الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٩ صباحاً

الحوار من وجهتي نظر متعارضتين

محمد صالح العليانية
الأحد ، ١٠ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
الرؤية الأولى:
لماذا يتخوف الجنوبيون من الدخول في الحوار وكل الأطراف الدولية تناشدهم بذلك إن أرادوا حلا للقضايا التي خرجوا للمطالبة بها، فالحوار هو الوسيلة الحضارية لحل الخلافات بطرق سلمية ، فإذا كان الشعب في الجنوب قد خرج ليعبر عن إرادة معينة فكيف له أن يحقق هذه الإرادة بطريقة سلمية؟ ليس أمامه من خيار إن أراد السلم وحقن الدماء غير الحوار خصوصا وأن الحوار تحت إشراف دولي وإقليمي وهذا يمنحهم الثقة ، وفي ظل رئيس جنوبي هو أكثر الناس شعورا بمعاناة شعب الجنوب وحريص كل الحرص على أن يأخذ الجنوبيون حقهم غير منقوص وكذلك رئيس الحكومة هو أيضا جنوبي ويعرف الكثير عن الهم الجنوبي ، إنها الفرصة التاريخية التي لن تتكرر أمام الجنوبيين لكي يقولوا كلمتهم الفصل ، فالحوار كما تؤكد أطراف دولية وإقليمية لا سقف له وكل الخيارات متاحة للمتحاورين لكي يطرحوا قضاياهم ، بالإضافة إلى أن الدول الراعية للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية حريصة أن تكون القضية الجنوبية أول القضايا التي يتم معالجتها بصورة حاسمة. .

وطالما أن الأمر كذلك فمن الحكمة أن يحسم الجنوبيون أمرهم ويصلوا إلى كلمة فصل فيما بينهم ويحددوا خيارهم ويدخلوا الحوار بمرونة وعليهم أن يدركوا أن القضايا الخلافية لا يمكن أن يحصل فيها أي طرف على كل مطالبه وأن هناك قواسم مشتركة ترضي الجميع.

إن إصرار بعض القيادات الجنوبية على مقاطعة الحوار هو أمر مؤسف وغير مقبول ولا يعبر عن أي شعور بالوطنية والمسؤولية تجاه قضية شعب الجنوب بل يمثل وسيلة من وسائل عرقلة الجهود التي تبذلها الدول المحيطة والتي تهتم في المقام الأول بمصلحة الشعب اليمني وأمنه واستقراره وتحاول جاهدة تجنيبه كوارث قد تضر بحياة الناس وتدخلهم في أتون حرب لا يحمد عقابها، لا يمكن أن يتصف بالحكمة أولئك الذين يجلسون في غرف مظلمة بعيدا عن هموم الشعب وتصدر عنهم تصرفات الهدف منها جر البلاد إلى مزيد من الفوضى فهؤلاء سيظهرون أمام المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي على أنهم لا يريدون حلول لقضيتهم بل يريدون جر البلاد إلى الهاوية.

وما يبعث على الثقة والاطمئنان في نفوس القيادات الجنوبية أن المبادرة الخليجية التي أفرزها واقع سياسي معين لم تتطرق إلى القضية الجنوبية وتقيدها تحت سقف معين بل جعلت الخيارات مفتوحة وهذا ما يفيد الجنوبيين ويمنحهم الحرية المطلقة لطرح قضيتهم بالصورة التي يريدها الشعب في الجنوب وبالمقابل يقولوا يتحاوروا بالحل الأمثل الذي يرونه مناسبا لحل القضية.

