الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٥ صباحاً

اليمنيون وشعوب الربيع ..من يجيد فن ادارة الازمات

صلاح عبد الرب
الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
خلال عقود من الزمن عانت الشعوب العربية من أنظمة حكم استبدادية خيم عليه الديكتاتور القمعي فأكلت ثرواتها وصادرت حرياتها وجرعتها كؤوس الفقر والويلات ,.
ومع انطلاقة شرارة الربيع العربي التي أوقدها بائع خضار في تونس وأشعلها ثورة في بلاده ثم تنامت حتى وصلت إلى ليبيا ومصر واليمن , وهي الآن تذبح في سوريا تعاملت معها تلك الأنظمة كلا بحسب طبيعته وثقافته وعنجهيته , فمنهم من اسقط في الجولة الأولى كما هو حال الرئيس التونسي و المصري ومنهم من استخدم السلاح من اجل إسقاطهم فأسقطه السلاح كما هو العقيد ومنهم من راوغ وخدع وكسب الوقت من اجل خروجه بأقل التكاليف كما هو حال صالح والذي نتمنى أن يكون قد استفاد من دروس سابقيه , أما الرئيس السوري فهو إلى الآن لم يؤمن بأنها ثورة شعبية وإنما جماعات إرهابية جاءته من خارج البلاد , فلا ادري كيف دخل الأطفال الذين يقتلون كل يوم إلي بلاده وكيف انضموا إلى الجماعات الإرهابية .

وكذالك الشعوب الذي تعاملت مع ثوراتها كلا بحسب طبيعته ووعيه وثقافته وتضاريسه السياسية , فالشعب الليبي حمل السلاح من الوهلة الأولى وبدعم من النيتوا فكانت حصيلته أكثر من خمسون ألف شهيد وجريح ودمار وخراب ومديونية للنيتوا بأرقامها الفلكية , الشعب التونسي والمصري الأكثر تقدما ووعيا بين هذه الشعوب استغل ارتباك حاكمه كونه لأول مرة يحصل له مثل هذا وساعده بذالك الجيش الوطني الذي انضم إلى صف الشعب فأسقطه في وقت يسير لكنه مع ذالك قدم الثمن
أما الشعب السوري والذي خسر ما خسرته جميع شعوب الربيع العربي فالله وحده يعلم ما تكون العاقبة والذي نتمنى من اليمنيون الرافضين للمبادرة والتسوية السياسية التي جنبتهم كل ذالك بعد أن كان على مقربة منها أن يكونوا قد استوعبوا الدرس.

فاليمن وكعادته تعامل معها بصبره وحكمته المعهودة , فخروج صالح بهذه الطريقة لم يكن بذكائه وحنكته فهو معروف بأنه رجل شرطة لا يمتلك أي مؤهل أكاديمي وإنما حكمة شعبه وبساطته ورغبته في التغيير والتقدم هي من جعلته يتنازل عن كل ما ارتكبه صالح خلال فترة حكمه .

ففي الوقت الذي بحثت الشعوب عن السلاح كي تقوم بتوراتها ترك الشعب اليمني السلاح كي يحقق ثورته
فمقارنة مع ما تعانيه شعوب الربيع بعد الثورات كلا بحسب مناخه ومشاكله وتضاريسه السياسية , نستطيع أن نجزم بان الشعب اليمني خرج بأكبر حصيلة واستطاع لملمة أوراقه التي نثرها صالح قبل جميع الشعوب التي هي من ناثرتا وراقها ,وعرف كيف يتقن فن إدارة أزماته ولنأخذ اقرب الشعوب إليها كدليلا وهو الشعب المصري .

