا ولكنه وصل الى الكثير من الشخصيات العامة غير الحكومية فأفسدها واشترى ذممها , وهي بدورها أتقنت اللعبة واستباحت البلد طولا وعرضا , فكانت تخدم النظام الفاسد وتقبض " اتعابها " , او تبتزّه وتأخذ " حقها " , وأصبح حالها حال مسئولي الدولة في الثراء , وكله من " ظهر " المال العام والمصالح العامة، وسلمت البلد بذلك لأيدي " السرق " رسميا وشعبيا .

لم يقف الامر هنا ولكنه وصل الى كل من يمكنه ان يمارس الفساد و" القطقطة " في اي موقع كان . فقد افسد المسئولون والشخصيات العامة اغلب من كانوا تحت تصرفهم , سواء باستخدامهم كمسهّلين ومنفّذين لفسادهم و " كله بحقه " , او بتحويل كامل البيئة الى بيئة فاسدة اجبرت الكثير ممن يعمل فيها على ان يفسدوا و " كل على قدرة " , وأصبح ذلك هو الطريق الوحيد الذي بقي متاحا لمن اراد ان " يكفي نفسه " , بعد ان ذهب المسئولون والشخصيات بما هو مفترض ان يفي بكفايته الجميع .

لم يكن المسئولون والشخصيات العامة وجزء ممن هم تحت تصرفهم من موظفين وعسكر و " منافعين " الا عددا قليلا من شعب قوامه 24 مليون مواطن . وهذا العدد القليل تمكن من ان يحتكر على نفسه ما هو مفترض ان يستفيد منه الجميع من المال العام و من الثروات ومن المصالح ومن المنافع . وبلغ الحال في البلد مبلغا لم يعد من الممكن في ضله ان يستمر كدولة وكشعب مستقرين , وأصبح اليمن بلدا فاشلا بكل المقاييس .

فشل الدولة هذا هو الذي هدد وحده الوطن . وجعل منه ساحة لا كثر من حرب منها ماشنتها الدولة على بعض من شعبها . وبلغت كل الصور السلبية في البلد حدا قياسيا , من بطالة ومن امراض ومن تردي خدمات ومن اختلالات امنية ومن هجرة ونزوح , وغير ذلك من المشكلات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا وخدماتيا . خرج الملايين الى الميادين " لاقتلاع " هذا الفساد الغير مسبوق .

لا ننكر ان من بين تلك الملايين من كان يدفع به للخروج " بعض النظام " للكيد " ببعض اخر من النظام " , لكن دافع الخروج كان هو الفساد , لأنه حتى هولاء المدفوعين " بالمكايدة " لولا الفساد لما تمكن من دفع بهم من إستخدامهم مستفيدا من الحاجة الفعلية والمحقة لهم في " اقتلاع " الفساد .

حاجة البلد الى " إقتلاع " الفساد هي التي دفعت بفخامة الرئيس هادي الى رئاسة البلد . وبالفعل آلت اليه البلد في حال صعب ومستعصي ولا مجال لإنكار ذلك . ولكن السؤال الذي سنوجهه له : ما الذي فعلته فخامتك في سبيل مواجهة جوهر مشكلة البلد هذه ( الفساد ) ؟! .

توالت فضائح حكومة الوفاق في التصرف العابث بالمال العام وبالمصلحة العامة في عهدك بصورة لا تقلّ عن فضائح حكومات العهد السابق ! . تم توريطك في التوظيف والتجنيد النفوذي وعلنا ! . لم تهتم بموضوع تصحيح حال هيئة مكافحة الفساد ولم تزر اجهزة الرقابة الاخرى في البلد ولم تشد عليها او تتابع ادائها ولو قليلا ! . تم استخدمك في تكريس النفوذ وتكريس الفساد بقرارات التعيين التي تصدرها والتي لا تستند على مبدأ الكفاءة والتأهيل لمرة واحده ! .

لم تغيّر احدا ممن ذاع صيتهم وفاح ريحهم بالفساد في الماضي , ولا زال ذائعا وفائحا في عهدك ! . و لم تهاجم الفساد و المفسدين بحقهما من الهجوم في اي مناسبة او اي خطاب لك ! .

