الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٢ صباحاً

حديث عن نصوص التشريع في الدستور

عبدالوهاب الشرفي
الاربعاء ، ٢٤ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
يمكن النظر الى الدستور على انه قانون عام يتم الانتهاء الى نصوصه عند اختلاف وجهات النظر او التقديرات بين المقننين عند اعداد نصوص القوانين الادنى " الخاصة " . فنصوص الدستور هي من النصوص المحددة " للمشرّعين " عند وضعهم التشريعات القانونية التي تعنى الدولة بتطبيقها في مختلف المجالات .

النصوص الدستورية هي نصوص " قانونية " " فنية " "متخصصة " . وليست كلاما عاما نابعا من وجهات نظر او تقديرات شخصية , دون إدراك لمدى ملائمه هذا الكلام ليمثّل نصا في دستور البلد من عدم ذلك .

بالتزامن مع تعرض مؤتمر الحوار الوطني لمشروع الدستور اثار بعض " الاسلاميين " "جلبة " اعطت انطباعا ان هناك من يعمل على رفض الدين واقصاء الاسلام بتبني استبدال او تعديل بعض المواد الدستورية الحالية في مشروع الدستور الجديد , مع ان المسألة ليست كذلك فهي متعلقة بمدى ملائمة النصوص التي ستعتمد لتمثّل نصوصا دستورية .

ملائمة اي نص لدستور البلد هو شأن " قانوني " و " تشريعي " و ليس شأن " اعتقادي " . , ووفقا لمنطق بعض " الاسلاميين " هولاء , ستكون فكرة وضع دستور للبلد إبتداء هي من " المحرمات " في ضل وجود القران الكريم الذي هو دستور المسلمين من ناحية " اعتقادية " . ولكن حقيقة الامر ليست كذلك وانما الحاجة الى نصوص ذات طابع قانوني بحت هي التي جعلت من وضع دستور للبلد امرا مقبولا لكون نصوص القران الكريم اوسع من ذلك بكثير .

اليمن بلد الغالبية العظمى من مواطنيه مسلمون , وليس فقط " الاسلاميين " هم المسلمين فيه . ومن غير المقبول ان يشهر بعض " الاسلاميون " " سيف " الاسلام في وجوه من يخالفهم الراي وهم مسلمين مثلهم . فليست وجهة نظر هولاء " الاسلاميين " فقط هي التي في دائرة الاسلام بينما وجهات نظر غيرهم خارج دائرته . وليس لدى " الاسلاميين " ميّزه علمية او نفسية او سيادية لا تتواجد لغيرهم , وتمنحهم حق ان يكونوا هم المحددين لغيرهم . والتمايز داخل دائرة الاسلام هو في إطار " التقدير " وليس في اطار " الامتياز " . فالمسلمون داخل دائرة الاسلام يختلف طرف منهم مع طرف اخر في تقديره لبعض القضايا , ولكن لا " امتياز " لتقدير طرف على تقدير طرف اخر , و تقديرات الجميع تضل داخل دائرة الاسلام وصادرة عن اطراف جميعها تدين به .

الاسلام " عقيدة " و " شريعة " , وفي الاولى لاوجود لنقاش او جدل , والثانية هي التي يوجد فيها الاخذ والرد . وهذا الاخذ والرد هو بين أطراف كلهم مسلمون . ولا شك ان رفض او تعطيل " الشريعة " هو رفض و تعطيل " للعقيدة " ايضا , وليس بين المسلمين من يسعى لإخراج نفسه الى الكفر فيرفض او يسعى لتعطيل الاسلام .

الحقيقة ان محور الاخذ والرد في هذه الثانية ( الشريعة ) ليس حول قبول شريعة الله عز وجل او رفضها كما يصوره بعض " الاسلاميين " , ولكنه حول مدى ملائمة النصوص في التعبير عن واقع إسلامي بشكل قانوني مهني لا بشكل خطابي ودعوي .

ما يجب ان يعيه بعض " الاسلاميين " هولاء ان الاعتبارات التي بموجبها وجد دستور للبلد مع وجود دستور للمسلمين ( القران الكريم ) , هي ذاتها الاعتبارات التي ينطلق منها غيرهم من المسلمين في بناء وجهة نظرة عن مدى ملائمة ورود بعض النصوص المتعلقة " بالشريعة " في دستور البلد .

