السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٤ مساءً

ليلة الخامس عشر من شعبان بين التراث الموضوع والطقوس الشكليه

عبد الرحمن الحمراني
الاربعاء ، ١٩ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١٠:٢٦ صباحاً

قبل الحديث عن هذه الليلة يجب ان نقف عند بعض المحددات التي سنعتمد عليها ، تتمثل بالوقوف المختصر على بعض الروايات التي اوردها اهل السنة والروايات التي اوردها الشيعه في كتبهم وذلك بما هو متوفر لدينا من مراجع ، ثم ننظر في نقدها وما أثرت فيه من طقوس شكليه عبادية ما انزل الله بها من سلطان .

ولنقف قليلا عند روايات اهل السنة في فضل هذه الليلة : من ضمنها ما روي عن أبي موسى الأشعري ، عن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ، قال : ((إن الله تعلى ليطلع في ليلة لنصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)). رواه ابن ماجه. (مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح (4/ 675) ، و عن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم : إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول : ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر ] ، ومنها حديث عائشة قال : فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرجت فإذا هو بالبقيع رافعا رأسه إلى السماء فقال : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله فقلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال : إن الله تبارك و تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) ( الخلاصة في شرح الخمسين الشامية،ص: 303ـ 304)

وقد صحح ابن حبان معظم هذه الاحاديث ومن المعروف ان ابن حبان كان متساهلا في التصحيح ، ومما يؤكد القول بعدم صحة هذه الاحاديث ما جاء في فيض القدير شرح الجامع الصغير (2/ 402) ان ابن دحية رحمه الله قال : لم يصح في ليلة نصف شعبان شئ ولا نطق بالصلاة فيها ذو صدق من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية راغب في زي المجوسية. اه.
وبناء على هذه الاحاديث الضعيفة فلا غرابة ان رأينا بعض المفسرين يفسر قوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4]} (الدخان : 4) بانها ليلة الخامس عشر من شعبان ، وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر. ـ تفسير قوله تعالى : (تفسير السراج المنير ،4/ 414)
واعتمادا على هذه الروايات فقد بنيت عليها عددا من الاعمال الخرافية التي يظن اصحابها انهم يتعبدون الله بها ، من ذلك الاحتفال بالشعبانية كعيد ، وزيارة القبور فيها والمدائح الجماعية ، وتسريج قبور الاولياء ، وغيرها من الاعمال القشورية التي تأخذ في كل مكان مقاسا مختلفا عن الاخر .

وفي كتب الشيعة نجد ان تراثهم اهتم بهذه اليوم , ولربما ان ما فعله السنة هي ردة فعل طبيعية للآثار التي اوردها الشيعة بخصوص هذا اليوم وفضله .

ان الشيعة يعتقدون ان هذا اليوم هو يوم ميلاد الامام الثاني عشر المعصوم محمد بن الحسن العسكري والذي سيملأ الارض عدلا بعدما ملأتها جورا ومن ذلك ما رواه محمد بن علي بن حمزة العلوي ، قال : سمعت أبا محمد (عليه السلام)يقول : قد ولد وليّ الله وحجته على عباده ، وخليفتي من بعدي ، مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر .. وهذه الرواية هي الغالب ما يستشهد بها الشيعة ونرى اثارها ماثلة امام العيان ، غير ان الباحث احمد الكاتب ـ وهو شيعي المذهب ـ اورد في كتابه( تطور الفكر الشيعي ص 149 )، ان ثمة عددا من الروايات التي وردت بخصوص ميلاد المهدي منها انه ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 هـ ، ومنها انه ولد في ثمانية شعبان 256 ، ومنها انه ولد في النصف من رمضان . ثم بعد ان سرد الروايات قام بدراسة الاسانيد وحال الرواة والاختلاف في الروايات ثم توصل الى النتيجة وهي ان هذه الروايات ضعيفة مروية عن مجاهيل وان ادعاء المهدوية نشأت في قم في مرحلة متقدمة لإثبات وجود خلف للامام العسكري . انظر صفحة 212 ـ 216 .

وبخصوص الطقوس الشيعية المبنية على هذه الرواية يرى احمد الكاتب (ص 267ـ 268) ، أن ثمة طقوس معتادة تلعب دورا اعلاميا مهما في تكريس الاعتقادر بنظرية المهدي وتحيولها الى (حقيقة راسخه) في أذهان الشيعة وذلك ، مستشهدا بعدد من الامثلة منها :( كالقيام وأداء التحية والانحناء عند سماع اسم القائم ، وهو ما يفعله عامة الشيعة المتدينين اليوم ومنذ زمن طويل ، الأمر الذي يبعث على الاحترام والخشوع والرهبة والتحسس بوجود المهدي والتعامل معه كأنه حي وحاضر في الاوساط .

وهناك مسجد شهير في الكوفه في العراق يُعرف بمسجد السهله يشتهر بأنه مسجد الامام المهدي ، وان من يدأب على الصلاة فيه اربعين ليلة أربعاء فإنه يحظى برؤية المهدي ، وتوجد بعض المساجد هنا وهناك في العراق تعرف ب(مقامات المهدي ) حيث يقال إنه قد شوهد (الامام) في تلك الاماكن وهو يصلي فبنى مساجد ، وإن هذه المساجد او المقامات تلعب هي الأخرى دورا اعلاميا في تعزيز الايمان بالنظرية المهدوية الاثنى عشرية وتحويلها من فرضية الى واقع مادي يعيشه الناس وينظرونه بأعينهم ).أ.هـ.