السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٤ مساءً

الى المتحاورين قبل الانطلاق

عبدالوهاب الشرفي
السبت ، ١٦ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٤:١٨ مساءً

ان يكون لدينا أسواء الدساتير والنظم والقوانين ونلتزم بها ونسيّر شئون حياتنا وفقها لاشك ان ذلك سيكون وضعا سيء , ولكن هذا الواقع السيئ لن يكون اسواء من ان يكون لدينا افضل الدساتير والنظم والقوانين ولكننا لا نلتزم بها و لا نسيّر شئون حياتنا وفقها .
ايام وينطلق مؤتمر الحوار الوطني بأذن الله , وما يراد من هذا المؤتمر هو الوقوف على المشكلات والخلافات التي يشهدها البلد والتحاور فيها للوصول الى اتفاقات تمثل الحلول لتلك الاشكالات والخلافات , ولاشك ان تلك الاتفاقات ستخرج علينا في صورة مواد قانونية اي ستكون في صورة دساتير ونظم وقوانين واتفاقات .
من حيث المبدأ ان يتم التوجه الى " حوار " فذلك هو التوجه الصحيح ,باعتبار ان الحوار هو الوسيلة الانسانية لمعالجة الاشكالات ولحل الخلافات , فالتي لا تجد لها وسيلة لحل خلافاتها الا بالعراك هي البهائم فقط . كما انه ليس هناك اشكالية او خلاف يمكن ان لا يكون له حل , فاعقدها واصعبها لابد لها من التململ باتجاه الحل عندما يتم النظر فيها وتداول الآراء عنها والتقارب بشائنها والتنازل في تفاصيلها .
يمكن القول ان قضية الحوار كقضية ايجابية , وقضية التوصل الى اتفاقات عبر الحوار كقضية مطلوبة , هما القضيتان التي دار ولا زال الحديث يدور عنهما كلما تحدث المتحدثون عن الحوار . وللحقيقة القضيتان مهمتان ويستحقان ما حظيا به من الاهتمام في الفترة الماضية. و مع ذلك هناك قضية هي اكثر اهمية من اهمية هاتان القضيتان .
يعرف الجميع ان الاشكالات والخلافات التي يعيشها البلد التي تكوّنت وتراكمت خلال العقود الماضية لم تكن نتيجة سوء ما كان موجودا من الدساتير والنظم والقوانين بالدرجة الاولى . وانما كانت نتيجة لعدم التزام من وضعوا ايديهم على البلاد خلال تلك الفترة بما هو متوفر من الدساتير والنظم والقوانين التي كان يجب ان يسيروا شئون البلاد والعباد وفقها . وبعبارة اخرى لو التزم من وضعوا ايديهم على البلد في الفترة الماضية بالدستور والنظم والقوانين لما وصلت البلد الى ما وصلت اليه من الاشكالات ومن الخلافات .
لنفترض جدلا واملا ايضا ان مؤتمر الحوار الوطني انعقد وسار كما يجب , وبالفعل وجد كل ما سينظر فيه المتحاورون من اشكالات وخلافات المعالجات والحلول المطلوبة لها , وسيشكل ذلك نجاح حتما لكنه يضل نجاح على طاولات الحوار , والنجاح على الطاولات قد لا يعني الكثير مالم تأخذ في الاعتبار تلك القضية الاكثر اهمية من قضية انعقاد الحوار وقضية التوصل لاتفاقات فيه .
القضية الاكثر اهمية هي مدى استعداد الاطراف المتحاورة للاقتصار على الحوار كوسيلة لها للتغيير في المشهد اليمني , بمعنى هل سيكون ما يتم الاتفاق عليه في الحوار الوطني في مختلف الملفات التي سيتم نظرها فيه هو بالفعل ما سيتم الالتزام به وتنفيذه واقعا من جميع الاطراف , وبحيث تخرج الحلول والمعالجات من طاولة الحوار الى واقع البلد , ام ان الامر سينتهي عند الاتفاقات في " المحافل " بينما يفعل كل طرف ما يرى انه سيحقق له مراده بعيدا عن تلك الاتفاقات .
لاشك ان حضور المؤتمر والتوصل الى حلول لما سينظر فيه من القضايا لا يمكن الاخذ به كمؤشر " قطعي " على ان مشكلات البلد قد حلّت , او مؤشر على ان الاطراف ستقتصر على الحوار كوسيلة وحيدة للتغيير في المشهد اليمني . باعتبار ان ذلك الحضور وتلك الاتفاقات قد تتم تحت اكثر من مؤثر وليس فقط تحت تأثير الرغبة في التوصل الى حلول . فقد يتم الحضور ويتم التوصل الى اتفاقات " نضريا " تحت الضغط الذي تمارسه الدول الراعية والداعمة للمبادرة الخليجية , او تحاشيا للعقوبات الاممية , او تحاشيا لتهمة السعي وفق اجنده مرفوضة للتأثير على الواقع .
لابد من الاعتراف ان هناك حالة من انعدام الثقة بين الاطراف المتحاورة . ولا اجانب الصواب اذا قلت ان حالة انعدام الثقة بين اطراف غير الوفاق اكثر منها بين طرفي الوفاق . ومع حالة انعدام الثقة هذه سيكون امتثال ما سيتم التوصل اليه اصعب من التوصل ذاته . وفي ذات الوقت هناك حالة من توازن القوى تسود البلد يمكن ان تساعد كثيرا في التقارب وتقديم التنازلات والالتزام بما يتم التوصل اليه .
وما بين حالة انعدام الثقة وحالة توازن القوى ستكون كل الاطراف امام فرصة جيدة لان تغلب كل الاطراف الحضور والاتفاق وتنفيذ ما تتفق عليه , والواجب على جميع الاطراف ان تعي ان التأثير في الواقع بناء على اتفاقات الحوار هو اقل وسائل التأثير اضرارا للجميع , فلم يعد اي طرف متفردا بالساحة الوطنية ولا يمتلك كل او اغلب عناصر القوة فيها , ولجوء اي طرف الى وسائل اخرى سيكون ضررها عليه اولا اكبر من اي اضرار قد تلحقه نتيجة التزامه بما يتفق عليه مع باقي الاطراف . والامل من جميع الاطراف هو ان تعي هذه النقطة ,وان تدخل الحوار بجدية كامله وان تعمل على انجاحه على طاولات الحوار ومن ثم انجاحه على الواقع , حينها سيكون لكل طرف نصرا سيحسب له أيا كانت التضحية التي سيقدمها , ذلك النصر يتمثل في انه طرف اسهم ايجابا في تجنيب البلد الذهاب الى مزيد من الصراعات والازمات وخطى بالوطن خطوة باتجاه الاستقرار الذي سيكون الجميع كاسبا اذا ما وجد في البلد .
عبدالوهاب الشرفي