القضية الجنوبية لم تظهر على حقيقتها إلا بعد أن سقط نظام صالح الذي كان ينفق الكثير من أجل وأد الصوت الجنوبي وتهميش قيادات الجنوب وشق صفهم من خلال الحلول الكاذبة والوعود الزائفة وهذا الظهور الملفت للقضية الجنوبية هو بفضل الثورة والمبادرة الخليجية التي أسقطت نظام صالح ومنحت الشعب في اليمن الحرية المطلقة لكي يعبر عن معاناته من خلال وسائل الإعلام أو من خلال التظاهرات السلمية ، هذا الوضع جعل الجنوبيون يخرجون من كل بيت لكي يقولوا كلمتهم فظهر جليا موقفهم وقدموا للعالم رسالة تعبر عن حجم الظلم الواقع بهم وهذا يتطلب وقفة جادة من الأطراف الراعية للحوار لكي يضعوا حلا لقضيتهم.

يستغرب المتأمل من موقف القيادات الجنوبية وبطء حركتها ورفضها للحوار!! إنها بموقفها هذا ترتكب حماقة تاريخية تعزز به رصيدها الحافل بالتهورات السياسية.. لماذا تتصرف هكذا وتريد أن تضيع الفرصة ، وتحرم شعبها حق الحصول على مطالبه؟؟ كيف لها أن تنصر قضية شعبها إن لم تحتكم لمبدأ الحوار للوصول إلى حل؟ هل تريد هذه القيادات أن يبقى الوضع فوضوي بحيث يكون الضرر على المواطن المسكين الذي لا يجد قوت يومه .. بينما القيادات الرافضة للحوار والساعية إلى جر البلد إلى العنف تعيش حياة رغدة في الخارج .. وحين تزهق الأرواح وتكثر الضحايا يجد المواطن الذي يضحي بالدم نفسه بعيدا عن أن ينال حقه فيأتي الذي ينعق كالغراب من الخارج ليستولي على مقدرات البلاد.. يجب على الشعب في الجنوب أن يفكر أن قضيته التي خرج من أجلها لا يمكن أن تتحقق إلا في ضل قيادات واعية بطبيعة المرحلة وبالمتغيرات الدولية .. وتؤمن بلغة الحوار أنها هي الحل.

يجب أن يعرف قادة الجنوب أن أكبر المتخوفين من الحوار هم قيادات الشمال الممزقين والذين ظهر جليا أنهم لم يتعاملوا مع الوحدة بالصورة التي كان ينبغي عليهم أن يفعلوها وهذا يجعل الصوت الجنوبي قويا خصوصا وأن قياداته تدخل الحوار وهي مستندة على ثقل في الوسط الشعبي الجنوبي لا يملكه أي طرف آخر مشارك في الحوار .. فقيادات الشمال تعاني من التمزق والتفكك الداخلي وتريد أن تحاور في قضايا عدة وقد يصعب أن تتوصل إلى حلول مقنعة لقضاياهم ، بعكس القيادات الجنوبية التي لها قضية واحدة وهي اليوم أكثر التحاما ولأن الحال هكذا فإن الخوف من نتائج الحوار التي لن تأتي لصالح القيادات التي أساءت للوحدة ونهبت حق الشعب في الجنوب وأقصتهم الشمال تحاول في الخفاء افشال الحوار من خلال الدفع ببعض القيادات الحراكية لكي ترفض الحوار من أجل أن يحملوهم مسؤولية فشل الحوار وبالتالي بقاء القضية الجنوبية بدون حل وكلما طالت الفترة فإنهم سيعززون الخناق على الحراك الجنوبي وسيبذلون كل ما بوسعهم من أجل تدميره ليبقوا مسيطرين على الوضع عبر شرعية الحكم المهيمنين عليه بالأغلبية السكانية.

يجب أن يعرف قادة الحراك أن الشمال فوجئ بالمسيرات الحاشدة التي أقامها شعب الجنوب وقوة من احتمال أن يحصل على مطالبه وأنهم قد خدعوا عندما قاموا بالثورة لاعتقادهم أن الحراك الجنوبي إنما كان يطالب بإسقاط النظام الذي كان سببا في حرف مسار الوحدة عن خطها الصحيح . فإن تعطل الحوار أو مر دون أن يحصل فيه شعب الجنوب على الحل المنصف فإن هناك نوايا مبطنة في نفوس قادة الشمال ، وهذه النوايا لا يمكن أن تتحقق عبر الحوار ولكن عبر فشل الحوار، وأول هذه النوايا هو تدمير الحراك الجنوبي وبث الرعب في أنصاره من خلال القيام بعمليات اغتيال لكوادره وتخويف الجنوبيين من إقامة فعالياتهم.. ولتحقيق هذه النوايا فإنهم ينتظرون بفارغ الصبر أن يعرقل الحوار من قبل أطراف جنوبية.

