السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٢ صباحاً

كفى بالمرء اثما ان يضيع من يعول

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
من أسوأ وأخطر المشكلات في مجتمعنا مشكلة الطفولة في اليمن ، هذه المشكلة من شواهدها بحسب تقارير جهات رسمية واعتبارية تختص بهذا الموضع، 400 ألف طفل المسجلون في سوق العمل عام 2010، فما بالكم بغير المسجلين في بلد لا يسجل فيه العاملون من الكبار، وما بالكم بالعامين 2011 و2012 اللذين عصفا بالبلد وزادا من مآسيه ومن مشاكله . 100 ألف طفل الذين تمت إعادتهم من الحدود اليمنية السعودية خلال النصف الأول من العام 2010، فما بالكم بمن لم تتم إعادتهم، وما بالكم بالعامين التاليين أيضا , 70% من هؤلاء تعرضوا لاعتداءات وتحرشات.

عدد غير محدد من الأطفال يتم الاتجار بهم وبيعهم الى دول الجوار، مئات آلاف الأطفال خارج نظام التعليم الرسمي، أكثر من 500 ألف طفل لا يعيشون في ظروف مستقرة، منهم 50% لا يتصلون بأسرهم بشكل ثابت، عشرات الآلاف من الأطفال المستخدمين في الصراعات المسلحة بين القوى المتصارعة في البلد، منها قوى حكومية ورسمية، نسبة مرتفعة من الزيجات لقاصرات وقصر.

ما يحدث بحق الطفولة في بلد "الإيمان والحكمة"، لا يكفي أن يقال عنه " مشكلة "، فهو جريمة بحق ووصمة عار لن يغفرها لنا الله عز وجل، ولن يمحوها مرور الزمن، ولن ينساها التاريخ، إذا كان لا زال للتاريخ أهمية عند الأجيال القادمة التي " ننتجها " في واقع كهذا.

لا أنتقص أبدا من جهد من يعملون لمواجهة هذه " الجريمة " بحق الطفولة، ولكن هذه الأرقام " المخيفة " تدل أن جهدهم لا يؤثر كثيرا في الموضوع، ليس لأنهم مقصرون- بل هم مشكورون وندعو لهم بالعون - ولكن لأن حجم هذه " الجريمة " كبير وكبير جدا واكبر من إمكانات من يعملون بمفردهم لمواجهتها . من يتحمل مسؤولية هكذا حال هو المجتمع بأسره. كلنا كأب و كأخ وكعم وكخال أو من الأسرة أو من البلاد أو من اليمن، كلنا كمعلم وكأكاديمي وكقاضٍ وكعالم وكعسكري وكتاجر وكصاحب مهنة وكموظف وكعامل وكشيخ وكعاقل وكمحترم.. كلنا كثري وكمتوسط دخل وكمحدود دخل بل وحتى معدوم الدخل.. يجب أن نعترف أننا أصبحنا مجتمعا " معطوبا " لدرجة تضييع فلذات أكباده.

لا يمكن لحال الطفولة أن تصل مؤشراته الى هذا المستوى إلا والمجتمع بكامله مقصر، ولا يؤدي أفراده دورهم كما يجب تجاه فلذات أكبادهم . لأنه إذا وجد تقصير من بعض أفراد من المجتمع أيا كانت صفتهم: أسرة، أقارب، جيران، دولة، شخصيات اجتماعية، شخصيات دينية، شخصيات تجارية، مواطنين.. أيا كانوا فهناك في المجتمع غيرهم ممن سيغطي هذا التقصير، ومادام الحال قد وصل لدينا الى هذا المستوى، فنحن جميعنا مقصرون، وجميعنا لا يقوم بدوره، وكلنا يفتقد نسبة ما من القيم الإنسانية التي لا تعيش المجتمعات الا بها .