" الشريعة الاسلامية مصدر التشريعات " هو نص لن يختلف عليه احد اذا كان مسمى " الشريعة الاسلامية " يعني بصورة قاطعة منظومة العبادات والاحكام والقيم والمصالح المضمّنة في الاسلام الحنيف . ولكن هذا النص يعتبر غير ملائم من ناحية قانونية ليمثّل مادة دستورية , لان مسمى " الشريعة الاسلامية " لازال موضع نقاش فكري لتحديد دلالته بالضبط , وحتى لو تم اخذه بدلالته في الغالب وهي " الاحكام الفقهية " فانه سيضل غير محددا بما فيه الكفاية ليمثل نصا قانونيا .

نصوص مواد الدستور يجب ان تكون نصوص محددة بوضوح حتى يمكن ان ينتهى اليها للفصل في اي خلاف " قانوني " عند سنّ القوانين , ومسمى " الشريعة الاسلامية " – اذا اخذناه بدلالته في الغالب تلك - سينقصه هذا التحديد الواضح الذي يحتاجه " المقننون " . فمن جهة هناك خلاف في الكثير من الاحكام الشرعية المتبنّاه من قبل " الفقهاء " , فهل يعني هذا المسمى " الشريعة الاسلامية " احكام فقه الشافعية ام احكام الزيدية ام احكام الصوفية ام احكام غيرهم .

ومن جهة ثانية فان كثير من جوانب الحياة التي يتم التقنيين فيها لا ورود لها في ما تراكم من الاحكام التي تدخل تحت مسمى " أحكام الفقه " , فالمجالات التخصصية والمهنية ليس لرجال الفقه فيها " ناقة ولا جمل " كونها ليست من فنونهم , ولا تغطيها أحكام الفقه المتراكمة عنهم . .

" الاسلام دين الدولة " هو ايضا نصّ غير ملائم ليكون مادة دستورية , لأنه توصيف غير سليم . فالدولة هي شخصية اعتبارية وليست شخصية معنوية , والشخصيات الاعتبارية هي ذات طبيعة إدارية وتنفيذية و ليست ذات طبيعة عبادية و اعتقادية , فالله عز وجل سيحاسب البشر على ما يدينون به وليس " الدول " .

" الاسلام دين الشعب اليمني " هو ايضا نص غير ملائم ليكون نصا دستوريا , لسبب طبيعة الشخصية الاعتبارية " الشعب اليمني " والتي حالها حال شخصية الدولة . وايضا لان هناك قلّه من غير المسلمين ( يهود ) هم من ابناء الشعب اليمني , ولا يجوز حرمانهم من انتمائهم لهذا الشعب لانهم غير مسلمين .

لعل النص الذي قد يكون الانسب هو " الاسلام دين الغالبية العظمى من مواطني الجمهورية اليمنية " لأنه نص محدد بان ديانة الغالبية العظمى لليمنيين هي الاسلام , كما انه يعكس الواقع فلا يحرم الاقلية من غير المسلمين مواطنتهم . كما ان مسمى " الاسلام " - وليس " الشريعة الاسلامية " - هو مسمى لمنظومة العقيدة والشريعة معا اي مسمى لمجموعة العبادات والاحكام والقيم والمصالح التي يتحقق بمجموعها " واقع مسلمين " , كما انه نص مانع لان يتم تقنيين ما يتعارض مع دين الغالبية العظمى من مواطني البلد لتحكم به شئونهم , أضف الى ذلك انه يفتح الباب لان تقوم الدولة بسنّ قوانيين خاصة بالأقلية من غير المسلمين فيها لما يتعلق بالشئون التي يحكم بها دينهم فيما بينهم , و تتولى تنفيذ باعتبارهم من مواطنيها .

الجميع مدعوون لان يقفوا مواقفهم دون اعتبار لأنفسهم انهم فوق احد , او انهم محددون لغيرهم , او انهم من يجب ان ينتهى الى وجهات نظرهم و تقديراتهم . او انهم من يهتم للإسلام و غيرهم الاسلام لا يعنيه إن لم يكن يعارضه !! , جميعنا مسلمون ويجب ان يتم العمل من هذا المنطلق للوصول الى النصوص الدستورية بصورة " قانونية " " فنية " " متخصصة " , بدلا من هذا الاسلوب الذي يتّبعه البعض و لا طائل منه .