فنصيحة للقادة الجنوبيين أن يوحدوا صفوفهم ويدخلوا الحوار بالمطالب التي يرون أنها ستحقق لشعبهم مطالبهم، فإن لم يحصلوا على مطالبهم فليغادروا القاعة ويستمروا في حراكهم ومثل هذا سيقويهم ويضعف الخصوم .. أما المعاندة والتخوف والإصرار على مقاطعة الحوار فلن يقدم أي نتيجة.. فالحوار ليس كأي حوار تم في مراحل سابقة إنه حوار تشرف عليه أطراف إقليمية ودولية يهمها في المقام الأول حل القضية الجنوبية حلا عادلا ،ومثل هذا يمنحهم ثقة بأن النتائج التي يتمخض عنها الحوار لا يمكن لأي طرف أن ينقلب عليها وستنفذ بالحرف الواحد.

إن لم تغتنم قيادات الجنوب الفرصة الذهبية التي لاحت في الأفق فهم يضيعون قضيتهم وهم على هذا إما أن يكونوا قادة حمقى لا يعرفون كيف يقودون شعبهم ويمثلونه وإما أن يكونوا قيادات تتآمر على مصالح شعبها وتريد أن تقف في المقدمة من خلال خلق العراقيل والمشاكل وعدم القبول بأي حلول من شأنها أن تخدم الشعب وتحقق له السلام والحياة الكريمة.

فكما أسلفنا يظهر أن بعض القيادات الجنوبية قد سلمت قيادها لأطراف خارجية وهذا الخارج لا يريد مصلحة البلد بل يريد جر البلد إلى العنف من أجل تحقيق مصالحة ، فهل يتصف بالحكمة من يدمر بلده من أجل أن يخدم مصالح آخرين، يبدو جليا أن بعض قيادات الحراك الجنوبي قد أدمنت المشاكل والخلافات وأن هذه الخلافات منحتها حق الظهور في وسائل الإعلام بعد أن كانت مغيبة وهي لأجل هذا لا تريد أي حل عادل للقضية الجنوبية ، بل تريد الزج بالبلد في فوضى عارمة معتقدة خطأ أن مصيرها النجاة من أي ضرر فأغلبهم يعيشون حياة رغدة في الخارج وأي فوضى إنما تجلب الضرر والمعاناة على حياة المواطن الفقير الذي يرى بلاده تتآكل من الداخل والموت يحيط به من كل جانب والفقر يتهدده .. فهل تعي القيادات هذا الأمر وتفكر بمصلحة الشعب الذي لا يمكن أن تتحقق مطالبة إلا عبر الحوار الجاد الخالي من أي تنصلات...