تصوروا معي طفلاً يعاد من الحدود اليمنية السعودية! خرج من بيت أسرته، ومر بحارته، وخرج إلى السوق، ومر بالشارع، واستقل سيارات، وتواصل بمواصلات، ونام في طرقات أو مساجد أو لوكندات، ودخل مطاعم وبقالات ومحلات، مر بنقاط ودوريات، وسار في طرق وقفار ومديريات وقرى.. وكم وكم غير هذا حتى وصل الحدود اليمنية السعودية؟! بالله عليكم خلال هذه الرحلة لهذا الطفل كم من اليمنيين احتك بهم بصورة مباشرة وبصورة غير مباشرة؟ كم منهم من الاسرة ... كم منهم من المسلمين.. كم من العقال... كم من المحترمين..؟

كيف مر هذا الطفل؟! .. لاشك ان هناك خلل في أسرته، ولكن هذا الخلل لن يوصله الحدود اليمنية السعودية، لأنه لابد من خلل في الجيران، ولابد من خلل في أهل القرية، وخلل في كبارها، وخلل في اهل القرى المحيطة ، وخلل في المدرسة، وخلل في أصحاب وسائل المواصلات، وخلل في رجال الشرطة، وخلل في أصحاب الفنادق واللوكندات والقائمين على المساجد، وخلل في أصحاب المطاعم والبوفيات والبقالات، وخلل في مسؤولي الدولة، وخلل في شخصيات المجتمع. وهذه هي مسافة الخلل التي مر بها هذا الطفل حتى وصل الى الحدود، خلل تمتد مسافته من مرقده في بيته والى حدود المملكة , وهذه مصيبة لاشك، ولكن مرارة هذه المصيبة تعتصر القلوب اكثر عندما نجد أن هذا " الطفل " ليس واحدا! وإنما أكثر من 100 ألف طفل مروا بهذا الخلل خلال نصف عام فقط، ووصلوا الحدود اليمنية السعودية. وتتحول المصيبة الى رعب عندما تكون نسبة من هولاء الاطفال تم نقلهم نقلا منظما الى هناك , وثمت من يمارس " الاتجار بالبشر " على اطفالنا وليس هناك من يسعى جادا لوقف ذلك ومعاقبة فاعليه .

يجب أن نعي جميعا أن الطفل عندما يولد هو " وصلة لحم " توضع أمانة بين يدي كل من يحتك به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وعليهم تقع مسؤولية حفظه وحمايته والدفاع عنه وتأمينه وكفايته وتنشئته وتعليمه وتأهيله، حتى تكون "وصلة اللحم " هذه فردا قادرا على أن يحمي نفسه ويدير شؤونه تماما كأي فرد في المجتمع.

الأسرة تعول الطفل، وإذا وجد التقصير منها – بعيدا عن الحديث عن أسبابه وعن قبولها من عدم القبول- فالطفل في هذا التقصير يدخل في عول أفراد آخرين في المجتمع، قد يكون هؤلاء الأفراد هم الأقارب أو الجيران أو المشائخ أو المؤسسات أو الدولة أو الشخصيات الاجتماعية ونحوه. وكلما وجد تقصير عند أي من هؤلاء الأفراد او الكيانات في ما يجب عليه تجاه أي طفل يتصل به مباشرة أو غير مباشرة، كان على غيره أن يغطي هذا التقصير، وليبقى الطفل محفوظا في مختلف الظروف ومختلف المستويات العمرية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية وفي مختلف صلاته بالأخرين افرادا كانوا او كيانات .

أيها اليمنيون؛ ما تعانيه الطفولة في اليمن هي جريمتنا جميعا، فكل منا له دور ما تجاه هذا الأمر، وما وصلت المشكلة الى هذا المستوى المخيف إلا وكلنا مقصرون. أيها اليمنيون ؛ كلنا تقع عليه مسؤولية الطفل أيا كان ومن كان، ولكن بنسب مختلفة وبمستويات متفاوتة. أيها اليمنيون؛ لكل فرد منا دور في "عول" أي طفل كان، وكل الأطفال هم في ذمتنا جميعا. أيها اليمنيون؛ حال الطفولة في اليمن هو قنبلة موقوته واذا ما انفجرت فلن يسلم منها احد أيها اليمنيون؛ قد يتحرى الفرد ألا يرتكب المعاصي أو ينتهك الحرمات كي لا يكون إثما، ولكن التقصير في حق الطفولة يكفيه من الإثم. أيها اليمنيون؛ ليفكر كل فرد منا كيف يؤدي دوره أيا كان، ومهما كان حتى لا يكون . أيها اليمنيون؛ يقول الرسول صلى الله عليه واله " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول "