السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٣ صباحاً

يافخامة الرئيس فعلتها ففعّلها

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ١٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
بعد انتظار وترقب واخذ ورد وشد وجذب وتفاءل وتخوف , اخيرا اصدر فخامة الرئيس قرارات التعيينات ضمن عملية هيكلة الجيش مصحوبة بعدد من القرارات ذات الصلة , صحيح ان هناك اطراف في البلد لم ترضها تلك القرارات الا ان الواجب على الجميع عند الحكم عليها ان لا ينطلق من وجهة نظر ذاتية او من رغبته هو , وانما على الجميع الانطلاق من الملابسات التي افضت الى هذه القرارات , كما يأخذ في اعتباره الظرف الذي تمر به البلد واتخذت القرارات في ضلّه .

تأتي هذه القرارات ضمن عملية اعادة هيكلة الجيش كخطوة من خطوات المبادرة الخليجية , تلك المبادرة كانت قد جاءت لحل " ازمة " بين طرفي الوفاق , وبالتبعية استكملت اجهاض " الثورة " والتي كان قد بداء العمل على اجهاضها من قبل المبادرة , اي ان تصرف البعض ممن وجدوا في طرف الثورة بتصرفات الازمات كان قد مكّن النظام من ان يجعل صوت الازمة يعلوا على صوت الثورة , ومن ثم استطاع النظام من ان ينتزع تأييدا له في تشخيص الاحداث كأزمة لا كثورة وذلك من جميع الدول الشقيقة والصديقة ومن المنضمات الدولية المعنية , و هو الامر الذي حجّم الثورة بشكل كبير ولم يعد بإمكانها ان تولّد الطاقة الثورية الازمة لتحقيق اهدافها ثوريا , لا نوعا ولا وسيلة . ونتيجة لذلك اصبحت المبادرة الخليجية حلا مثاليا للأحداث التي شهدها العام 2011م وهذا الامر من جهة . ومن جهة ثانية جميع الاطراف في البلد قد إنساقت مع تلك المبادرة الخليجية وليس طرفي الوفاق فقط , فكل الاطراف لها حضور في مؤتمر الحوار الوطني الذي هو جوهر المبادرة الخليجية ,وبالتالي اصبح التفاوت بين الاطراف فيما يتعلق بالمبادرة هو تفاوت نسبي وليس تفاوت مطلق, فليس هناك اطراف تسير مع المبادرة واطراف لا تسير وانما هناك اطراف تسير بشكل اكبر او اقل من اطراف اخرى. واذا اخذت هذه الملابسات في الاعتبار يمكن القول ان تلك القرارات هي مولود شرعي للمبادرة الخليجية التي مثلت حلا مثاليا والتي اصبح الجميع ينساق معها , ويجب النظر اليها انطلاقا من ذلك .

كما ان البلد يعيش ازمات في شتى مناحي شئونه , جيش منقسم , صراع سياسي واسع , استعداد لدى بعض القوى للذهاب الى ما هو ابعد , دولة كانت فاشلة واصبحت ميتة سريريا , غليان في محافظات الجنوب , بداية غليان في باقي المحافظات , ورئيس توافقي لم يجمع كل خيوط القوة في يده بعد , وعلى ذلك يجب ان يراعى في اي حلول ومعالجات تتخذ في هكذا ظرف عدم الاندفاع والتحول التدريجي الى ما هو مطلوب تحقيقه , وبحيث تقتصر التضحية على الزمن لان حال البلد لن يحتمل اي تضحية من نوع اخر . وهذا هو ظرف البلد التي اتخذت تلك القرارات في ضلّه و يجب اخذه في الاعتبار عند النظر الى القرارات .

تلك الاطراف التي لا ترى في القرارات التي صدرت انها ملبية لغاياتها يمكن تأطيرها في فريقين , فريق غايته ان لا يبقى ايا من رموز الماضي في ميدان الدولة ككل وميدان الجيش خصوصا , لا مستشارا ولا سفيرا ولا ملحقا , ويرى ان رموز الماضي يجب ان تساءل على ما فعلته اثناء عقود توليها , لا ان تستمر باي صفة حتى ولو شكلية . والفريق الاخر غايته ان يوظف الشرعية التوافقية التي اكتسبها تبعا للمبادرة الخليجية في سبيل ان يضل ما بقي له من القوة العسكرية في يده , ومن خلالها يعمل على ان يوسع من قوته اذا امكن له ذلك , او على الاقل يتمكن بما تبقى له من القوة ان يمنع الوصول الى مسائلته .

