الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٠ مساءً

الدولة حاجتنا جميعا

عبدالوهاب الشرفي
الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
مهم جدا ان نعي كيف وصل الحال في البلد الى ما وصل اليه من واقع يعصف بجميع من فيه او يكاد . فلم يعد هنالك شيء ما يمكن القول ان حاله هو كما يجب , او ان مجالا ما لم يلحقه العطب . ولن نختلف ان القوى التي تسلطت في العقود الماضية كانت هي السبب المباشر في ايصال البلد الى ما وصل اليه , ولكن يجب الاعتراف ان غيرها قد ساهم في ذلك بدور ما كفعل او كرد فعل , سواء بوعي او بدون وعي .

اخطر ما فعلته تلك القوى في البلد هو ظربها لمفهوم الدولة في اذهان الكثير من ابنائه . فأي بلد لابد له من دولة حتى يكون وطن , والدولة لا تكون كذلك الا اذا كانت تصرفاتها منسجمة مع ما هو مفترض بها من القيام بحق التملك وحق التصرف في الصالح العام بما يحقق المصلحة العامة للوطن وابناءه , ويكون لها عندما تتصرف كما هو مفترض شرعية لانضواء غيرها من الكيانات في البلد تحتها .

شغلت تلك القوى مواقع الدولة ولكنها لم تكن تتصرف كما هو مفترض بها , ومع كل تصرف من تصرفاتها الغير مفترضة - التي كانت تقوم بها باسم الدولة - كانت تفقد الدولة شيء من شرعيتها التي تميزها عن غيرها من الكيانات في البلد , وشيئا فشيئا تحولت النظرة للدولة كعصابة لا كدولة , واصبح غيرها يتعامل معها وفق قواعد التعامل مع العصابات , واصبحت العلافة بين باقي الكيانات وبين كيان الدولة اما تحالف معها او تبادل للمصالح او ابتزاز او رفض او مواجهة . اما الشرعية فلم يعد لها من اثر في علاقة الكيان القائم في البلد باسم الدولة مع غيره من الكيانات .

نتيجة لفقد الدولة شرعيتها ساد في البلد علاقة مسماها دولة مع غير الدولة , ولكن واقعها هو غير دولة مع غير الدولة , ومثّل كيان الدولة في هذه العلاقة كيان ضمن غيره من الكيانات التي في البلد وليس كيانا تنضوي تحته تلك الكيانات .

ان تكون الدولة كيان ضمن باقي كيانات المجتمع هو وضع غير سوي , فمنشاء قيام كيان اسمه دولة هو حاجة المجتمع لكيان تنضوي تحته باقي الكيانات في البلد , وهذا الوضع غير السوي جعل البلد لعقود يعيش حالة صراع بين القوى التي شغلت مواقع الدولة وتصرفت باسمها التصرفات الغير مفترضة بالدولة وبين باقي كيانات المجتمع التي تحتاج لكيان الدولة كضرورة لوطن.

كانت تلك القوى المغتصبة لكيان الدولة تصارع سعيا منها لبقاء تجمعها العصابي هذا قائما , وليمكنها من خلاله تحقيق مصالحها . وتمثل صراع هذه القوى في اسلوب ادارة للبلد ارتكز على نهب المال العام , شراء للذمم بشكل واسع , اغراء لمكونات البلد ببعضها , تشجيع مباشر للفساد , إهدار لمنهجية الحياة بكافة مناحيها , ترحيب بالغزو الخارجي للمجتمع , ونخر لكافة الاوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتفريغها من جوهرها .

بالمقابل كانت باقي الكيانات في البلد تصارع سعيا لتغيير ممارسات تلك القوى التي حلت في موقع الدولة , وكون كل من هذه الكيانات كان يصارع منفردا امام كيان الدولة القوي مقارنة به كانت اغلب وسائل التغيير الممكنة لتلك الكيانات هي وسائل التغيير السلبية , ومن تلك الوسائل التحول الى التجمعات العصابية بمختلف صورها , قطع الطرق , اختطافات , تسلح مفرط , ارتزاق ببيع الولاءات داخليا وارتهان خارجيا , انتهاك للنظم والقوانين والاعراف والقيم , استباحة واسعه للصالح العام وعلى وجه الخصوص المال العام , هجرة عقول , و التخلي عن القدرات والامكانات الذاتية .

هذا الصراع الذي كان يتم في البلد منذ عقود هو الذي اوصل البلد الى مخنق حقيقي , وتحولت بسببه حياة اليمنيين الى مشكلات وويلات في كل شيء دون استثناء , وبلغت تلك المشكلات لمستويات عالية , وبعضها بلغ ارقاما قياسية مقارنة بمثلها لدى الدول الاخرى . واصبح من الممكن تسمية اليمن بوطن الازمات بامتياز , ازمة سياسة , ازمة تعليم , ازمة صحة , ازمة عيش , ازمة توظيف , ازمة استثمار . ازمة خدمات , ازمة دبلوماسية , ازمة جغرافيا , ازمة تعايش , ازمة امن , ازمة حروب , ازمة سيادة , وليست هذه كل ازماته .

ما يجب علينا جميعا ان نعيه ان الحاجة للدولة هي حاجة للجميع في المجتمع افرادا وكيانات . وان الدولة لا يمكن قيامها واقعا الا اذا تصرفت بما يتناسب مع شرعيتها . كما يجب ان نعي ان تصرف الدولة على غير المفترض بها لا يجب ان يرفض فقط من قبل من يتضررون من تصرفاتها تلك وانما يجب رفضة ومقاومته من الجميع , وحتى من يضن انه يستفيد من تصرفات الدولة الغير مفترضه بها , عليه ان يفهم انه سيكون من بين المتضررين في نهاية المطاف .

واهم ما يجب ان يكون حاضرا في اذهان الجميع في هذه الفترة خصوصا ,هو ان قيام الدولة هو ما نحتاجه جميعا افرادا وجماعات , هو كذلك مسئولية الجميع سواء بالمشاركة او المطالبة او التأييد او التحريض او التخلي عن الممارسات التي لا تصب في اتجاه بناء الدولة .. فالدولة حاجتنا جميعا .