الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٦ صباحاً

الفتوحات الاسلامية .. وقبول الأخر

عبد الرحمن الحمراني
الاربعاء ، ١٢ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٥٨ مساءً

الاصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم والتسامح يدل على ذلك قوله تعالى :[ دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ] (النحل :125) [ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] (الكهف :29 ) [لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ] (البقرة : 256)؛ والاصل مجادلتهم بالتي هي احسن : [وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (العنكبوت : 46) ومبدأ [لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ] (الممتحنة : 8،)

وعلى هذا الاصل سار المسلمون في تعاملهم مع الاخر ، سواء في الفتوحات ذات البعد الديني والتي كانت تهدف الى مناصرة المستضعفين وإعتاقهم من الحكام المستبدين كالتي وقعت ضد القياصرة والأكاسرة وجيوشهم الجبارة ؛
ولذلك يرى البعض أن حركة الفكر الاسلامي هنا بمثابة حركة تحريرية لصالح الشعوب المستعمرة والمستضعفة كما قال عبادة بن الصامت لرستم قائد جيوش كسرى (لقد من الله علينا برسول جاءنا بدين أخرجنا من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان الى عدل الاسلام ، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ) ،
او في الفتوحات التي تحمل البعد السياسي الدنيوي البحت كالتي اتخذت من الدين قناعا لإضفاء شرعية لها وهي في الحقيقة كانت تحمل في خباياها بسط النفوذ وتوسعة الرقعة الاسلامية ، ففي كلتا الحالتين نجد ان اخلاق المسلمين ظهرت بارزة في تعاملهم مع الغير مهما كانت اديانهم ومعتقداتهم وأكسبت هذه الاخلاق احترام الغير لهم وبعضهم تأثر بتعاملهم على الصعيد القضائي او على الصعيد التجاري ، ولذلك نجدهم اعتنقوا هذا الدين متأثرين بما رأوا من حسن هذه المعاملة .

وهذه حقيقة لا مناص منها ؛ فأخلاق المسلمين فتحت قلوبا قبل ان تفتح ارضا ونراها حققت نتائج اكبر من فتوحات السيف والقوه كما في بعض دول شرق اسيا التي اسلمت طوعا بعاملة التجار لهم .

وسنتكلم بصورة موجزة في بعض معاملة المسلمين لغيرهم في الفتوحات الاسلامية مع التأكيد أن الزمن الماضي لا يمكن ان يقاس بالأدبيات والقوانين الانسانية الحديثة ولا يمكن ان نحاكم الماضي بمحاكم الزمن الحالي ، ومن هذا المنطلق فأننا نرى المسلمين قد عاملوا اهل الذمة والذي جرى العرف الغابر على تسميتهم بذلك: وهم الذين يعيشون في المجتمع الاسلامي من غير المسلمين ، فالذمي يعامل معاملة مقاربة للمسلم في الشئون السياسية ويكاد يقترب من مفهوم المواطنة المتساوية ، من ذلك ـ مثلا ـ ان بعض العلماء اجاز تقليد الذمي وزارة التنفيذ فينفذ اوامر الامام ، وقد تولى الوزارة زمن العباسيين والفاطميين الكثير من اهل الذمة . كما ان المسلمين قد عاملوهم احسن معاملة وضمنوا حمايتهم وأتاحوا لهم ممارسة طقوسهم وشعائرهم ولم يتعرضوا لكنائسهم ومعابدهم .
فهذا عمر بن الخطاب عندما فتح مصر على يد عمرو بن العاص ، أمن عمرو النصارى على معتقداتهم وأعاد البطريك بنيامين الى زعامتهم بعد ان كان مختفيا لمدة طويلة فرارا من بطش البيزنطيين حكام مصر في ذلك الوقت (الدعوة الى الاسلام ،توماس أرنولد ، ص 123)

ولم يتعرض المسلمون في مصر للنصارى وأطلقوا لهم الحرية في ممارسة شعائرهم ولم يعتدوا على ممتلكاتهم وعاملوهم معاملة حسنة مما كان له الاثر في دخول بعضهم الاسلام واختيارهم له وهذا لم يكن صدفه بل من حسن ما رأو من معاملة ، وكان دخولهم الاسلام لا يشكل الاغلبية قبل القرن الرابع الهجري وهذا يدل على انهم جاءوا اليه بمحض ارادتهم واقتناعهم الكامل به كخيار وحيد.

وفي الفتوحات العثمانية نرى ان السلطان محمد الفاتح لما فتح القسطنطينية سنة 857هـ/1453م اعلن انه لا يوجد لديه مانع في اقامة شعائر ديانة المسيحيين ، وأكد انه يضمن حرية دينهم ، وحفظ ممتلكاتهم ، ورجع من هاجر من المسحيين وأعطاهم نصف الكنائس ، وجمع ائمة دينهم فانتخبوا بطريكا لهم اختاروه وأقام لهم حلفا مهيبا ، ومنحه حق الحكم في القضايا المدنية والجنائية ، بأنواعها كافة بين أهل ملته ، وعين معه في ذلك مجلسا مشكلا من أكبر موظفي الكنيسة ، وأعطى هذا الحق في الولايات للمطارنة والقساوسة واستثنى ائمة الدين من الالتزامات المادية .(تاريخ الدوله العلية العثمانية ـ 60)