ما على تلك الاطراف هو ان تفهم المرحلة التي يمر بها البلد فهما صحيحا , وان تكوّن موقفها تجاه تلك القرارات بناء على نظرة تتفهم ملابسات القرارات وظرف البلد . فالفريق الاول اذا كان يرى ان اطراف " رموز الماضي " قد ضعفت بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل احداث العام 2011م , فعليه ان يضيف لاعتباره انه لازال بإمكانها ان تسبب مشاكل وويلات لم يعد الوطن يحتملها , وهو احوج ما يكون لإعفائه منها . والفريق الثاني اذا كان يرى ان محاولته وقف تقدم الثورة التي كانت ستقضي عليه قد نجحت وبالتالي تصور انه سينجح في استعادة الامور الى ما كانت عليه , فعليه ان يعي ان ميزان القوى لم يعد لصالحه ولن يتمكن من ان يعيد الامور الى ما كانت عليه مهما فعل , فلم يعد هو القوة الوحيدة في مسرح البلد ولكنه اصبح قوة ضمن قوى تماثله وربما تتفوق عليه .
قرارات فخامة الرئيس هادي بالتعيين ضمن عملية هيكلة الجيش والقرارات المرتبطة بها هي قرارات متزنة و لا تخلوا من الجراءة ايضا .والوصول اليها لم يكن بالأمر السهل كما قد يتصوره البعض , وهي قرارات إيجابه وستهيئ واقع البلد لنقله . وبعبارة اوضح هذه القرارات لن تنقل البلد الى واقع اخر ولكنها ستهيئ بشكل جيد لذلك . و في ما يتعلق بملف تعيين القيادات وفي ما يتعلق " بحلحلة " رموز الماضي من مواقعها يكون فخامة الرئيس قد فعل عليه ووفقا للمرحلة التي تمر بها البلد , وبالفعل لم يكن بإمكانه اكثر مما كان , بل لا يجب ان نطالبه بأكثر من ذلك في هذه النقطة بالتحديد .

ما يفترض انه سيترتب على صدور القرارات هذه هو عرضه لان يذهب به من تضرر منها ادراج الرياح , فسيقبل بها ظاهرا وسيعمل " من تحت " على ان يفرّغها من غرضها الذي اتخذت لأجله , لهذا لابد لفخامة الرئيس من ان يتبعها بقرارات وترتيبات تتعرض لنقاط اخرى لابد منها حتى نضمن ان تحقق هذه القرارات غرضها , و ان تأثر هي في واقع البلد , لا ان تضل " وحيدة مفردة " فيؤثر الواقع عليها و يصبح الحال " كأنك يا هادي ما غزيت ".

نتمنى على فخامة الرئيس هادي ان يقدم على خطوات من شانها تفّعيل خطوة القرارات هذه . ومن أهم الخطوات المطلوبة العمل على ان يتبع - وقريبا - عملية تدوير واسعة في المستويات الأدنى في الجيش وفقا لمعيار الوطنية والمهنية بعيدا عن اي بعد اخر من وفاق او غيره , كما ان عليه ان يصدر قراره بتكليف وزارة الدفاع بنقل كافة معسكرات الجيش من المدن ومن حولها الى المواقع المفترضة بها والتي تؤدي فيها الدور المطلوب منها في حماية الوطن ومكتسباته اما الدولة فستحميها شرعيتها عندما تتصرف وفقها , كذلك مطلوب منه ان يمنع تدفق المال العام الى قيادات الجيش بالشكل الذي يمكّنها من شراء الذمم و صياغة الجيش ومن ثم الدولة ككل بشكل نفوذي , ومطلوب منه وعلى وجه السرعة ان يضغط بكل ثقله على ومع الجهات المعنية بمكافحة الفساد من هيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة ونيابات الاموال العامة لأداء دورها كما يجب تجاه ملف الفساد , وكذلك عليه دعم اللجان العاملة على الارض والمعنية بملف تسوية اوضاع المقصيين وبملف الاراضي والعقارات حتى تتعاطى معهما بجدية وحزم وجراءة , ومطلوب منه ان يتوجه لعملية تدوير في وضائف الداخلية وفي الوظائف المدنية وفق المعايير المطلوبة لذلك . واخيرا مطلوب منه ان " يشدّ " على حكومة الوفاق لتتخلى عن ممارساتها اللامسئولة والخاضعة لنفوذ شخصيات او جماعات ما . وكل ما سبق مما يجب على فخامة الرئيس ان يفعله تفعيلا للقرارات الاخيرة هو امر سيكون اسهل بكثير بعد اصدارها .

اتقدم بالتهنئة لشعب اليمن بصدور هذه القرارات . وابارك لفخامة الرئيس وللوطن بصدورها ,واتقدم له بالشكر عليها , واقول له يا فخامة الرئيس القرارات التي اصدرتها هي بمثابة باب يمكن الدخول منه لثورة في البلد دون اعتصامات ومظاهرات وتجمعات . القرارات التي اصدرتها خلقت فرصة نتمنى عليك ان لا تفوتها على نفسك وعلى البلد, وان تسرع في القرارات والخطوات التي يجب ان تتبعها , يا فخامة الرئيس فعلتها ففعّلها .