الرؤية الثانية:
يعرف القاصي والداني أن القيادات الجنوبية قيادات واعية عشقت الوطن وآمنت بقضايا الشعب وأرادت أن تبني يمنا آمنا وديمقراطيا يحصل فيه كل مواطن على حقوقه بشكل متساو وحرصها هذا جر عليها مؤامرات حاقدة كانت تدبرها العقليات الحاقدة والمتآمرة على الأنظمة التي لا تتوافق مع رغباتهم التسلطية ونزعاتهم الأنانية وتخشى أن تنموا قوة في أرض الجزيرة قد تهدد عروشهم وتقوضها وتعيد اللحمة إلى الإنسان العربي الممزق، فالبلدان الحرة لا تنهض وتسير في ركب التقدم إن لم تتعزز في وجدان أبنائها قيم الولاء الوطني في ظل نظم سياسية تحقق للأفراد العدالة الاجتماعية،وكان الأمل في الوحدة أن تلم شعث اليمنيين وتعزز في وجدانهم قيم الولاء الوطني فيتناسوا جراحات الماضي ويتآزروا لبناء يمن موحد وقوي ومزدهر ؛ ولكن قوى العمالة والارتزاق لم تكن صادقة النوايا وهي تتلو على المسامع ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا) بل كانت تمارس من تحت الغطاء ما يمنحها القبول لدى القوى الحاقدة على اليمن ووحدته، لهذا بدأت تفتش عن ثغرة تدمر بها هذا الانجاز الذي تحقق لتعيد الوطن إلى مربع التمزق والتشرذم الذي ترونه اليوم ماثلا أمام العين.. هذه القوى أخذت بعد أن تحققت وحدة الشعب تنتج المؤامرات عبر ضعفاء النفوس الذين مرقوا عن الحق وخانوا الأخوة وسفكوا الدماء في الجنوب أولا ثم في ظل دولة الوحدة ثانيا وكان الحاضن لهذه القوى هو نظام الشمال الذي منحها مطلق الحرية لتمارس القتل والتدمير والفساد في جسد الوطن.

لقد أخذت قوى العمالة والارتزاق تعبئ الناس بالأحقاد وتقذف بهم في مستنقع الإرهاب من أجل طعن البراءة التي دخل بها شعب الجنوب وقيادته الوحدة وكل هذا من أجل الانتصار للجشع المادي والنزعة التسلطية وغرس الهيمنة والظلم من خلال وحدة الضم والإلحاق التي فتحت الباب على مصراعيه أمام قوى الفساد والإفساد بعد حرب 94م لكي تمارس فسادها وتعيث بمقدرات شعب الجنوب كيفما يحلو لها دون أن يصرخ في وجوههم أحد ولم نسمع أي فتوى من شيخ يجرم الفعال المنكرة التي تمارس في حق شعب الجنوب وأرضه ومكتسباته.

كان المؤمل من الوحدة السلمية التي تحققت في 22 مايو أن تعيد مياه الحياة في اليمن إلى مجاريها ويتم في ظلها التسامح والتصالح بين كل قوى البلد المتصارعة ورأب الصدع وتحقيق اللحمة الوطنية ثم النهوض لبناء يمن موحد ديمقراطي عادل يحصل فيه كل مواطن على حقوقه غير منقوصة.. لكن هذا ما لم يحدث والسبب هو غرق الشمال تحت هيمنة العمالة لقوى خارجية لا تريد أن ترى وحدة ناجحة في البلد يستظل تحت ظلها كل فرد من أبناء اليمن في الشمال والجنوب، وتحدث من خلالها ثورة على الجمود والتخلف والقبلية المقيتة والتسلط الفردي وينهض ابن اليمن بحماسة ووطنية إلى بناء بلده ويساهم في تنميته وتقدمة من خلال الممارسة الديمقراطية الحقيقية التي بموجبها يحقق ذاته كشعب تواق إلى التغيير والحرية وكسر حدة الهيمنة والتسلط.. وهذا ما صدمت به قيادة شعب الجنوب بعد تحقيق الوحدة حيث أخذت قوى العمالة والارتزاق في البلد تعبئ الأنصار بالحقد الذي يتجه بإرادة الإنسان في وجهة غير الوجهة التي كان ينبغي لها أن تكون متلبسين رداء التدين الزائف ومستندين إلى خطاب تكفيري رجعي ضد مواطن الجنوب الذي لم يراع حملة الفكر الديني الرجعي كرامته وشرفه وراحوا يخترعون كذبا وزورا التهم التي لا تمت إلى الوطنية بصلة ويعبؤونها القصر من الشباب الطائش لكي يسوقونهم إلى تنفيذ جرائم بشعة في حق أخوانهم من الجنوبيين عبر سلسلة الاغتيالات السياسية الحاقد التي أخذت تطال كوادر الحزب الاشتراكي وهذه الخطوة هي علامة من علامات طعن الأمل في أن يسير مشروع الوحدة في طريقه الصحيح والمؤمل .