اتفهّم كثير ملابسات الظرف المتأزم في البلد وحاجته لشيء من الليونة , وانه يفرض على فخامة الرئيس الاقدام على خطوات لا يقتنع بها , او الاحجام عن خطوات كان يجب عليه القيام بها , وكثير ما كتبت للفت نظر الناس لهذا الامر ومناشدتهم مساندته . ولكن عدم القيام بأي شيء تجاه الفساد والمفسدين هو امر لا يمكن تبريره بملابسات الظرف الذي يمر به البلد , فبالإمكان القيام بقدر متناسب من مواجهته , بل يفترض ذلك كخطوة من خطوات المعالجة لظرف البلد المتأزم هذا .

قد نقبل ان لا تكون مواجهة الفساد تلك المواجهة الواسعة - والتي هي ابتداء مفترضة ومطلوبة للبلد - وذلك كون مواجهة جزء من ذلك الفساد يتطلب بيئة سياسية لم تتوفر في البلد حتى الان رغم ما تم فيه من احداث " لتّغيير " , ولكن لا نتفهم وليس مطلوب حتى ان نتفهم عدم فعل اي شيء تجاه ملف الفساد , بل ومسايرة فخامة الرئيس احيانا لأعمال فساد و التغاضي عنها احيانا اخرى .

يا فخامة الرئيس اولوية الحوار الوطني لا تعني " أخرويّة " مواجهة الفساد تحت اي مبرر كان , وما يجب هو اعتنائك بمواجهة الفساد " بقدر متناسب " بالتزامن مع اعتنائك بالحوار .

الناس بدأت تضج من عدم فعل شيء تجاه الفساد , والذي زادت بعض صوره بدلا من ان تقل , وضرر ذلك عليهم يزداد يوما عن يوم بالتبعية . والدولة تتجه لمجاوزة الفشل الذي هي فيه و الوقوع في حالة الانهيار التام . وكل هذا نتيجة هذا الملف الخبيث ( الفساد ) الذي لم يلقى حقه من العداء من اي رئيس تولى الحكم في البلد . اضف الى ذلك ان العديد من ملفات مؤتمر الحور لن تلقى حلا لها مالم يتم التمهيد له بمواجهة الفساد .

يا فخامة الرئيس القدر المتناسب مع ظرف البلد هو امر مفيد حتى لك في مواجهة القوى التي تتصارع من حولك , وأحيانا تستخدمك في صراعاتها تلك . انهم يعملون على تكرار ذات الاسلوب الذي تم التعامل به مع الرئيس صالح في التعامل معك , فالفساد الضاغط على مواطنيك هو ما يتم توظيفه لإثارة الناس المنهكين واستخدامهم في إحداث المشاكل هنا وهناك , ويكون ثمن تلك المشاكل تقديمك المزيد من التنازلات لتلك القوى . بينما لن يكون من الممكن لتلك القوى ان تستغل ضغط الحاجة و سخط الناس من الفساد وتحركهم للمزيد من توتير الوضع اذا ما لمس الناس منك توجها متناسبا لمواجه الفساد .

يا فخامة الرئيس الدعم الدولي الذي تعّول عليه البلد - والذي تبذل الجهود تلو الجهود للحصول عليه بتكرار المطالبة للدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها - المانع من وصوله ليس عدم رغبة المانحين او حاجتهم للمتابعة . المانع من وصوله هو ما طرحوه بالكلام الواضح , ولكن لم تسمعه فخامتك ولم تسمعه حكومتك . وهو ان وفائهم بالتزاماتهم مرهون بجهود اليمن في مكافحة الفساد .

وحتى لو افترضنا ان المتابعة ادت الى الحصول على جزء منه فلن ينفع ذلك البلد في شيء , لان " غوّل " الفساد سيلتهمه كما التهم مليارات الدعم ومليارات المساعدات من قبل . توجهك لمواجهة الفساد هو ما سيضمن وصول الدعم الذي " تلاحق له " الى البلد دون كل هذا العناء وكل هذه " المراشاه " , كما انه سيجعل البلد تستفيد مما تحصل عليه اكبر استفادة ممكنه , ستخفف من المشاكل التي تضغط على الدولة وعلى الشعب وعلى فخامتك . يا فخامة الرئيس في ملف الفساد انت مقصّر بقدر كبير , انت لم تتوجه لمكافحته كما يجب , انت لم تستخدم اجهزة مكافحته كما يتطلبه الحال .. يا فخامة الرئيس في هذا الملف انت لم تحرك ساكنا ولا فاسدا .