الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٧ صباحاً

العسكر للمعسكر و "المشايخ" للقبيله

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ٠١ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
ما ابتلي اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر بشيء اسوء من تطاول الموقع العسكري والموقع " المشيخي " , فمع ان " العسكري " و " الشيخ " موقعان طبيعيان في الدولة وفي المجتمع الا ان وضعهما بعد قيام ثورة 26 سبتمبر هو غير الطبيعي .

العسكر جزء من " المكوّن الانساني " في الدولة , و " المشايخ " جزء من المواقع الاجتماعية في المجتمع , وعلى ذلك فوجودهما ضمن الاطر الطبيعية لهذا الوجود هو امر ليس موضع نقد او مطالبة بإقصاء او الغاء , بل اننا عندما نطالب بذلك فأننا نمنح الذين يجاوزون وضعهم الطبيعي من العسكر و " المشايخ " مأخذا لصدّ المطالبة بإعادتهما الى الوضع الطبيعي لهما . وعلى ذلك فليس لنا مشكله مع العسكر ولا مع " المشايخ " وانما لنا مشكله مع تطاول بعض العسكر وتطاول بعض " المشايخ " , اي انه لا مشكله معهما وانما مع " فضولهما " .

يمارس بعض هولاء " الفضول " بشكل واسع , فيتعاطون مع ما ليس لهم شرعية او صلاحية للتعامل معه , ولا ينضبطون بالقانون والنظام , ولا يقفون عند حدود ما يحق لهم وما لا يحق , ويرون انفسهم فوق القانون عندما يتعلق الامر بهم او بنفوذهم او مصالحهم . ومن ثم يقفوّن حجر عثرة امام اداء الكثير لمهامهم او ممارسة صلاحياتهم , وامام نيل الكثير لحقوقهم كذلك , وهذا الامر بلغ الى الحدّ من نفوذ الدولة و تقلص هيبتها وفقّد قدر من سيادتها , كما انه يتسبب في اضطراب كبير في الحياة العامة للمجتمع .

يخطى الكثير عندما يتصور ان مهمة العسكر هي حماية الوطن ومكتسباته , فهذه المهمة منوّطة بالعسكر وبغيرهم , وتقتصر مهمة العسكر في القتال عندما يقرّر المعنيون بحماية الوطن ومكتسباته القتال لحمايتهما . اما يجب ان يضطلع به العسكر فهو اما تنفيذ قرار بالقتال او العمل على حفظ " الجاهزية " للقتال فيما اذا طلب ذلك في اي وقت منهم .

ويخطى البعض عندما يعتقد ان مهمة " المشايخ " هي مهمة وطنية او مهمة رسمية , فمهمتهم هي مهمة عرفيّة في اطار من ارتضى بذلك من افراد قبائلهم , و ما يجب ان يضطلع به " المشايخ " هو حل المشكلات بين المتراضين على تفويضهم في حلها من ابناء قبائلهم , وتمثيل قبيّلتهم او عدد من ابنائها في اي شأن تتراضى القبيلة او البعض من ابنائها على ان يتولى " الشيخ " تمثيلهم فيه .

لا يجب ان نتصور ان ظاهرة " العربدة " التي يقوم بها بعض " المشايخ "وبعض العسكر هي ناتجه عن وجودهم بصفاتهم الرسمية كقادة في الجيش او صفاتهم الاعتبارية " كمشايخ " في القبائل , وانما هي ناتجة عن " عقلية اقطاعية " قد تتجسد في عسكر او " مشايخ " او غيرهم عندما تجد مجالا لتجسدها .
" عقلية الاقطاع " هذه وجدت لها مجالا عقب ثورة 26 سبتمبر وبدئت بتكويّن " حالة إقطاع " لها في البلد مستفيدة من عدم اكتمال بناء دولة " الجمهورية " حينها . وتم تبنّيها و تنميتها خلال فترة حكم الرئيس علي صالح كتحالف بين عسكر و " مشايخ " لتوسيع وحفاظ على " حالة اقطاع " تشاركاها . وها هي – العقلية الاقطاعية - من احداث 2011م وحتى اليوم تعمل جاهدة على الحفاظ على بقاء " حالتها الاقطاعية " ومحاولة تعزيزها .

الدولة شخصية اعتبارية ذات سيادة وذات تأهيل يمنحانها شرعية إنضواء غيرها من الشخصيات المعنوية والاعتبارية في المجتمع تحتها . وهي من يضطلع بالمهام الوطنية والرسمية , وهي صاحبة الحق في ادارة الشأن العام بما يحقق المصلحة العامة.

وتقوم الدولة بإدارة الشأن العام عن طريق " المكوّن الانساني " فيها , وهم مجموعة الافراد الذين يشغلون مواقعها الوظيفية , ليس بصفتهم المعنوية او الاعتبارية , وانما بصفتهم الرسمية " كموظفين " في مواقع محدده لها مهام محدده وذات سلطات ومسئوليات محدده كذلك . ولا يجب ان يقوم بحق ادارة الشأن العام او ان يشاركها فيه غيرها ايا كان وايا كانت الصفة المعنوية او الاعتبارية التي يحملها , ولا ان يجاوز من يحمل صفة رسمية فيها اطار وظيفته وحدود صلاحياتها .

اي بلد كان وبلدنا احدها امامه حالتان , " حالة إقطاع " و " حالة دولة " , وهما حالتان لا يمكن ان يقوما في مكان واحد معا , فأما " اقطاع " واما دولة . والكل في بلدنا يتغنّون بالدولة ويرفعون شعارها , ولكن هناك من يفعل ذلك لأنه لا يمكن فعل غيره . والمعيار الذي يمكّنا من تمييز من ينشد " دولة مدنية " ومن يتغنى بها ويرفع شعارها وتصرفاته تصب في اتجاه استمرار " اقطاعيته " او " الاقطاعية " التي يرتبط بها هو معيار الالتزام .

من يتصرف خارج اطاره الذي تمنحه اياه صفه معنويه او اعتباريه ما , ومن يتجاوز بتصرفاته حدود صفته الرسمية , كلاهما لا يريد ان تقوم " دوله " مهما تغنى بها ورفع شعارها والعكس بالعكس . ولان بعض العسكر وبعض " المشايخ " هم بالدرجة الاولى من يجب ان تحدّ او تحدد تصرفاتهم , لنرفع ونعمل جميعا تحت شعار " العسكر للمعسكر و " المشايخ " للقبيلة .. والدولة للوطن " .