ورغم الجراح التي عانتها القيادات الجنوبية بسبب الغدر والخيانة التي أظهرتها بعض القيادات العميلة في الشمال،ومن والاهم من أبناء الجنوب فقد تسامت القيادات الجنوبية على ذلك واعتمدت لغة الحوار منهجا لتنقية النفوس من الأحقاد ولم الشمل والقضاء على أمد طويل من التفرقة والتمزق وزرعت بتضحياتها الوطنية - التي اعتبرها الحاقدون سذاجة وغباء- الفرحة في نفوس الملايين من أبناء الشعب اليمني،وذلك حين أصرت على تحقيق أعظم هدف وهو وحدة الأرض والإنسان والذي كان شعارا لها طيلة فترة حكمها للجنوب في حين كان شعار الحاقدين من العملاء والمرتزقة (الثار لمحو العار)، وكان أملهم أن يتفهم أخوانهم في الشمال هذه التضحية ويمدوا أيدي بعضهم إلى بعض من أجل أن يبنوا معا يمنا موحدا يقضون فيه على رواسب الماضي التي زرعت الظلم الاضطهاد والحقد والكراهية والتخلف، يمنا ديمقراطيا مدنيا يستثمرون جميعا خيراته بما فيه مصلحة الشعب والوطن الذي يمنحهم وجودهم كقادة ، لكن ما إن انتهت أفراح الوحدة حتى بدأت تظهر نوايا الطرف الذي ترعرع على العمالة والارتزاق ولا يجيد إلا لغة العنف وإراقة الدماء قد رتب الغدر وأخذ يحصد الأرواح البريئة من كوادر الجنوب ومضوا وراء غايات شيطانية بدت لهم أنها تعزز قيما أصيلة ولم يدر في خلدهم أن القدر يعد العدة لكي يجعل كيدهم بينهم وأن المشيئة الإلهية ستنتقم منهم وأن الخائن والمخادع سينكشف دجله وخداعه وفعاله لأن الله لا يهدي كيد الخائنين ، وأنهم بفعالهم الشنعاء إنما يدمرون حلم الشعب اليمني في بقاء الوحدة والأمن والاستقرار والديمقراطية وبالمقابل يدمرون حلم الأمة العربية والإسلامية التي تتوق نفوس الشرفاء من أبنائها إلى التوحد لكي تخرج من عباءة الذل والهيمنة وتعيد أمجادها المندثرة وتاريخها المشرق.

وهكذا زرعت الأحقاد في عقول أهل الحكمة والإيمان إضمار النوايا الخسيسة التي اتضحت من خلال فعالهم المنكرة التي جرّوا بها البلاد إلى العنف ضد الشريك الذي هجر أرضه وجاء إليهم آملا منهم أن يقدروا التضحية التي قدمها لهم، ورغم أن قيادات الجنوب رأت أبناءها وإخوانها يقتلون غدرا وبأياد عميلة ومدعومة من قيادات شمالية تحلت هذه القيادة بالصبر والحكمة وشعرت بحجم الخطأ الذي أوقعتها فيه النوايا الصادقة والحرص على لم الشمل وتناسي أحقاد الماضي حين ضنت أنها تمد يدها إلى أيادي قوم يتسمون بالحكمة والإيمان والحرص على القيم الأصيلة ويهمهم في المقام الأول مصلحة الوطن ومستقبل الشعب اليمني التواق إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، لكن اتضح لها أن الحقد والارتزاق قد أعمى بصيرتهم فأخذوا يهتمون بمراضاة الدول التي يتمسحون تحت أقدام حكامها طلبا للمال حتى وإن كان على حساب أرواح الأبرياء ممن وثقوا بهم وعاهدوهم ودخلوا معهم في شراكة وعلى حساب القيم ، فبدلا من أن ينتصروا للحكمة وقيم الوحدة والوفاء بالعهد انتصروا للأسف للحقد والعمالة والجشع واللصوصية.

