السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥١ مساءً

الحراك و بنعمر ... والارادة الشعبية لأبناء الجنوب

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ٣٠ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٠٥ مساءً

يضل موقف الحراك الجنوبي تجاه قضيته هو الموقف الاعلى إيجابية من بين الجميع تجاه قضاياهم . والسبب في هذا المستوى الاعلى من الايجابية هو جدية نخب وقيادات الحراك في تعاطيهم مع القضية التي يحملها الحراك الجنوبي . ولذلك لم يسجل على الحراك اي تنازلات في مطالبه , لا تحت تأثير ضغوط الخارج ولا تحت مخاوف وتخويف الداخل , ولم يسرّ " جوهريا " في الية للحل لا تلقى قبولا من الارادة الشعبية له .

استطاعت الارادة الشعبية للحراك الجنوبي ان تبقى نفسها بعيدا عن " تلوّيات " السياسة وعن تلوّن السياسيين , وان تبقي المواقف والقرارات تجاه قضيتها نابعة من وحي تطلعاتها , وان تسلم ازمّتها لنخب وقيادات ليس امامها الا الجدية في ادارتها لقضيتها اذا ارادت ان تستمر كماهي نخب وقيادات للحراك . فالحقيقة على الارض تقول ان قضية الحراك الجنوبي هي قضية جماهير الحراك وليست قضية النخب فيه . ويمكن القول ان لأبناء الجنوب طريقتهم في تكويّن اوعيتهم السياسية والاجتماعية وفي العمل من خلالها , وهي طريقة لا تتخذ فيها النخب والقيادات القرارات والمواقف للجماهير , وانما الجماهير هي التي تحكم قرارات ومواقف نخبها وقياداتها .

وهذه الطريقة هي التي جعلت من الحراك الجنوبي نموذج مثالي في إدارة العمل الشعبي الواسع , حيث تودي فيه النخب والقيادات دورا تنظيميا مستجيبا للإرادة الشعبية ويتخذ قراراته من وحيها لا العكس , بحيث تتخذ النخب والقيادات القرارات والمواقف وتلقّنها للجماهير , والتي عليها ان تكيّف مواقفها ومزاجها بل وأرادتها بالكامل تبعا لقرارات ومواقف النخب والقيادات ,وهذه الاخيرة هي الطريقة التي تلقى استجابة لدى ابناء محافظات الشمال .

اختلاف الطريقة هذا بين ابناء المحافظات الجنوبية وابناء المحافظات الشمالية يأتي تبعا " للتركيبة المزاجية " المختلفة بينهما , ويمكن القول ان شريحة المجتمع من ابناء المحافظات الجنوبية هي صانعة قيادات , بينما شريحة ابناء المحافظات الشمالية هي صانعة اصنام .

كنت قد كتبت لفتة للمبعوث الاممي جمال بن عمر في صفحتي على الفيسبوك اثناء ترتيبه للاجتماع مع بعض قيادات الحراك الجنوبي في دبي , ناصحا له ان الطريق الاقرب لنجاح مقصده في ضم الحراك الجنوبي لمؤتمر الحوار الوطني هو التوجه للإرادة الشعبية للحراك الجنوبي , و ليس في اهدار جهوده لجمع نخب وقيادات الحراك لاجتماعه في دبي . و قلت حينها ان عليه ان يعود الى صنعاء ويعمل على ان يصدر فخامة الرئيس هادي مجموعة من القرارات الجدية والجريئة لمعالجة عدد من الاختلالات فيما يتعلق بالنفوذ والسلطة والثروات , وحينها فقط سيمكن له ان يبلغ مقصده ,وسيجلب جميع او اغلب قيادات الحراك الجنوبي الى مؤتمر الحوار الوطني .

عندما كتبت ذلك لم اكن اقصد " تكسير مجاديف " جمال بن عمر وانما العكس كنت اريدها ان تعمل , وكنت اشير له صادقا على الاسلوب الذي سيمكّنه من ان " يجيب نتيجة " , وان يسهم في" حلحلة " قضية الجنوب باتجاه الحل بشكل حقيقي لا بشكل ديكوري , وبشكل كامل لا بشكل ناقص , لأنه مهما حاول ان يرفع من سقف حصيلته – سواء في حضور المؤتمر او في النتائج التي سيخرج بها المؤتمر تجاه القضية الجنوبية - فلن يتمكن من ان يحل مشكلة الجنوب بعيدا عن الارادة الشعبية هناك , ولن يقضي على بقاء مشكلة الجنوب بشكل او باخر وبنسبه او بأخرى مهما فعل .

كنت اضع في اعتباري عندما كتبت ما كتبته , تلك النقطة المتعلقة بالاختلاف في " التركيبة المزاجية " لدى ابناء الجنوب عنها لدى ابناء الشمال , فعندما كان بن عمر ينجح في لقاءاته مع القيادات والنخب لمختلف الاوعية السياسية والاجتماعية في المحافظات الشمالية , كان ذلك لان الطريقة فيها هي ان قرارا ت ومواقف تلك النخب والقيادات هي التي ستنعكس على ارادة الاغلب في المجتمع وبطريقين , الاول هو الاستجابة لها وتكييف ارادة المستجيبين وفقها , والثاني التحول الى المراقبة ودونما معارضة جدية لها .

في ما يتعلق بالحراك الجنوبي كان على جمال بن عمر ان يعمل وفق الطريقة التي تناسب ابناء الجنوبية كي ينجح . كان عليه ان يسعى في " تطبيب " الارادة الشعبية لأبناء الجنوب عن طريق الدفع بإصدار مجموعة القرارات التي ستجعل الارادة الشعبية هناك تستجيب لذهاب لحوار ابتداء , لأنها اذا ما استجابت هي لذلك فهو ما سينعكس على القرارات والموقف نخب وقيادات الحراك التي كان يسعى للحصول عليها منهم , وكان سيسهل عليه ان يحقق النتيجة التي يسعى لها في جلب الحراك الجنوبي الى الحوار الوطني وفي حل قضيتهم كأحد نتائجه .

هذه " التركيبة المزاجية " لأبناء الجنوب تستوعبها نخب وقيادات الحراك الجنوبي تماما , وهي تعرف انها هي التي ستخسر اذا حاولت ان " تعزف " مع بن عمر منفردة بإرادتها دون ان يكون ذلك استجابة للإرادة الشعبية للحراك , وتعرف ان الارادة الشعبية تلك ستجاوزها اذا فعلت ذلك وستخلق قيادات جديدة لها , بينما لن تتأثر القضية الجنوبية باي " عزف " منفرد لهم .

وحده جمال بن عمر الذي لم يكن يعرف ذلك , وبالتالي لم ينجح في مسعاه مع نخب وقيادات الحراك الجنوبي .وما فعلته هي هو انها قسمت نفسها الى قسمين , قسم صغير " يطيّب نفس " فخامة الرئيس هادي و" نفس " بن عمر, تفاديا للأثار السلبية التي قد تلحق مساعيها لتكويّن موقف دولي متفهم تجاه القضية الجنوبية , بينما القسم الاكبر من النخب والقيادات بقي هناك لينظّم اداء الحراك الجنوبي على الارض وكما تريده الارادة الشعبية .