فقوى الثورة التي تحالفت حينها لإسقاط حكم مبارك ارتكبت خطاء كبيرا بان حلت الحزب الوطني وجعلته حزب محظورا وصادرت مقراته وممتلكاته وهو ماجعله يشعل ثورة مضادة استطاع من خلالها شفيق أن ينافس وبقوة في جولت الانتخابات الأولى وتضامنت معه قوى اليسار وان كانت ثورية لكنها تخاف من وصول الإسلاميون الي الحكم ليشكل في نظري ضربة قوية للثورة كونه من أركان النظام السابق او كما يسموهم الفلول ومتهم بأكثر من عشرون قضية فساد وحقق نجاحا بأكثر من 45%
وهذا ما استفادت منه قوى الثورة في اليمن فجعلت من حزب المؤتمر الحاكم كحزب وطني مليئ بالكفاءات الوطنية كما هو مليئ بالفاسدين وشاركته السلطة وحصرت خلافها مع صالح وعائلته وكل من التف لفهم مما جعل كل وطني في هذا الحزب يؤيد التغييروالنظام الجديد وهو ما خفف من حدة الثورة المضادة فاضطر صالح لقيادتها بنفسة مستخدما أساليب التخريب للنفط والكهرباء وغيرها فهو الآن لا يستطيع إخراج أي مسيره ضد النظام الحالي كما هو الحال في مصر والتي استطاعت أن تحشد المليونيان وتؤثر على القرار السياسي .
صعود الإسلاميون الى الحكم في وقت مبكر بعد الثورة والارتقاء من جماعة مطاردة ومزج بها داخل السجون إلى أعلى هرم في السلطة
جعل القوى اليسارية والتي لم تستطيع الفوز في الانتخابات أن تتحالف مع القوى المضادة للثورة وبدعم خارجي لتخرج بحلف جبهة انقاذ الثورة لإفشال الثورة وتصدر هذا الحلف كل من لهم رصيد كبير في الخيانات العربية والدولية , فعمرو موسى والذي يقول عليه مسئول إسرائيلي بأنه خدم إسرائيل وحقق لها خلال فترة رئاسته للجامعة العربية مالم تحققه إسرائيل لنفسها خلال ثلاثون عاما ومواقفه من حرب فلسطين وغزة وغيرها معروفه.

أما ألبرادعي الذي كانت له اليد الطولي في الغزو الأمريكي للعراق من خلال التقرير الذي رفض الأمريكي بنفسه ان يرفعه ورفعه هو بان العراق تمتلك أسلحة الدمار والكيماويات والمبيدات وغيرها , فكان من الواجب على المصريون أن يسالوا ماذا لو وصل احد هؤلاء إلى السلطة ففي نظري بأنه سيعلن مصر دولة اتحادية مع إسرائيل
وهو ما استفادت منه القوى الثورية في اليمن وبخاصة الإسلامية برغم ثقل وزنها وقاعدتها الكبيرة في الشارع إلا أنها تسايرت مع الأحزاب الأخرى تحت مضلة اللقاء المشترك والذي الذي لعب دور رئيسي في عدم استفراد حزب بعينه في السلطة مما كان له دور في الاستقرار السياسي
فمن خلال مراقبتنا للشأن المصري منذ صعود الرئيس مرسي نجد بأنه شعب يجيد فن اصطناع الأزمات , ففي الوقت الذي يخرج اليمنيون من أزمة تلو الأخرى نراهم يدخلون من أزمة إلي أخرى فهو شعب يدمر مستقبله بيده.

ومع انه من المجحف مقارنة مشاكل الشعب اليمني بالمصري فلا يوجد فيهم حراك انفصالي يهدد البلد في الجنوب ولا حوثي يمتلك ترسانة عسكرية في الشمال ولا قاعدة تعبث بأمن البلاد ولا ضرب لأنابيب النفط وخطوط الكهرباء تدمر اقتصادهم لكنهم استطاعوا احتواء كل هذا ابتداء بتشكيل حكومة الوفاق مرورا بالانتخابات الرئاسية وصولا إلى الحوار الوطني الذي يعتبر أرقى وسيلة حضارية لحل مشاكل البلاد والذي سوف يحدد مستقبل البلاد الذي قبله جميع اليمنيون ورفضه المصريون في بلادهم
وعلينا أن تساءل ماذا لو كانت هذه المعضلات في بلدهم كيف سيتعاملون معها وهم لم يستطيعوا أن يتعاملوا مع أزمات بسيطة مثل الدستور والنائب العام والقاضي فلان ورئيس المحكمة علان , أزمات لوهي في اليمن لحلها قاضي في محكمة ابتدائية لكنها أثرت على اقتصادهم ورفعت الدين الخارجي وأعادت الجنيه إلى الوراء وعملت على انحدار الاقتصاد وهروب المستثمرين.

لماذا لا يتركون لهذا الرئيس فرصة كونه رئيس منتخب وليدعوه يعمل ويستفيدوا من تركيا التي احدث فيها الإسلاميون نهضة تاريخية فالشعب اليمني التف حول الرئيس هادي عندما وجد منه الإرادة الصادقة لإخراج بلده من محنتها ولم يلتفت إلى انه من أركان النظام السابق وأيده في كل قراراته التي اقتلعت اكبر من النائب العام والقاضي وغيره لماذا لا يستفيدون من هذه التجربة طالما وقد انتهت فترة الحكم لثلاثين وأربعين عام فإننا شعب نتقن فن إدارة الأزمات وهذا ما أثبته الربيع .