فبعد أن قبلت قيادة الجنوب بالانتخابات وسعت إلى أن تتم في مناخات ديمقراطية وأجواء تمنحها قدرا من الصدق وتمنع النفوس المتعطشة لتزوير إرادة الشعب .. وجدناهم يستغلون بكل حقارة الأغلبية السكانية ويدفعون المواطن الشمالي عبر التعبئة الخاطئة والتهم الشنيعة التي أخذت مخيلاتهم تنتجها وتضخمها ضد مواطن الجنوب الشريف لمحاربته أملا في التخلص من قيادته وتجريده من قوّته الحامية لمصالح الشعب وبالتالي تكريس جشعهم والاستئثار بحقوق شعب الجنوب التي صادروها كغنائم لهم..ولم يكتفوا بما غنموه في الحرب من مدخرات شعب الجنوب بل سولت لهم عقلياتهم المريضة ونفوسهم التي تربت على الجشع إلى التنافس في نهب كل ما يقع تحت طائلتهم من أراض وعقارات وثروات طيلة فترة حكمهم للجنوب ولم يراعوا مشاعر المواطن الجنوبي الذي وقف يصرخ بمرارة ويلعن اليوم الذي ساقته قدماه إلى الانتصار لمبدأ عظيم ناضل من أجله الشرفاء وضحوا بالدماء الغالية ولكن ثمرته اقتطفها الخونة والعملاء والمتلصصين على الوطن الذي راح مواطن الشمال يخلع عليهم الألقاب العظيمة ويفاخر بهم الشيطان الرجيم فمنحهم ثقة كبيرة في التنافس على نهب خيراته والتعدي على حقوقه ومكتسباته ولكن رحمة الله بهذا الشعب الصابر قد نزلت فتصارع الطامعون فيما بنهم واقترفوا في حق بعضهم الجرائم المنكرة التي لم تسطر أبشع منها حتى شياطين الخرافات.

إن الجميع يعرف أن أعداء الوحدة والوطن الذين فضلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الشعب هم تلك الشرذمة العميلة المتمثلة بقيادات في حزب المؤتمر وحزب التجمع اليمني للإصلاح وبعض القيادات الجنوبية الموالية لهم والتي تآمرت ضد أهلها وكان ثمرت عملها أن جلبت لشعبها الاستعمار الذي أخذ ينهب حقوقهم ويقصيهم بلا رحمة .. هذه القيادات جربتها القيادات الجنوبية في الماضي وتحاورت معها ووضعت العهود ومواثيق الوحدة ودستورها ووثيقة العهد والاتفاق وبنودها التي ما زالت توقيعاتهم شاهدة على ذلك، فهل كانوا ممن يؤمنون بالحوار والتفاهم وتجنيب البلاد الوقوع في الكوارث والأزمات أم أنهم كانوا متنصلين من كل القيم ولا يحتكمون إلا لما يحقق لهم أطماعهم.

بالنظر إلى ما أفرزه الواقع المؤلم الذي فرضه الشمال على الجنوب والذي أقدم فيه الطرف المنتصر إلى ممارسات لا تمت بأي صلة إلى قيم الوحدة والمحافظة عليها نجد أنهم خططوا إلى إقصاء الجنوبيين من الشراكة ثم من وظائفهم وتعطيل مؤسسات الجنوب الاقتصادية ونهبها ومصادرتها للمتنفذين ونهبوا البيوت والمقرات الحكومية وبسطوا على الأراضي الشاسعة وصادروا بعض الأراضي التي تعود لملكية أبناء الجنوب لمتنفذين من الشمال بينما مواطن الجنوب لم يحصل على شبر في الشمال، ثم أغرقوا الجنوب بالفساد والفوضى وأعادوا المجتمع المدني إلى مجتمع قبلي فدمروا كل جميل في الجنوب وكل هذا انعكس تأثيره على الشباب الذين وجدوا أنفسهم مبعدين من كل شي فكثرت البطالة في صفوف الشباب الجنوبي وزادت المعاناة وكان ثمرة هذا كل هذا القهر الذي عبر عنه شعب الجنوبحين وجد متسعا للتعبير عن إرادته حيث ظلت سلطات النظام الذي فرض نفسه على الجنوب تمارس القمع والارهاب ضد الإرادة السلمية الجنوبية وقتلت الكثير من الشباب فمن يأخذ بحقهم ويعاقب كل من أقدم على قتلهم وهم عزل من السلاح.

عندما تدعى قيادات الجنوب إلى الحوار وأمامها كل هذا الجرم الماثل ضد شعبها فكيف لها أن تحاور طالما والشعب يرفض فكرة الحوار التي الهدف منها تمييع قضية شعب كان له دولة مستقلة ذات سيادة دخل في شراكة مع دولة أخرى ولكنها لم تراعي أي عهد وأي اتفاق ولا تؤمن إلا بلغة الهيمنة وفرض رغباتها بأي وسيلة.

وإذا كان الأثر يقول (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) فقيادة شعب الجنوب لا يمكن أن تتحاور مع أناس أثبتت التجارب عدم إيمانهم بالحوار في ظل سكوت دولي عن ممارساتهم،.
الجنوب قيادة وشعبا يؤمن بالحوار وقد مارسه في الماضي ولكن الخيانة التي واجهته بها حكام الشمال كانت مؤلمة وصادمة لأي أمل لديهم بأن الحوار الذي يريد الأشقاء الاحتكام إليه كوسيلة لحل الأزمة أن يكون مجديا.

لا ترفض القيادات في الجنوب الحوار كمبدأ من مبادئ حل الخلافات ولكنها ترفض حوارا هشا، ومع عقليات لها فلسفات متناقضة تتظاهر أمام الآخرين بأنها مسالمة ومتقبلة لنتائج الحوار وتحتكم في الغرف المظلمة إلى إجراءات تناقض ما يتم الاتفاق عليه، نحن لن نخدع مرة أخرى ولهذا لن نقبل بحوار ليس فيه أي ضمانات بالخروج بحلول قد تقدم للشعب في الجنوب ما يصبو إليه، لقد صبر شعب الجنوب على الظلم وكان يأمل أن يأتي من ينصفه ولكن الشمال كرس الهيمنة من خلال نظام قمعي جعل الجنوب تحت الهيمنة العسكرية وأقصى شعب الجنوب من مرافق الدولة وعطل الاقتصاد الجنوبي ونهب ممتلكات الشعب ومارس ما يتناقض مع القيم الوحدوية وفوق هذا يتشدق باسم الوحدة باعتبارها منجز ، الوحدة قد تكون منجز في نظر من نهبوا حقوق الآخرين لكنها في نظر الخاسر والمصادرة حقوقه كارثة ولهذا يجب أن يعرف المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي أن الحوار الحقيقي يجب أن يكون بين الشمال والجنوب بالتكافئ ، وعلى قاعدة هي إن كان شعب الجنوب متقبل للوحدة فلتبقى وإن كان غالبيته اليوم رافض للوحدة ويطالب باستعادة دولته يجب أن تحترم إرادة هذا الشعب ويسلم قادة الشمال أن سياستهم في فرض الوحدة بالقوة واتخاذهم من الوحدة ذريعة لنهب الجنوب وإقصاء شعب الجنوب هو جريمة ارتكبت ضد الوحدة وأنهم طعنوا الوحدة بأيديهم وأن ليس للشمال أي خيار في مسألة الوحدة لأنهم هم من شن الحرب وفرضوا الوحدة بالقوة وهم من حكم البلد بعد 94م فأنتجوا الواقع المأساوي في الجنوب وهو الواقع الذي أخرج الشعب لكي يطالب بالعدالة والإنصاف بطرق سلمية ينبغي أن يحترمها العالم أجمع إذا كان يؤمن بالسلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

إن المجتمع الدولي لا يريد حل قضية شعب الجنوب واحترام إرادة أبنائه والدليل أن المبعوث الذي اختاره ينتمي لدولة عربية لديها مشاكل وطوائف تطالب بحق الانفصال وهو بهذا لا يمكن أن ينقل صوره صحيحة عن الوضع وسيكون أداة طيعة بيد القيادات الشمالية لكي يكتب تقاريره بالصورة التي يملونها عليه.

اختيار جمال بن عمر كمبعوث من أجل حل خلافات البلد هو اختيار يوحي بأن المجتمع الدولي لا يريد الوقوف بحيادية في القضية الجوهرية بين الشمال والجنوب وإنما هو اختيار انحيازي ضد طرف لصالح طرف آخر.

بالمقابل يتضح من سلوكيات قيادة ما بعد صالح أن النية الصادقة في حل القضية الجنوبية منعدمة والدليل دمج هذه القضية المصيرية مع قضايا تخص الجمهورية العربية اليمنية وهي قضايا يمكن ترحيلها إلى ما بعد البت في القضية الأساسية بين الشمال والجنوب وهما دولتان اتحدتا وفق اتفاقيات معلنة وباقية ولكن حدث تآمر على دولة الجنوب وسكت المحيط الإقليمي والدولي عن كل الظلم الذي حاق بشعب الجنوب وهذا السكوت المخجل دلالة على أن تصورات خاطئة ينقلها المحيط المجاور ويغرسها في عقول كل من يأتي إلى البلد ليعاين المشكلة.

لكي تقبل قيادات الجنوب بحوار حضاري تطالب أولاً.. أن يكون الحوار بين دولتين دولة الجنوب بقياداتها التي يرتضيها الشعب وبين قيادات الشمال ونحن نعرف من هم قادته الحقيقيين.. وليس تحت إشراف رئيس جنوبي صوري لا يملك القرار النافذ. ثانيا أن تكون القضية الجنوبية بعيدة عن القضايا التي افرزها واقع الشمال المتخبط .. ثالثا: يكون الحوار تحت ضمانات دولية وإقليمية تكون هي الطرف البات في الأمر.

وفي الحوار يجب أن يطرح كل طرف ما لديه هنا نقبل بالحوار لكن حوارا تناقش فيه قضية زواج القاصرات وطلاق المطلقات وقضية بائعي الفرشات والباعة المتجولين مع قضية شعب الجنوب هو حوار فيه تلاعب وخداع ولن يخرج بنتائج مرضية وبالتالي سيكون هناك تمييع لقضية شعب خرج بالملايين ليطالب بحق يعرف القاصي والداني أنه صاحب حق ولكن هناك من يتكتم على قول الحقيقة ويرسم في عقول صناع القرار الدولي تصورات خاطئة.

لهذا يجب أن يعرف الجميع إن أي جنوبي شريف مع قضية شعبه ووطنه لن يقبل بالحوار وهو يدرك ما أسلفنا القول فيه، فالحوار لا يتقبله من أبناء الجنوب إلا شخص خائن لوطنه ولدماء الشهداء التي سالت من أجل هدف واضح ومحدد وهو النضال من أجل التحرير والاستقلال واستعادة الدولة.

والمخيف في الأمر والذي يحمل بوادر عدم حسن النية أن قيادات الشمال التي تآمرت ضد الجنوب وحرفت مسار الوحدة من شراكة إلى احتلال تتعاطى مع القضية الجنوبية بطرق غير صادقة فحين رأت هذا الزخم الهادر والرفض الواضح من قبل شعب الجنوب بدؤوا يعترفون بأن لشعب الجنوب قضية وهذه القضية هي فقط والحقيقة أن قضية شعب الجنوب لم تعد قضية حقوقية بل هي أوسع من ذلك إنها قضية سياسية وحلها لن يكون مجديا إلا حين يعود كل طرف إلى ما قبل 22 مايو..